لو لا القشة

لو لا القشة
بقلم: الدكتور نائِل اليعقوبابي
*(كل يأس من الإنسان خطيئة لا تغتفر..).
– أنطون مقدسي –
.. رغم أن الشكوى لغير الله مذلة، إلا أنه لابد من الذل أحياناً، حيث إنني أعمل بعكس المثل القائل: خليها بالقلب تجرح ولا تطلع وتفضح. فأنا اعتقد أنها إذاً فضحت ? على نطاق معتدل، يعني في الراكوبة اون لاين فقط ? فذلك أفضل من أن تتحول داخل النفس إلى عقد وضغوط عصبية تودي بصاحبها إلى أكثر الأماكن سلاماً وهدوءاً واستقراراً.
همومي كثيرة تقف في طريق استقراري وسعادتي رغم أنني مؤلف كتاب: (كيف تصبح سعيداً في خمسة أيام) وكتاب (طلق أحزانك بالتلاتة).
ولكن يجب الاعتراف أن الظروف أكبر من الحروف، والذئب لا يرحم الخروف، والاعتراف بالضعف والهم فضيلة.
لن أستقصي همومي، فالكريم لا يستقصي، والهدف كله فضفضة وتنفيس.. لا أكثر، وهل خلقت المنابر إلا لأهل المحابر (ما ليها علاقة بمنبر الطيب مصطفى!).
من ذلك أن قشة وقفت بين سنين من أسناني منذ فترة ورفضت مغادرة المكان وكأنها تمارس اعتصاماً نباتياً نيابة عن الدواب الذين ارتفع ثمن غذائهم، بعد موت مشروع الجزيرة والكثير غيره: التبن والبرسيم، حتى صار بسعر القمح الذي صار بسعر الفول الذي صار بسعر الزيت الذي صار بسعر العسل (مادة لعلها تؤكل .. قرأت عنها في موسوعة!!).
ورغم أن هذه القشة لا تؤلم ولا أكاد أشعر بوجودها إلا عندما أتحسسها بطرف لساني، إلا أنها تشكل تهديداً حقيقاً لتوازني النفسي، فهي تشعرني بالعجز والضعف، وأقول في سري: إذا كنت عاجزاً عن التخلص من قشة تافهة دخيلة بين أسناني، فكيف سأواجه القضايا الأخرى المهمة في حياتي؟ هل أنا مجرد جيش عربي في مواجهة إسرائيل؟
ولجأت في سبيل التخلص منها إلى طرق زادت القشة تشبثاً، وسببت بعض الأذى للثة المتهالكة أصلاً والمنحسرة كما انحسرت الخضرة والفضيلة.. ولكن لماذا أستهجن على نفسي فشل الإصلاح؟ إن البلديات عندنا تحاول ردم حفرة في الطريق العام فتحولها إلى هضبة تسبب الضرر أكثر من كونها حفرة، وضحايا البلدية يذهبون بلا دية.
ومن الأضرار اللاحقة للقشة أن طرف اللسان قد تخرش لكثرة التحرش بالقشة، واشتريت مرآة خاصة لرؤيتها داخل الاسنان ولكن عبثاً إذ يبدو أنها من الصغر بحيث لا يلحظها بصري الضعيف، وهكذا ذهبت إلى طبيب العيون، وطلب نظارة طبية، فأجرى لي فحصاً دقيقاً، اكتشف بعده أن في جيبي مئة وخمسون ألف جنيه، فأصبحت في جيبه، كما خسرت ثمن النظارة الطبية، والمهم أنني بفضل التطور العلمي المذهل أصبحت قادراً على رؤية القشة التي بين أسناني.. وهكذا صرت أرى عدوي المعتصم، وأعمل على بصيرة، فاستخدمت الدبوس لقلعها، لكنه كسر الجزء الظاهر من القشة، وبقي أصلها بين الأسنان، ولم يعد للنظارة ولا للنظر شغل، وعدت إلى التحسس واستخدام الأجهزة المتاحة من دبابيس ومسلة وإبر ومسامير وكله بلا طائل.
واستشرت صديقاً ? وهؤلاء أصل البلاء ? وكان مثقفاً، فقال لي: طرقك فاشلة، وأنت تؤذي لثتك بالأدوات المعدنية، داوها بالتي كانت هي الداء، قلت له: ماذا تقصد؟ فأجاب بثقة: حاربها بجنسها، استخدم قشة أخرى، فالحديد لا يفله إلا الحديد والقش لا يخرجه إلا القش. وهذه السياسة ناجحة على كل الصعد.
