معالم في طريق إستراتجية إخوان السودان القمعية

تيسير حسن إدريس
(1)
المقصودُ من الاعتقالات المتوالية لرموز المعارضة الجارية -ما بعد الهبّة الجماهيرية الأخيرة- هو إيقاف انتقال القوى المعارضة من خانة رد الفعل الذي كمنت فيها لخانة الفعل الثوري الخلاق، مما يعني مواصلة حصر المعارضة في مربع الدفاع وعدم السماح لها بالتقدُّم للهجوم، باعتبار أن الأهداف الثورية يصعب تحقيقها عبر إستراتجية الدفاع فقط، فخير وسيلة للدفاع هو الهجوم، وهذه القاعدة لا تصلح فقط في عالم “المجنونة” كرة القدم؛ بل إن تاريخ الثورات قد أثبت أيضا نجاحَها.
(2)
عليه يجب أن لا تصرف كم الاعتقالات المتوالية والمرشحة للتصعيد والاستمرار قوى المعارضة الحية عن المضي قُدمًا في بناء “هرمية جسد الثورة المقاوم”، والعمل الجاد على تجهيز وإعداد “الكتلة الجماهيرية الحرجة”، القادرة على الحسم والسير بالفعل الثوري للأمام، وصولا للحظة الثورية الفارقة لحظة الانفجار العظمى، التي يراها البعض بعيدةً ونراها أقرب إلينا وإلى النظام المترنح من حبل الوريد.
(3)
الإستراتجية القمعية التي اعتمدت من قبل النظام المترنح وأجهزته الأمنية المذعورة بُعيد الهبة الجماهيرية التي لم يُرَ أو يسمع بمثلها من قبل، تهدف بصورة أساسية لتعطيل حراك التغيير، وانتزاع فتيل الثورة الشعبية، التي ما فتئت عوامل اندلاعها تنضج على نار هادئة في مرجل الشعب الصابر، وهي “أي الإستراتجية القمعية” تقوم على عدة أركان، أهمها ما يجري اليوم من اعتقالات متكررة، طالت الكثير من الناشطين، والمداهمات الاستباقية لأي نشاط تعتقد تلك الأجهزة أنه مثير للقلق، ويرمي في اتجاه تصعيد حراك التغيير، وإنضاج أسباب اندلاع الثورة الشعبية الشاملة.
(4)
أما الجديد في معالم هذه الإستراتجية القمعية فهو عدم استثناء الاعتقالات لأي شريحة عمرية؛ فنجد الأطفال القصر من ضمن معتقلي الهبة الشعبية، بالإضافة لكثافة اعتقال النساء، وقد طالت الاعتقالات شرائح المعارضة كافة، من قيادات في قمة هرم العمل المعارض إلى القواعد الشابة، مع رغبة شرسة من قبل النظام في التشفي، ومحاولة إلصاق تهم غير سياسية بالمعتقلين ما أمكن لإحراج الناشطين، ولزيادة الضغط على الأسر تلفق تهم أخلاقية، وقد ظهر ذلك جليًّا في محاكمة الدكتورة سمر ميرغني، هذا بجانب الدفع ببعض أبواق النظام من الإعلاميين المأجورين أمثال فاطمة الصادق لتشويه صورة مناضلي حراك التغيير، في محاولة خبيثة وبائسة ومكشوفة لقتل الناشط معنويا أو إرهابها إن كانت من الإناث.
(5)
معلمٌ آخر مهم نلحظه في تنفيذ هذه الإستراتجية الخبيثة، وهو الحرص التام على عدم تطويل فترة الاعتقال وجعل فتراتها قصيرة، مع الحرص على تلفيق تهم غير سياسية، كما ذكرنا آنفا، وعقد محاكمات سريعة للمعتقلين من الشباب، وهي محاكم عشوائية لا تتوفر فيها أبسط قواعد ومقومات العدالة، الغرض منها ابتزاز الشباب، وإرهابه بأحكام الجلد المذل، وبفرض غرامات مالية كبيرة، كعقوبة من أجل إحراجه وكسر شوكته، خاصة والكثير منهم يعاني وأسرهم من ضيق ذات اليد.
