مقالات سياسية

سياسة الوهم : وهم الطليعة والشعب المتخيل (5) جبهة عريضة من الاحزاب السودانية تضم المؤتمر الشعبي هي مفتاح الحل لإقتلاع الإنقلاب

حمد الناير

 

 

ثبت بما لا يدع مجالا للشك ان تضافر الاحزاب السودانية في جبهة موحدة مع حركة الشباب ممثلة في لجان المقاومة هو السبيل الوحيد لإسقاط الإنقلاب . على الأرجح الاغلبية تتفق على ذلك . ولكن اي حزب أو تحالف يعتقد أن هذه الوحدة ستبنى وفق شروطه وحده وأن لا وحدة الا وهو طليعتها. وهذا عائق كبير. مما يعقد الوضع أكثر أن بعض الأحزاب تعتقد أنها في تحالف مع لجان المقاومة أو قسم منها كفيلة بإسقاط الإنقلاب ، وهذا وهم . الوهم الأكبر أن البعض يعتقد أنه حدثت متغيرات في السياسة السودانية خلال الثلاث عقود الماضية مثل ظهور الدعم السريع وتسيس المؤسسة العسكرية وظهور شرائح إجتماعية مستفيدة من جهاز الدولة وبزوغ لجان المقاومة الباسلة نفسها ، كان من أثرها تغير معادلات السياسة السودانية والدولة السودانية . وعليه يعتقد هذا البعض أنه آن الاوان لبدايات الجديدة . مع الإقرار بأن هذه متغيرات ذات أثر كبير ، إلا أن قوانين الثورة والانتفاضة السودانية تظل كما هي . وما يحدث الآن هو شكل الدولة السودانية لو استمر نظام مايو او اي حكم عسكري آخر في البلاد . لذلك يظل الواجب المقدم جمع اوصال الجبهة العريضة.
في سبيل بناء هذه الجبهة الموحدة موضوعي هنا حزب المؤتمر الشعبي السوداني ، ودوره المحتمل مع الاحزاب الاخرى ، في هزيمة الإنقلاب بل دوره المحتمل في أستقرار الديمقراطية . لا يمكن أن تبني ديمقراطية في وطن ما على جرد حساب لأخطأ الآخر ، خاصة عندما يأتي ذلك من خصم حزبي . وأذا اعتبرنا ما نقوم به منذ اتفاقية الحكم الذاتي عبارة عن سلسلة سببية تمسك برقاب بعضها البعض من المستحيل أن نعفي أحد من المسؤولية. تُبني الديمقراطية بتوافق جمعي وإتفاق مجتمعي يتم فيه إعلان الحقوق والحريات وبالتأكيد تدخل هنا الخبرة الشعبية بنوايا الموقعين عليه .
للمرة المليون يصرح الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي السوداني السيد كمال عمر أنه يستحيل أن يكرر حزبه أخطاء الماضي بالمشاركة في إنقلاب وقد نفى في نفس التصريح الأنباء عن مشاركة حزبه مع عدد من الاحزاب في تكوين حاضنة سياسية لشرعنة الإنقلاب . هذا التصريح متسق للغاية مع مواقف الحزب الاخيرة بل متسق مع تصريحات مؤسسه المرحوم د. حسن الترابي في آخر ايامه (أرجع لقاءات الجزيزة ، أحمد منصور). بل أكثر من ذلك متسق مع الخلاف مع البشير الذي أدى لتأسيس المؤتمر الشعبي نفسه . أنها حكمة تجرع مرارة حنظل التجربة وإصلاح الخطأ ، ليس في العمل الجماهيري فحسب بل الخطأ في الرؤي والبصيرة . وقد وصل الى هذه الحكمة الحزب الشيوعي قبل المؤتمر الشعبي السوداني بعقود بعد خسارة فادحة مما دفعه لحل تنظيمه العسكري في الجيش وتحول من مواقع الدعوة للديمقراطية الجديدة في مؤتمره الرابع عام 1967 الى مواقع الديمقراطية الليبرالية بعد انتفاضة مارس/ أبريل 1985 دون الركون الى مؤتمرعام . إذن هذا التحول ليس بغريب على السياسة السودانية.
