أخبار السودان

زيارة لمملكة الضياء إلى مانديلا شعاع النور في كل الأزمنة (4-4)

ياسر عرمان
وحينما زاره جورج بيزوس صديقه القديم وزميله فى المؤتمر الوطني الأفريقي والذي تعرف عليه على مدى 48 عاماً وهو من البيض، زاره فى أيامه الأخيرة بمنزله فى جوهانسبيرج وقد أتى لمتابعة العلاج، و على الرغم من أن أحداث كثيرة قد إختفت من ذاكرته رويداً رويدا قال لحراسه صائحاً أحضروا حذائي فإن جورج قد أتى وسيأخذني إلى (كُونو) ويالها من عبارة موجعة وجميلة، وقد ودعه العالم كله ولبى رغبته فى رحلة العودة الأخيرة إلى (كُونو) وقد أدى مهمته خير أداء و أسدى لمشتري وبائعي الأحلام خدمةً عظيمة ونموذج لا تطوى صفحته وإنحنى الجميع لماديبا ولرحلته العظيمة .
حط رحله على ضفاف النيل فتوقف فى الخرطوم قبل محاكمة روفانا وحمل جوازاً سودانياً ولم ينسى فى سيرته الذاتية رحلته إلى الخرطوم، و الوعي المبكر للسودانيين بما يدور فى داخل جنوب إفريقيا .
و لأن السلطة بطبيعتها فاسدة ومفسدة فإن أسئلة كبيرة تواجه حزب المؤتمر الوطني الإفريقي اليوم، ومع ذلك تظل هذه المنظمة أهم حركات التحرر الوطني التي أنجبتها أرض إفريقيا، وهي منظمة إستطاعت حشد أكبر حملة تضامن عالمية فى القرن الماضي ضد نظام التفرقة العنصرية، وقد ساهمت قوى التضامن العالمي التي قادها أوليفر تامبو فى إطفاء طابع خاص على المؤتمر الوطني الإفريقي فهو الحزب الذي حظي بأوسع حملة تضامن عالمي فى إفريقيا، وأصبح التضامن العالمي ذو جذور عميقة فى تاريخه وساهم في تحويله إلى حزب ذوخصائص عالمية و تربطه صلة رحم بالتضامن العالمي، والجدير بالملاحظة إن تكوين عضوية المؤتمر الوطني الإفريقي نفسه وتكوين قيادته ذات دلالات إنسانية عابرة للجغرافية، ولا يمكن كتابة تاريخ حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلا بالرجوع إلى قادته من كافة الأعراق نساءً ورجالاً والأسماء التي شكلت تاريخه هي نفسها مصدر من مصادر الإحتفاء بالتعدد والتنوع الذي يحتاجه عالم اليوم.
وحينما قُدمت لي الدعوة لحضور مؤتمر أوليفر تامبو الثالث للتضامن العالمي والذي عقد فى 25-28 أكتوبر2012م، وقد قال مانديلا عن أوليفر تامبو الذي كان يطوف العالم لتصعيد حملات التضامن، قال إنه كان يطوي الأرض مثلما يطُوي القماش. وقدمتُ ورقة حول( قضايا البناء الوطني فى السودان وتجربة الإسلام السياسي) . وقد ضم المؤتمر أكثر من 70 حزب من مختلف أنحاء العالم، و قد أُسندت إليّ فيه رئاسة إحدى الجلسات، وفي غداء العمل الآخير فى ختام المؤتمر دعتني المناضلة المعروفة باليتي أمبيتي الرئيسة القومية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي ورئيسة البرلمان السابقة والتى عادت الأن مرة أخرى لرئاسة برلمان جنوب إفريقيا الذى أُنتخب مؤخراً، وكانت ترغب فى مواصلة حوار كنت طرفاً فيه جرى فى داخل المؤتمر مع ممثل حركة النهضة التونسية وبحضور الرئيس جاكوب زوما وكان ممثل حركة النهضة قد طرح حركات الإسلام السياسي كحليف لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي و حركات