مقالات وآراء

حرب الاشرار وحكمة الله في القضاء على الظالمين

حافظ يوسف حمودة

 

رويدا رويدا سينكشف المستور ، الحرب الحالية التي اندلعت بين إيران وإسرائيل في طريقها المؤكد للخروج عن السيطرة . إذا أردت فهم لعبة الصراع بين إسرائيل وايران في السابق والتي تبدو في ظاهرها كأنها صراعاً دامياً بين عدوين لدودين ، لكنها في الحقيقة نتيجة سنوات طويلة من التفاهمات الخفية والمخططات الكبرى التي حيكت في الغرف المغلقة بعيداً عن أعين الشعوب ، فإيران وإسرائيل رغم كل العداء الظاهر بينهما يشتركان في هدف واحد هو إبقاء هذه المنطقة في حالة دائمة من الفوضى والخوف والتقسيم خدمةً لأجندات أكبر مما يظنه الناس .

 

منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران رفعت شعارات الموت لإسرائيل ونصرة فلسطين ، لكن الواقع أثبت أن تلك الشعارات لم تتجاوز حدود الخطابات ، وأن جبهات المقاومة لم تكن سوى أدوات في لعبة إقليمية ودولية متحكمة فيها . لم تطلق إيران رصاصة واحدة من أراضيها مباشرة على إسرائيل منذ أكثر من أربعين عاماً ، وكل ما جرى من مواجهات كان يتم عبر وكلاء وميليشيات تُستخدم وقت الحاجة وتُسكت حين يطلب منها السكوت . وكل هذا تم تحت نظر ورعاية أمريكا وبريطانيا اللتين تركتا إيران تطوّر قدراتها العسكرية ، ولم تتدخلا بجدية بل سهلتا لها ذلك في السر حتى تظل فزاعة تستخدم لابتزاز الخليج وتبرير بقاء القوات الأجنبية في المنطقة .

 

الخليج العربي وجد نفسه بين فكَّي كماشة ، من جهة تهديدات إيران ومن جهة أخرى وعود الحماية الغربية التي لا تأتي مجاناً . هكذا أصبحت الدول الغنية تنفق المليارات على شراء السلاح وعلى صفقات أمنية لا تنتهي ، فيما تُنهب ثروات الأمة ويُمنع أبناؤها من التفرغ للبناء والعلم والتقدم . الصراع السني الشيعي الذي تروّج له إيران من جهة ، وتغذيه إسرائيل من الجهة الأخرى ، ليس سوى أداة لتفتيت الأمة الإسلامية من داخلها ، وإبقاء المسلم مشغولاً بقتال أخيه بدلاً من مواجهة عدوه الحقيقي .

 

اغتيال الرئيس الإيراني الأخير لم يكن سوى حلقة من حلقات التصعيد المفتعل ، الذي يُستخدم كل مرة لتوجيه الأنظار وتفريغ الغضب الشعبي في اتجاهات مضللة . يتم تقديم الحدث على أنه ضربة موجعة تستدعي الرد ، ويشتعل الإعلام بالصراخ والتهديد ، لكن خلف هذا الضجيج يُعاد ترتيب الأوراق ، ويُجهز لمشهد جديد من لعبة الخداع الكبرى . وهكذا تسير الشعوب خلف العناوين الكاذبة ، وتُدفع إلى حروب لا تعرف من أشعلها ولا من المستفيد منها .

 

لكن النار التي اشتعلت الآن خرجت عن السيطرة . وما كان يُراد له أن يكون تمثيلية جديدة انتهى بحرب حقيقية ، تدمر وتقتل وتحرق الأخضر واليابس . الغرب الذي اعتقد أنه قادر على إدارة الفتنة ، سيجد نفسه عاجزاً أمام امتدادها واتساع رقعتها . لم تعد إسرائيل قادرة على حماية جبهاتها ، ولا بوسع إيران أن يوقفوا جحيمها . المشهد يزداد ضراوة والحلفاء من كل الأطراف يسكبون الزيت على النار ، إعلامياً، وعسكرياً حتى صارت المنطقة كلها على شفير الانفجار الكبير .

 

لكن هذه الحرب ، على بشاعتها ، تحمل في طياتها حكمة إلهية في نهاية مرحلة وبداية أخرى . فالشعارات الكاذبة تنهار ، والأقنعة تسقط ، والحقائق تظهر . إسرائيل التي ادّعت أنها لا تُهزم ، وإيران التي أوهمت أتباعها بأنها قلعة المقاومة ، كلاهما يتصدع الآن ، وتظهر هشاشتهما أمام شعوب بدأت تدرك اللعبة ، وتفهم من يقتلها باسم الدين ، ومن ينهبها باسم الحماية .

 

وفي نهاية هذا المشهد المؤلم ، لا بد أن نذكّر أنفسنا أن الله لا يترك الظالم مهما تجبّر ، وأن كل هذه الفتن ، مهما طالت ، هي تمحيص وامتحان . النصر يكون لمن صدقوا مع الله ، وعملوا لنهضة الأمة ، ورفضوا أن يكونوا أدوات في أيدي المستعمرين . نعم، المعركة اليوم مؤلمة ، لكن يحمل بشارة ، ووعد الله لا يخلف . سيزول الباطل ، وستنهار مشاريع الشر ، وسيبقى : (العاقبة للمتقين) .

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..