أخبار السودان

ضعف نسبة استخدام الإنترنت أحد أهم أسباب تعطل اندلاع الإنتفاضة الشعبية .

ثروت قاسم

1 – مقدمة :

استعرضنا في مقالة سابقة بعض الأسباب ( ومنها القمع المفرط ، وحاجز الخوف ، واللامبالاة المرضية ) وراء توقف المظاهرات الإحتجاجية منذ يوليو 2012 ، وتعطل اندلاع الإنتفاضة الشعبية ، رغم توفر كل الأسباب الداعية لتفجرها .

ونبدأ في هذه المقالة باستعراض سبب أخر من هذه الأسباب ، وهو عدم تعامل المثقفين وأهل النظر ( ولا نقول العوام ) مع الإنترنت ووسائل الإتصال الحديثة كما يجب ؟

2 ? تكجين السودانيين للإنترنت ؟

دعنا نبدأ بسرد حكايتين تؤكد كل واحدة منهن الوضع المحوري الذي يحتله الإنترنت في المجتمعات ( الصاحية ) .

3- الحكاية الأولى :

دعنا نأخذ الدروس والعبر من تجربة ايطالية رائدة في مجال الإنترنت ، ونحكي لكم قصة حركة ( خمسة نجوم ) ؟

في عام 2010 تكونت حركة ( خمسة نجوم ) السياسية في ايطاليا من الصفر ، وهي من تداعيات ( الربيع الإيطالي ) ، أي رفض الوضع السياسي الماثل ، خصوصا من قبل الشباب .

في مارس 2013 ، بعد أقل من ثلاثة سنوات على تأسيسها ، حصدت حركة ( خمسة نجوم ) حوالي 9 مليون صوت انتخابي في انتخابات ايطاليا البرلمانية … أكثر من أي حزب سياسي آخر .

كانت البرنجي !

صدق أو لا تصدق ؟ حركة ( خمسة نجوم ) حركة انترنيتية 100% .

أعضاؤها من النواب الذين تم انتخابهم في البرلمان لم يقابلوا بعضهم البعض وجها لوجه ، وإنما عبر الإنترنت . الناخبون لم يتعرفوا على ممثليهم من النواب من خلال المقابلات الشخصية ، والليالي الإنتخابية ، والتلفزيون ، ، بل حصريا من خلال الأنترنيت .
الميدان في حركة ( خمسة نجوم ) هو الإنترنت فقط .

لا تؤمن حركة ( خمسة نجوم ) بالأحزاب السياسية التقليدية ، وتتهمها بالفساد وعدم الكفاءة والبروقراطية القاتلة .
خرج مؤيدو حركة ( خمسة نجوم ) الى الشوارع وهم يحملون جثمانا كتب عليه:

( ماتت النخبة السياسية) .

وصرخوا في وجوه النواب والوزراء:

( استسلموا… عودوا إلى بيوتكم ) .

ويقول مؤسس الحركة السيد بيب غريلو أنهم استنسخوا تجربة اوباما في الإعتماد على الإنترنت في تكوين حركتهم ، والدعاية لمبادئهم ، والفوز الكاسح الذي حققوه في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في ايطاليا .

استمع الى السيد بيب غريلو وهو يحدثك قائلا :

كل شئ في الدنيا بدأ في ايطاليا .

بعد أنهيار ديمقراطية أثينا وشوري دولة المدينة المنورة ، أستولد الأيطاليون الديمقراطيات مرة أخرى في الجمهوريات الإيطالية في عصر النهضة ( عام 1500) .

بعدها أنجبت ايطاليا نيكولو ماكيافيلي الذي تقود أفكاره المفاهيم السياسية الدولية الحالية.

ولدت الفاشية في ايطاليا . اخترعت أيطاليا نظام الديون والفوائد والبنوك . نمت المافيا وترعرعت في ايطاليا . ولد بروتس في أيطاليا ، قبل أن يصبح ظاهرة عالمية . شيوخ روما في مجلس الشيوخ كانوا منضمة العالم وأبوات الكلام ( قرون عددا قبل ظهور أبو الكلام في بلاد السودان ) .

والآن تخترع ايطاليا أول حركة سياسية مبنية على الإنترنت حصريا … حركة ( خمسة نجوم ) التي سوف تدمر الأحزاب السياسية في ايطاليا واحدا تلو الآخر، لتحوز على كل مقاعد البرلمان وليس 30% فقط . ثم تدمر حركة ( خمسة نجوم ) نفسها ليحكم المواطنون أنفسهم بأنفسهم .