واقع الأمر كنت أتابع بشكل لصيق ، وسط شكوكي وظنوني ، واحيانا عدائي ، وقبل انقلاب 25 أكتوبر بفترة طويلة ، بيانات المؤتمر الشعبي وتصريحات سكرتيره العام محاولا تلمس التحول في رؤية الحزب ومواقفه . كان تركيزي في بداية الأمر حول الموقف من الحريات وعلى وجه الأخص الحريات الدينية وحقوق القوميات السودانية المختلفة. ثم امتد أهتمامي لسياسة اليوم باليوم واضعا صوب عيني قضية الحريات. حقيقة ، بدا لى حزب المؤتمر الشعبي أكثر اتزانا بل اصوب رؤية من احزاب شغلت نفسها بالحكم والمناصب او أحزاب انخرطت في المعارضة دون هوادة. فقط أنظر لهذا التصريح لكمال عمر قبل الانقلاب 25 أكتوبر بقرابة العام . قال كمال عمر في ديسمبر2020 : “المكون العسكري تولى ملف السلام ويعمل على تكوين حاضنة سياسية بديلة عن الحرية والتغيير بنظام المحاصصة، وظهر ذلك جليا من خلال التصريحات السياسية ، اما بالنسبة للحركات المسلحة الكبري التي لم توقع فما زالت تحمل السلاح ولم تحضر او توقع على اي إتفاق ، مما يعنى أن ملف الحرب مفتوح لأن ماتم هو سلام جزئي وليس كاملا لم يحمل حرية ولا ديمقراطية ، لذلك فأن اتفاق مجلس الشركاء الذي نتج عن اتفاق جوبا يهدف الى إضعاف الحاضنة السياسية لقوى الحرية والتغيير مما ينذر بمزيد من الخلافات والإنشقاقات خلال الفترة القادمة.” هذه ليست فقط قراءة حصيفة للمستقبل ، أثبتت صحتها فيما بعد ، بل وقراءة مخلصة كذلك ومشفقة على مستقبل الفترة الانتقالية. وقد جمع فيها السيد الأمين العام رؤية حزبه لقضية الحرب والسلام والحقوق والحريات. وللنظر الى آخر تصريحات الرجل عندما اصدرت سلطة الانقلاب قرار حظر التظاهر في وسط الخرطوم. بعد اعلان رفض الحزب للقرار ووصفه بالخطير وقال الأمين العام لحزب المؤتر الشعبي السوداني : “من قبل حذرنا عندما اعادت الحكومة سلطة جهاز الأمن بإعتبار أن ذلك تراجعا كبيرا في مسار الحريات”. يمكنني أن اورد عشرات الامثلة للتحول الجذري لرؤية حزب المؤتمر الشعبي وأعلم علم اليقين أن ذكرى بيوت الأشباح والإحالة الجنونية للصالح العام وقطع الأرزاق وموجات الهجرة العظيمة في صدر الأنقاذ الاول قد تحجب الكثيرين عن رؤية ذلك.
لماذا تتمتع مساهمة المؤتمر الشعبي السوداني في وحدة المعارضة بهذا الثقل النوعي؟ .
اولا : هذا تيار سياسي وفكري في الحياة السياسية السودانية لا يمكن عزله أو أقتلاعه ورميه في النيل . فقد باءت كل المحاولات لإقتلاع الشيوعيين وكذلك الأخوان الجمهوريين من تربة هذا الوطن بالفشل. بل لابد أن يتمتع كغيره من التيارات السياسية بكافة الحقوق طالما أعلن التزامه بالحريات الاساسية ورفضه للانقلابات العسكرية وإلتزم بقواعد التبادل السلمي للسلطة. ومن الأفضل تحوله من مواقع الدفاع عن نفسه ومحاصرته الى إطلاق طاقته في الدفاع عن الديمقراطية مثله مثل باقي الاحزاب الوطنية.