(6)
اعتقال المعارض لفترات قصيرة ومتكررة نهجٌ المراد منه صيد عصفورين بحجر واحد، فهو من ناحية يربك عمل ومخططات القوى المعارضة، ويعيق تصعيد وتيرة العمل الثوري، ومن ناحية أخرى يخفف عن النظام وأجهزته القمعية انتقادات وضغوط المنظمات الحقوقية والمدنية المحلية والدولية، التي صعدت من نبرة احتجاجاتها ونقدها للنظام الفاشي بعد الصورة الوحشية البشعة التي ظهر بها وهو يتصدى للمتظاهرين السلميين في سبتمبر الماضي، ويستعمل القوة المفرطة والرصاص الحي.
(7)
المعلم الأبرز من معالم هذه الإستراتجية هو تنشيط أرزقية النظام من الإعلاميين، وتجنيد بعض الأفراد المدعي الحياد من الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، للعب أدوار قذرة في تشويه صورة الانتفاضة الشعبية، ومحاولة دمغها بالتخريب وصرفها عن طريقها وهدفها المنشود، وإشانة سمعة مناضليها؛ وذلك بدسِّ السمِّ في العسل؛ بفرض خطاب إعلامي مضلل، يبث روحًا من التسامح الاجتماعي الساذج بدعوات خبيثة؛ تدعو لتفويت الفرصة على أعداء الدين والوطن، والإشارة السالبة هنا مقصود بها قوى المعارضة!!.
(8)
إنها دعوات حق يُراد بها باطلٌ، يتولى كبرها ويساعد على ترويجها أبواق النظام المندسة أوساط قوى المعارضة، وهي تجتهد في دعوة المعارضة لضرورة فتح حضنها واحتضان من شاركوا طوال ربع قرن في قتل وذبح أبناء الوطن من تيارات تدعي الإصلاح وتقول دون حياء بعد ربع قرن بالتمام والكمال: إنها قد تبينت الرشد من الغي، فقفزت من مركب النظام الهالك !! وهذا حديثُ عهرٍ وخطابُ جهلٍ من سياسي الغفلة، حيران حارات الصراع على “سقط المتاع”، يريدون به تسويق مياههم الآسنة في حارة السقايين.
(9)
بينما الوطن تتخطفُه شياطينُ الإنس الإنقاذية، ويغوص حتى أذنيه في وحل الفشل والمأزق الوجودي، تنطلقُ مناشدات التضليل الكذوبة، تلكم الداعمة لبقاء نظام المجازر الجماعية
والتفرقة العنصرية، بحجة الحرص على مصالح الشعب والدولة العليا، وخوفا من انزلاق الوطن إلى المجهول، دعوات تجاوزها الزمن عن ضرورة الحوار، وعدم التصعيد في هذه المرحلة الحرجة حفاظا على اللحمة الوطنية! التي تم نسفها تماما على يد أئمة الضلال أنفسهم، دعاة الحروب الجهادية التي مزقت الوطن بالأمس، وتريد الإصلاح اليوم برؤى هلامية المعالم.
(10)
لكن رغم المكر ونهج التضليل والتنكيل غدا يوم آخر وفجرٌ جديدٌ، وسيعلم النظامُ الباغي وكلُّ من لف لفه سرا أو جهرا بأنَّ خبز الفقراء المغمس بالدموع لا يقبلُ التسويف، ونزيف دماء الشهداء الأبرياء وإن جرى نهرًا قاني الحمرة أو تدفق مدرارا أمطار خريف لن يصير ماء، فالدمُّ ينادي الدمَ، والأيامُ دولٌ، وفي التاريخ أحكامٌ تهدي، وعبرٌ تخيفُ، وإستراتجيةُ الاعتقال والإفراج عن الثوار معالمُ بائسةٌ في طريق الأنبياء الكذبة، لن تشل يد القوى المعارضة، ولن تشتت عزمها وإرادة الجماهير التي حسمت خيارها غالبة على أمرها ولو بعد حين، والوطنُ ما زال حرًّا وحيًّا يقاوم.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس2/11/2013م
[email][email protected][/email]