لم أكذب خبراً، وأحضرت قشة أخرى، ثم وجهت بها طعنة نجلاء إلى قلب القشة التي في فمي، وكنت متفائلاً بالتخلص منها نهائياً هذه المرة لأعود إلى حياتي الطبيعية، لكن الذي حدث أن القشة الثانية انحشرت إلى جانب أختها في المكان الضيق الذي ازداد ضيقاً، ثم انكسر الجزء الظاهر منها وبقي في يدي!!
ونسيت القشة الأولى، وصرت أحاول إخراج القشة الجديدة، وبنفس الوسائل والطرق السابقة، وتوترت العلاقة بيني وبين الصديق الناصح، وحين قابلته لم أترك له مجالاً للتبرير، لأنه سيحملني المسؤولية كما يحدث دائماً عندما تخفق أفكارنا النظرية حيث ندعي أن سوء التطبيق هو المسؤول عن الفشل، أو حين نخترع جهازاً ضعيف الإمكانات فنكتب عليه: لسنا مسؤولين عن سوء الاستخدام. وصحت في وجهه: ماذا تريد الآن أن تقترح؟ هل تنصحني بقشة ثالثة؟ بالقشة التي ستقصم ظهر البعير؟! ولم أتركه يرد، فالأفضل في بعض المواقف ? وخاصة بعد متابعة الاتجاه المعاكس ? ألا يكون هناك حوار.
وخلوت مع نفسي أسترجع واستغفر وأحوقل. لقد تعطلت نشاطاتي الفكرية، وكنت أنوي متابعة تأليف كتاب (كيف تتغلب على همومك) واقتنعت أخيراً أن آخر الدواء الكي ، وحيث أن المشكلة هي في الفم وبين الأسنان. فالحل إذاً عند طبيب الأسنان. وهكذا كان. وشرحت له ما أعاني منه، فقال بهدوء: أجلس. وجلست على كرسيه المنخفض الذي رفع أجرة الصيانة السنية، وعندما فتح فمي، وألقى نظرة، قال لي: سجم خشمك عندك بلاوي متلتلة. هناك طبقة بليك يجب إزالتها، وعندك كذا سن منخور، ولثتك ملتهبة، ولا يجوز إهمال العلاج، لأن هذا قد يسبب لك التهاباً في شغاف القلب.
وأمام لهجته الصارمة المتوعدة الواثقة استسلمت، ونسيت موضوع القشة مؤقتاً، وفتحت فمي بصمت، وبدأ الطبيب يتحدث في السياسة والاقتصاد واللغة والفقه وأنا عاجز عن الرد. والغريب أنه كان يطلب رأيي أحياناً، وهو ضامن أنني لن أتكلم.. يا سلام! ليس هناك أعظم من مهنة طبيب أسنان! ويبدو أن بعض الديمقراطيات انطلقت من عيادته.
وهكذا خرجت من عنده بفم نظيف ? وجيب كذلك ? ومازالت القشتان.
[email][email protected][/email]
أسعد الله صباحك عزيزي الأستاذ / نايل ، في الحقيقة أكثر ما يشدني لمطالعة صحيفة الراكوبة هي كتاباتك الشيقة ومشاكساتك الروحية العذبة. أتمنى لك كل الخير.
مقالات طاعمة بطعم البرتقال عاجبني عجب
يا سلام يا نايل كتابة طاعمة بدم شربات
use floss between the two teeth and you will get it out inshallah
تبدأ المقالة وتجد ان فراملك قد تعطلت حتي تبلغ النهاية وقد قششتها قشا. وحينها تدرك ان فرصاً كثيرة لمعالجة ضرر القشة قد غابت عن الكاتب لانه استند علي الكوميك وقد كان اولي به ان يكون صارما ويوقد نارا تشعل معها القشة الثقيلة واي قشوش اخري في غياهب السنون او يمضمض فمه بمادة كيميائية تذيب ما تبقي اويتوكل علي الله ويقتلعه باتقلاب يتوعد فيه بقية الاضراس وقد ارتكب الكاتب خطأ فادحا اذ لم يستشر اب شنبا قش حين ادلهم في فمه الخطب الجلل3872