دارفور إلى أين ؟ا

حروف ونقاط

دارفور إلى أين ؟

النور أحمد النور

“أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا” حكمة صالحة في كل الدهور، و”ما لا يدرك كله لا يترك جله” قاعدة فقهية معروفة.
ويبدو أن وسطاء سلام دارفور والخرطوم انتهجوا ذلك بعد نحو 30 شهرا من المحادثات بين الحكومة وبعض فصائل دارفور في ضيافة الدوحة التي حملناها أثقالا، ولكنها كانت كريمة من دون كلل وباذلة من دون منٍ أو أذى، ولعبت دور الوسيط النزيه الذي عمل ما في وسعه ووفر تسهيلات من دون انحياز، وليس دورها أن تحمل الأطراف حملا على توقيع ما لا تقبل، أو سلقهم بألسنة حداد، ولا ينبغي أن نجعل منها مشجبا لخيباتنا وفشلنا، وقد أدت دورا تشكر عليه.
ولم يقف دور قطر في استضافة محادثات السلام بل تعهدت بمتابعة جهود إحداث تنمية في الإقليم، وأعلنت في هذا الشأن إنشاء مصرف تنموي لدعم دارفور، وهذه فرصة يجب ألا تضيع، لأن العالم مقبل على أزمات اقتصادية ضربت بلدانا غربية كبيرة ، وهناك كارثة إنسانية في القرن الأفريقي ستصرف أنظار المجتمع الدولي عن دارفور وأهلها، وقد تكون جريمة في حق دارفور لو ضيعت هذه الفرصة بسبب تباطؤ الأطراف المتنازعة.
وقعت الحكومة و”حركة التحرير والعدالة” اتفاق الدوحة لسلام دارفور الخميس الماضي وكنا ضمن رهط شهودا على المناسبة بدعوة الدولة المضيفة “قطر”،نعم ليس اتفاق سلام شامل لأن من وقع عليه طرف واحد من دارفور يعتقد البعض انه كيان مصنوع من رحم التفاوض وليس من الفصائل المؤثرة سياسيا وعسكريا، وإذا نظرنا للنصف الملئ من الكوب يمكن أن يكون خطوة لها ما بعدها في حال طبق الاتفاق بجدية وتوفر إرادة سياسية من الشريكين الجديدين.
الحكومة التي دائما ما تتهم من شركائها بعدم الوفاء بتعهداتها والتزاماتها والتنصل على ما توقع عليه عبر المراوغة والتسويف والاستخفاف بمن يوقع معها مطلوب منها أن تثبت عكس ذلك، وإبداء حسن النيات، وبذل جهود جبارة في تحقيق تنمية حقيقية وتحسين الأوضاع بصورة تقلب الواقع الحالي، وفي المقابل مطلوب من حركة التجاني السيسي أن تثبت أنها ليست كيانا مصنوعا، وتملك نفوذا بإقناع النازحين واللاجئين بالعودة لديارهم بعد تهيئتها وتوفير الخدمات، وحُسن إدارة السلطة الانتقالية ونشر ثقافة السلام والمصالحة في دارفور، وفي حال استطاع الشريكان ذلك فان واقعا جديدا سينبت على الأرض بما يشكل ضغطا على الأطراف التي لم تنضم إلى العملية السلمية، وعزلها، أو حملها على السلام.
ولا أعتقد أن طرفي الاتفاق يتوقعان أن تمضي الأمور بسلاسة، لأن من رفضوا الاتفاق سيسعون إلى نشاط سياسي وعسكري للتقليل مما جرى، واثبات انه حبر على ورق لن يحقق شيئا، وستزيد حالة الاستقطاب خاصة أن الفصائل المسلحة تطغى عليها النزعة القبلية، وقد تحدثنا في الدوحة إلى قيادات من بعض الحركات ترى الاتفاق من هذا المنظور، وتعتقد أن القبيلة التي ينحدر منها غالبية قادتها هي من دفعت ثمن الحرب في دارفور وخسرت قراها ومدنها ورجالها وعددا كبيرا من النازحين واللاجئين، ولا ينبغي أن يقطف من وقعوا الاتفاق ثمار دمائهم ودموعهم، وهم الأقل تأثرا بالحرب، ويزيد من تعقيدات الموقف تقاطع المصالح والمواقف بين الحركات التي تنتظر إشارات عابرة للحدود وتطورات دراماتيكية تحقق لها آمالها وطموحاتها الأمر الذي يرفع سقف مطالبها ويؤخر إقدامها بجرأة على السلام.
ينبغي على الأطراف الحادبة على إنهاء معاناة أهل دارفور المتطاولة أن تسعى بإخلاص لمنع وحل “اتفاق الدوحة” الذي يحظى بسند إقليمي ودولي في رمال شمال دارفور المتحركة، وغرقه في أودية تلولو وباري وكجا وأزوم بغرب دارفور وخنقه في”كراكير” جبل مرة وكهوفه، وأن تمد أياديها بيضاء إلى حاملي السلاح من رافضي الاتفاق، ويقع العبء الأكبر في المسؤولية على الحكومة فعليها أن لا تبخل بأي تنازلات ولو كانت مؤلمة لطي ملف الأزمة في الإقليم، لأن البلاد أو ما تبقى منها لا تحتمل مزيدا من الحرائق، ولم يعد الحل العسكري سهلا وحاسما للصراع بالنسبة للحكومة والحركات على حد سواء لعوامل داخلية وخارجية.
وتبدو الفرصة مواتية عقب انفصال الجنوب وإعلان قادة الحكم اعتزامهم على تبني خيارات جديدة لمجابهة تحديات البلاد، تجاوز تجارب المحادثات الثنائية والحلول الجزئية لازمة دارفور، عبر حل شامل لكل أزمات السودان عبر إصلاح نظام الحكم وحل ديمقراطي، وتحقيق تنمية متوازنة وعقد اجتماعي جديد لضمان استقرار البلاد بتوافق مواطنيها وإرادتهم.

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..