الأحزاب السودانية وغياب المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد

طاهر عمر
غياب فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد جعلت أتباع الأحزاب السودانية يتكالبون على ما تركته الإنقاذ من ركام ظنا منهم بأن ركام الانقاذ يشكل دولة وما عليهم غير التهافت على تقسيم الوظائف في محاصصة بليدة لا تذكر بغير نخب زمن الاستقلال و فكرة السودنة وكيفية التكالب والتهافت على ما تركه الانجليز من وظائف.
تهافت قحت على المحاصصة ما هو إلا إعادة نفس لحظة خروج الانجليز وكيف تهافتت النخبة السودانية على سودنة الوظائف دون الاهتمام بفكرة الدولة كمفهوم حديث ودون التفكير في السلطة كمفهوم حديث يحتاج لفكر وتنظيم يضمن تماسك المجتمع ولا يكون ذلك بغير وجود فكر يفسر كيفية خلق الثروة وإعادة توزيعها أي بإختصار كانت لحظتها هي لحظة ترسيخ فكرة الاقتصاد والمجتمع.
وفكرة الاقتصاد والمجتمع كانت تلخيص جيد من علماء اجتماع قد أيقنوا بأن الغاية من المجتمع هو الفرد لأن الفرد يحمل توقه الى قيمة القيم وهي الحرية وبالتالي كانت فكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد قد تبلورت في فكرة الحد الادنى للدخل لكل فرد قادر على العمل ولم يستطع وجود فرصة عمل بسبب عجز الحكومة في توفير فرصة للعمل أو بسبب عجز بسبب المرض وأو إعاقة قد ألمت به بسبب عمله وهنا تكمن المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد ولم نجد لها أي بعد فلسفي في طرح الأحزاب السودانية.
لأن كل الأحزاب السودانية ذات منحى ديني و معروف أن أحزاب وحل الفكر الديني لا تنظر للفرد غير أنه وسيلة لتحقيق غاية و قد رأينا كيف فوّجت الحركة الاسلامية منسوبيها الى محرقة الحرب في جنوب السودان و قد أوهمتهم بفكرة عرس الشهيد وعرس الشهيد يوضح لك كيف كان الفرد وسيلة عند الاسلاميين وليس غاية.
لهذا نجد أن علماء الاجتماع ينظرون الى أن الشيوعية والفاشية و النازية والحركات الاسلامية لا تنظر للفرد غير أنه وسيلة وليس غاية لهذا كانت الشيوعية في الاتحاد السوفيتي تنظر للانسان كوسيلة وليس كغاية وبالتالي قد إستخدمت الشيوعية قوة الدولة وحطّمت بها المجتمع. وقد أحتاج تنامي الوعي لعقود في الاتحاد السوفيتي حتى تتضح الرؤية وينضج الهدف للشعوب وتسلك دروب الحرية.
وهذا ما يحتاجه الشعب السوداني بعد خروجه من نير الحركة الاسلامية وقد إستخدمت الانقاذ قوة الدولة وقد حطّمت بها المجتمع مثلما فعلت الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وهذا يوضح لك كيف تلتقي الحركة الاسلامية مع الشيوعية في فكرة إيمانهم بالمطلق وإلتقاهم في فكرة تقديم حلول نهاية كوهم يتلبس الكوز والشيوعي السوداني.
وإذا أردت أن تقارن أنظر لممارسة الحزب الشيوعي السوداني وطرحه لا يشبهه غير إلحاح الكيزان كإلحاح الذباب في أن يعود بهم الزمن للحكم وهيهات ووجه الشبه بين أتباع الحركة الاسلامية والشيوعي السوداني وإلتصاقه بأوهام الشيوعية يتجلى في طرح الحزب الشيوعية للحلول الجذرية وغيرها من اوهام من يكون ضحية فهم تقديم حلول نهاية كما يفعل الكوز والشيوعي السوداني في تدميرهم لمسارح الفكر في السودان.
عندما نقول تدمير الكيزان والشيوعيون للفكر في السودان لأن فكرهم لا يخرج من طبيعة وأفكار النظم الشمولية وعكسها فكرة العقد الاجتماعي وكيفية تحليل الظواهر الاجتماعية وفقا لإفتراض عقلانية وأخلاقية الفرد. وقد قلنا في أعلى المقال أن الفرد عند الشيوعي والكوز وسيلة وليس غاية عكس الفكر الليبرالي الذي ينظر للظواهر الاجتماعية بأن غايتها وإهتمامها بالفرد ولهذا نجد في الدولة الليبرالية كيفية وضوح المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد متمثلة في فكرة الضمان الاجتماعي في أدنى مستوياتها الحد الأدنى للدخل في مقطع رأسي في معادلة رياضية ذات منطق رياضي يوضح سلوك الفرد.