طوباوية ومعجزة من معجزات النبي موسى في القرن الواحد وعشرين ؟

ربما … ولكننا بدأنا الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل ! وسوف نعبر الكوبري وسوف نصل … بفضل مثابرة وصلابة وثبات الشباب الإيطالي !

لا تنس كلمة السر … الإنترنت !

أنتهى كلام مؤسس حركة ( خمس نجوم ) السيد بيب غريلو .

الإنترنت عندهم … والإنترنت عندنا ؟

العالم الأول عندهم … والعالم الثالث عندنا ؟

عالم مبصر رقميا … وعالم ينظر و لا يبصر ( أمية تقليدية وأخري رقمية ) ؟

لا يعرفون الجدري ولا الحصبة … وتقتل الحصبة وحدها مئات الأطفال كل يوم عندنا ؟

عندهم الديمقراطية ودولة المواطنة … وعندنا الديكتاتورية والدولة الدينية والحروب الأهلية ؟

لا تنس : الإنترنت هو بداية الحل ولا نقول الحل ؟

لمزيد من التفاصيل ، يمكنك التكرم بمراجعة الرابط أدناه ( مجلة تايم الأمريكية عدد يوم الخميس 7 مارس 2013 ) :

[url]http://world.time.com/2013/03/07/italys-beppe-grillo-meet-the-rogue-comedian-turned-kingmaker[/url]

4 – الحكاية الثانية :

السيد توماس فريدمان ، من كتاب الأعمدة في صحيفة النيويورك تايمز . يلعب السيد توماس القولف مع اوباما ، ويتونس معه ونسات دقاقة ، ويخاطبه باسمه الأول حافيا ( باراك ) .
قال :
ماهو السر ، يا باراك ، في اكتساحك الإنتخابات الرئاسية للمرة الثانية على التوالي ، رغم وقوف اللوبي الإسرائيلي ضدك ، ودعم نتن يا هو وايباك العملاقة لخصمك دعما مكشوفا ومكثفا ؟

قال :

الإنترنت !

دعنا نري صحةهذه المقولة ؟

يرسل اوباما من الحين للآخر, ومن حاسوبه الخاص رسائل إلكترونية لعشرة مليون عنوان إلكتروني ، ومن بينها ثلاثة ملايين لمتبرعين لحملته الإنتخابية ، يخطرهم فيها بآخر الأخبار ، والجديد في قراراته .

وأثناء حملته الإنتخابية كان عنده ثلاثة مواقع إلكترونية ، تربطه ربطاً يومياً بمؤيديه العاملين وعددهم عشرة مليون ، مما يجعل هؤلاء المؤيدين لا يحتاجون لقراءة الجرائد، أو مشاهدة التلفزيون، أو سماع الراديو، لمعرفة آخر الأخبار عن اوباما .

فاوباما يمدهم بها على جهاز الحاسوب الشخصي لكل واحد منهم ، في حميمية ، وإتصال شخصي مباشر ، وكأنه صديق شخصي لكل متلقي .

ويحيط اوباما نفسه بعمالقة الإنترنيت ، فمن الصق مستشاريه :

Chris Hughes

( 29سنة ) مؤسس

. Facebook

و Eric Schmidt

صاحب Google والمشارك في Apple .

يرسل اوباما كل يوم سبت رسالة أسبوعية عبر الـ YouTube بالفيديو لكي يستطيع كل العالم سماع آراء، ورؤى، وأفكار اوباما على الهواء مباشرة . والتعليق مفتوح لكل من يرغب من المشاهدين .

صلة مباشرة بين القائد وأهله .

لأوباما مكتب خاص يقرأ كل رسالة من الرسائل المرسلة عبرالانترنيت ، ويختار كل يوم عينة منتقاة من عشرة رسائل يقرأها أوباما ويرد عليها ويشير الي بعضها في حواراته مع وزرائه .

كما تري يستفيد اوباما من الإنترنيت فائدة قصوى .

ياتري هل يملك الرئيس البشير علي أيميل خاص به ؟

لا نرجم بالغيب ، ولكن نعرف ان 25 من 30 من أعضاء المكتب السياسي للحزب الأتحادي الديمقراطي ( الأصل ) قد أعترفوا للسيد محمد الحسن أبن مولانا بأنهم لا يملكون علي ايميلات خاصة بهم ، عندما طلب منهم تسجيل ايميلاتهم ليسهل له الأتصال المباشر بهم ؟

5- الحرب الرقمية !

+ أجمع المحللون على أن الحرب الإلكترونية ( الإنترنيتية ) سوف تكون العنصر الأبرز في الحروب المقبلة … الحرب الرقمية .

