كورتنا نفّست… ليه؟

أحقاً تدهورت الكرة السودانية تدهورا واضحاً في العقدين الأخيرين؟
أعتقد أن الإجابة نعم .. ولا .. وفي الوقت ذاته، دون أن ينطوي الأمر على أي تناقض. فكيف؟
فقد تدهورت الكرة عندما ننظر إليها بمعزل عما سواها. فما تحقق من انجازات في ستينات وسبعينات القرن الماضي لم تعد ممكنة اليوم، وهي انجازات لا تؤمل فيها أكثر الفرق الرياضية طموحا، ناهيك عن أن يؤمل فيها المنتخب القومي. ذلك أمر لا يختلف حوله اثنان.
لكن إذا نظرنا إلي الكرة ضمن نواحي الحياة الأخرى، من اقتصاد وسياسة واجتماع وصحة وتعليم، وجدنا أن ما طالها من تدهور يعتبر محدودا جدا، مقارنة بما طال القطاعات الأخرى. بل يمكننا في هذه الحالة أن نقول إنها الأفضل حالاً، لأن حكومة الإنقاذ ظلت تحرص على الرياضة عموماً وتعتبرها «ملهاة» تشغل الناس عن محاسبة الحاكم على تغوله الفاحش على حياة المواطن الغلبان. ففي ظل السيادة المطلقة لبند الدفاع والأمن في موازانات الإنقاذ منذ مجيئها، ومع التدني الواضح لمخصصات القطاعات المنتجة مثل الزراعة والقطاعات الخدمية الأساسية مثل التعليم والصحة، فإن مخصصات اتحاد الكرة تظل مقبولة نسبياً. وهي مخصصات لم تسلم من عبث المفسدين، كما جاء في تقارير المراجع العام بوجود اختلاسات ضخمة في ميزانيات الاتحاد. لكن تلك قصة أخرى، ولا شك.
لا بد لنا من نظرة إلى كرة القدم باعتبارها عمودا من أعمدة اقتصاديات دول بحالها، مثل البرازيل والأرجنتين وفرنسا وصربيا ونيجيريا والسنغال وساحل العاج وكوريا الجنوبية، ودول أخرى عديدة. فالبرازيل وحدها لديها نحو ألفي لاعب خارج أرضها يقومون بتسديد ضرائب هائلة فضلاً عن تحويلاتهم السخية لذويهم. وللأرجنتين قرابة الألف لاعب. وهكذا.
فوق ذلك، أصبحت كرة القدم لا تقتصر على المردود المالي وحجم الأعمال التي يحققها اللاعبون وتعود ثمارها على أنديتهم وتجبي ضرائبها دولهم، إنما تتعداها إلى التأثيرات الاجتماعية والثقافية للشعوب برمتها. فإلى جانب العدد الضخم من الذين يحضرون الأنشطة الرياضية، هنالك الملايين ممن يقبعون على مقاعدهم لمشاهدتها على شاشات التلفزيون. وهناك المرافق الرياضية التي تنشأ، أو تلك التي يعاد ترميمها، وما يتمخض عنها من أعمال وفرص عمل. كما أن الرياضة تمثل جزءا من الهوية للشعوب، وركيزة للعزة والثقة في النفس. فما مبلغ سعادة أطفال البرازيل وهم يشاهدون فريقهم يرتقي القمم بثبات؟
متى استصحبنا هذا الفهم الشمولي للموضوع، أمكننا الاستفادة من الرياضة عموما، وكرة القدم على وجه الخصوص، لغرس قيم التكاتف الاجتماعي وبناء توجهات ثقافية محددة في مجتمعاتنا.
طبعاً لا يغيب علينا أن الإنقاذ، بعقليتها الأمنية الإقصائية الفذة، تريد استغلال الرياضة كملهاة للشباب دون أن تسمح لها بنشر قيم الديمقراطية ومباديء حرية الاختيار، سواء في إدارات الأندية أو الإتحادات العامة. ففي هذه المناشط، إما أن يأتي مرشحو الإنقاذ أو من تباركهم ولا تخشاهم. لعلنا نلاحظ في هذا الصدد، أن الرياضة تزدهر طرداً مع ازدهار مناخ الحرية والديمقراطية.. وتذبل ويذوي غصنها مع انتفاء الحرية وقيم العدالة الاجتماعية وتفشي موبقات القهر من فساد وشعارات لا طائل من ورائها.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..