ومسألة غياب ملامح الفكر الليبرالي الذي يهتم بالمسؤولية الاجتماعية نحو الفرد من دفاتر فكر الأحزاب السودانية هو المسؤول عن غياب ملامح الدولة الحديثة وقد رأينا كيف لم تنتبه قحت بأحزابها الفقيرة فكريا لغياب ملامح الدولة الحديثة وبالتالي قد كان تهافتهم نتاج فقر فكري يضرب بجذوره عميقا في الأحزاب السودانية وإهمالها للفكر الذي يرسخ فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد ولا يكون طريقها بغير فكرة معادلة الحرية والعدالة.
فقر الفكر عند أتباع الأحزاب السودانية هو سبب غفلتهم عن أن تكون ملامح الدولة الحديثة متمثلة في سيطرة وزارة المالية والاقتصاد على المال العام وهي نواة فكرة الاقتصاد والمجتمع التي لا نجد لها أثر في فكر الأحزاب السودانية وأن يكون البنك المركزي بنك البنوك والمسؤول من ضبط الكتلة النقدية ومساعد لتحقيق السياسات المالية والسياسات النقدية وبالتالي تكون هناك بوادر فكرة خلق الثروة وإعادة توزيعها والهدف من توزيع الثروة هو الفرد كغاية وهذا الفرد له علاقة بالدولة وليس بالقبيلة ولا الدين والجهة ولا غيرها من الأفكار التي تتعارض مع فكرة النشؤ والإرتقاء وعبرها قد فارقت البشرية كل من الفكر الديني والفكر العرقي.
وفكرة خلق الثروة وإعادة توزيعها ذات علاقة بتطور الفكر السياسي وعلاقته بالتحول الهائل في المفاهيم بشكل تبدو فيه فكرة سيطرة الجيش السوداني على شركات اقتصادية إدانة واضحة للنخب السودانية بأنها خارج النموذج وأنها لا تفهم بعد فكرة ملامح الدولة الحديثة حيث أصبح فيها الإهتمام بعلم الاجتماع بعد معرفي يوضح لنا أن مسيرة الانسانية تراجيدية ومأساوية بلا قصد ولا معنى وتحتاج لمفكرين رفيعي المستوى يدركون ما هو المتغير التابع وماهو المتغير المستقل وهذا يساعدنا في تحليل الظواهر الاجتماعية.
الملاحظ أيضا في النخب السودانية مقارنة بتطور الفكر في العالم بأنها متأخرة عنه بما يقارب الستة عقود ما زالت النخب السودانية في حقبة أفكار منتصف الستينيات من القرن المنصرم ودليلنا على ذلك هو بأن أغلب النخب السودانية الراهنة تعتقد بأن الفكر الليبرالي هو فكر رميم مقابل الشيوعية كنظرية متكاملة وهذه واحد من أوهام النخب السودانية.
وهذا سبب غياب رسوخ فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد في قلب فكر الأحزاب السودانية لأنها أي النخب السودانية لم تتطلع على تطور الفكر بعد انتصار ريموند أرون على ماركسية سارتر وبعدها على فكر منتصف ثمانينيات القرن المنصرم وكيف أصبحت فكرة العقد الاجتماعي تتحدث عن صيرورة الديمقراطية.
نقول هذا ودليلنا على ذلك فكر من يسيطرون على مشهد الفكر في السودان وهم بقايا نشطاء منتصف الستينيات من شيوعيين سودانيين مدعوميين بالشلليات والاخونيات في الدفاع عن طرحهم الفكري البايت وأغلبه يصب في حوض بئس الذنب الإصرار على فكر لم ينتصر للفرد والعقل والحرية وهم المسؤولين من غياب فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد من دفاتر فكر الاحزاب السودانية وبالتالي عدم تطور الفكر الذي ينتصر للفكر الليبرالي الذي يتحدث عن فكرة الاقتصاد والمجتمع وهي تفتح على الفكر الليبرالي التي ما زالت أراضيه بور في عقل النخب السودانية.