ثانيا : إنضمام المؤتمر الشعبي رسميا للجبهة العريضة لمقاومة الإنقلاب كسب لا يقدر بثمن مع حيث إتساع الرفض المجتمعي للإنقلاب. هذا حزب متغلغل في المجتمع وورث الكثير من قواعد ما عرف بالحركة الاسلامية. فإن جناح الحركة الاسلامية القابع الآن في سلطة الإنقلاب منبت الجذور وما جمع اوصاله منذ المفاصلة لا يعدو أن يكون المصلحة الشخصية المحضة ونهم للجاه والسلطة مسنود ببطش المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن وقد انتجت ممارسته السياسية هذا الرتل من الساسة الانتهازيين والحركات والمليشيات التي ظنت أن حكم الجيش هو نهاية التاريخ في السودان.
ثالثا : التاريخ يقول أن تأسيس ديمقراطية في بلد ما يقتضي اتفاق جمعي عريض وتوافق مجتمعي واسع يجعل من المستحيل التفكير في شكل آخر للحكم غيرها. وها هو حزب المؤتمر الشعبي يقدم نفسه رافدا لهذا الاتفاق الجمعي. هنالك مواقع في أفئدة هذا الشعب لا يصلها الا حزب الأمة وحده دون غيره، وهناك مواقع لا يصلها الا الحزب الشيوعي دون غيره ، والمثل يقال عن الحركة الاتحادية وبقيه الاحزاب . الاعتراف بهذا التنوع المريع يجبرنا أن ننظر لهذا الحزب أو تلك الحركة ، مهما كبرت او صغرت ، كقوة تحمل بكلتا يديها خيطا من قماشة هذا الوطن . التوصل لإعلان دستوري مع هذا الحزب يضمن حقوق المواطنة والحريات وحقوق الفرد اكثر حكمة من محاصرته بالماضي.
رابعا : إن إنضمام حزب المؤتمر الشعبي لهذا الاتفاق الجمعي والتوافق المجتمعي يجرد جناح الحركة الاسلامية الإنتهازي القابع في السلطة الآن من دعوى الحديث باسم الاسلاميين. فالحاضنة الحالية منبتة الجذور . واقع الأمر ، وحتى مع عودة رموز المؤتمر الوطني الآن الى القضاء والنيابة واجهزة الدولة ورئاسة الجامعات والبنوك ، فإن هذا ليس نفوذا جماهيريا وإنما بيروقراطية طافية على السطح تتدلى سيقانها وهي جالسة على تلك المقاعد في الهواء دون جذور . الذي يملك النفوذ الاخلاقي على جل ما يعرف بالحركة الاسلامية هو حزب المؤتمر الشعبي.
رابعا : ساهم شباب المؤتمر الشعبي مساهمة واسعة، رغم أخطاء الحزب في نهاية حكم البشير ، في الجولات الاولى نحو إسقاط النظام وقدموا الشهيد الاستاذ محمد خير بل قدموا أكثر من شهيد . إذن التطلع لنظام ديمقراطي ليس بغريب على هذا الحزب . يقف شاهدا على ذلك انه الحزب الوحيد الذي قام بملاحقة قتلة الشهيد محمد خير وقام بتوظيف هيئة الإتهام في قضية الشهيد محمد خير .
لقد جلست العديد من الاحزاب مع المؤتمر الشعبي من قبل مثلما حدث في تحالف قوى الاجماع الوطني وحان الوقت أن تجلس معه مجددا الآن .

 

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. وحدة قوي الثورة التي لا تترك أحدا هي السبيل الوحيد لقيام المواكب الهادرة التي ستهزم قوي الانقلاب و تجبر قياداته للهرب

  2. اتفق معك في حاجتنا للجبهة العريضة الموحده لكن ليس بضم المؤتمر الوطني او الشعبي او حتى حزب ابليس بنسوانه وفرسانه.. المطلوب هو بصورة مبسطه توافق على برنامج الحد الأدنى لإدارة الفترة الانتقالية بين كل ألوان الطيف السياسي لا يستثني احد الي حين قيام الانتخابات وبعدها فاليتحالف كل حزب مع من يشاء من الأحزاب الاخرى.. دي صعبه يعني…اي توافق جزيي احسبه سعي خلف كيكة السلطة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..