+ وسوف تسمع عن الدبلوماسية الرقمية ، التي سوف تحل مكان الدبلوماسية التقليدية ، وعن الحكومة الرقمية ، وعن الصحافة الرقمية في محل الورقية .

+ في الماضي كانت الصراعات البشرية تتمحور حول السيطرة على الأرض، اما في المستقبل فسوف يكون التركيز على السيطرة على العقول، وهذا ما وفرته التكنولوجية الرقمية الحديثة في عالم الإتصالات والإنترنت .

+ بدأت حرب الفيروسات الإلكترونية التي تشل أجهزة العدو وتعطلها ، كما حدث من تخريب للمفاعلات النووية والبنوك ومراكز البحث العلمي الإيرانية بواسطة الفيروسات الإلكترونية الإسرائيلية .

+ شابة تمضغ اللبان أمام جهاز كومبيوتر في قاعدة عسكرية في مدينة تامبا في ولاية فلوريدا تحرك ، بالأنترنيت ، طائرات الدرون ( طائرة بدون طيار ) المتمركزة في أفغانستان ، وترسل الشابة ، بالانترنيت ، صواريخ الدرونات لتدمير مواقع الطالبان في جبال التورا بورا … والشابة لا تزال تلوك في لبانها في مكتبها المكندش في تامبا .

هذه هي حرب الأنترنيت في القرن الحادي والعشرين .

6 – سكرتارية الجبهة الثورية السودانية ؟

+ لو تعاملت سكرتارية الجبهة الثورية السودانية في كمبالا كما يجب مع الانترنيت ، لما حدثت الورجغة الحالية حول مسودة ميثاق الفجر الجديد ، ولما بقي 6 من زعماء المعارضة في الحبس التعسفي في أقبية جهاز الأمن ، بعد رجوعهم من كمبالا .

كان المفروض والمنطقي ، أن ترسل سكرتارية الجبهة الثورية في كمبالا مسودة ميثاق الفجر الجديد ، بالانترنيت ، لكل مكون من مكونات قوي الأجماع الوطني في الخرطوم . تتكرم السكرتارية بأعداد مسودة ثانية معدلة بناء علي التعليقات التي تستلمها ، بالأنترنيت ، من مكونات قوي الاجماع الوطني ، وترسلها ، بالأنترنيت مرة ثانية لمكونات تحالف قوي الاجماع الوطني ، للتعليق .

وهكذا دواليك حتي تصل الي مسودة نهائية مقبولة لكل مكون من مكونات قوي الأجماع الوطني . وبعدها يتم التوقيع علي المسودة النهائية لميثاق الفجر الجديد في الخرطوم وكمبالا في نفس اليوم .

+ في المحصلة ، أختارت سكرتارية الجبهة الثورية السودانية في كمبالا أن تتجاهل الانترنيت وكأنه غير موجود ، وتتعامل ، أو بالتلفون والكلام الشفهي مع ممثلي مكونات قوي الأجماع الوطني ، ثم وجها لوجه في كمبالا .

لماذا ؟

حمدو في بطنو !

ونسي قادة الجبهة الثورية السودانية الشابة الأمريكية التي تمضغ في اللبان في فلوريدا ، وتحرك الدرونات ، بالانترنيت ، في جبال التورا بورا في أفغانستان .

سبب أخر ( عدم التعامل المرضي مع الأنترنيت ) وراء أستمرار الجبهة الثورية السودانية في مكافحة عدوان الأبالسة دون النجاح في صد عدوانهم والأطاحة بهم .

ربما كان الأنترنيت أنقذ حياة 300 الف دارفوري ، وأوقف تشريد أكثر من 3 مليون نازح ولاجئ في معسكرات الذل والهوان .

نقول كل ذلك بحسرة ، ونعرف أن الرئيس جبريل أبراهيم متفقه في الأنترنيت ، رغم ان زملائه لا يكادون يفقهون في الأنترنيت الا قليلا .

نواصل …

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لك ولقراء الراكوبة التحية
    كلام موزون ومُمَنطق …
    بس المشكلة فى الانترنت تعتمد على ((اليوسر)) او المستخدم (الامريكية البتلوك فى اللبانة) لديها وعى بالقضية التى تحرك بها الطائرة وقضيتها ((هى اى لف ماى كنترى اى لف امريكا)) …بس هل لدى شبابنا ذلك الوعى؟؟؟؟؟؟

  2. كلام طيب …. بس الليله هبشت صاحبك (الذي عنده علم من الكتاب) ووصفته بانه (أبو الكلام)….. ان شاء الله خير .. هل هو عتاب المحبين!!؟؟ أم ردة عن حب (ود فحل) ؟؟؟!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..