التحرر الوطني و قلت فى مداخلتي تعقيباً على حديثه إن حركات الإسلام السياسي تشكل خطر على تعددية وتنوع المجتمعات الإفريقية لأنها ترفض مفهوم الوحدة فى التنوع و تقيم مفهوم المواطنة على أساس الدين و إن تجربتها فى السودان قد أدت إلى فصل الجنوب وإنها لاتمتلك برنامج للعدالة الإجتماعية و إنها ضد مساواة النساء وإرتكبت جرائم حرب فى السودان وتعمل على مصادرة الديمقراطية وحولت أجهزة الدولة فى التجربة السودانية الى أجهزة حزبية وهي لا تراعي حقوق الإنسان ولا تعترف بالتداول السلمي للسلطة ولذلك لا توجد أرضية مشتركة بينها وبين حزب المؤتمر الوطني الافريقي وحركات التحرر الوطني، وهي ضد المبادئ والقيّم لتك الحركات، وقد حظيت المداخلة بتصفيق من القاعة وقامت شخصيات أُخرى من يوغندا والبرازيل والهند بتقديم مداخلات أخرى فى ذات المنحى، وكانت باليتي أمبيتي تريد أن تواصل هذه المناقشة ولأن هذه القضية محل تداول وإختلاف داخل أروقة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وفى موضوعاته للقضايا الخارجية، وقد أشرت لها بدعوة عدد من المفكرين السودانيين والمصريين المهتمين بقضايا الإسلام السياسي لمناقشة هذه القضية الهامة. وقد غضب ممثل حركة النهضة التونسية ولاحقني فى الفندق غاضباً واصفاً الحركة الإسلامية فى السودان إنها حركة لاتمثل الإسلام فى شئ، ودار حوار طويل بيننا حول الخطأ هل هو في التجربة أم النظرية؟ فالنظرية لا تعترف بالتنوع وتعمل على إقصاء الأخرين وهى التى أسست لتك الممارسات.
ماديبا المنتمي إلى افريقيا و العالم حدثني أحد الدبلوماسيين من أصدقائي إنه طلبه فى موضوع يخص رواندا ولما كان متوعكاً طلب منه أن ياتي إلى غرفة نومه حينما كان رئيساً لجنوب إفريقيا وكان الدبلوماسي من أحد بلدان العالم الأول فقال له لماذا تفرضون المعايير التي تخصكم على إفريقيا فنحن الأفارقة لدينا طرق في حل القضايا بطريقة مختلفة عنكم، ودخل معه فى حوار، وذكر له قصه طريفة عن العدالة الإفريقية ، وقال له إن أحد سكان القرى الإفريقية حينما أراد أن يموت أوصى بتوزيع ثروته على ورثته، وإتضح إن الأبقار التي تركها أقل من الوصية فماذا تفعلون في مثل هذه الحالة؟ دخل الدبلوماسي معه فى حوار حول كيفية حل المعضلة، ولكن مانديلا أجاب ببساطة إن ما نقص من الأبقار عن ما هو موجود في الوصية إتفق شيوخ القرية حفاظاً على تماسك الأسرة والسلام الإجتماعي أن يقوموا بدفعه لصيانة تماسك الأسرة والعلاقات الإجتماعية في القرية، وإن هذه هي طريقة إفريقية تختلف من قوانين العالم الأول. وكان مانديلا حاضر البديهة والدعابة ومطبوع بالفكاهة حينما أصبح رئيساً وأصبح له حراس يتابعونه ليل ونهار قال للصحفيين وأشار إلى حراسه كان يعتقلونني هناك و يتابعونني بالحراسة وهانذا الآن لدي حُراس آخرين .
كان شول مونق الذي هو في أساطير الدينكا يماثل أشعب الآكول قد قال لمحدثيه عليكم بإحسان الكلام فإن إحسان الكلام مثل إحسان الطعام، فإذا كان الطعام الجيد يُشبع فإن الكلام الجيد أيضاً يُشبع. وقد كان مانديلا متحدثاً رصيناً ترك ثروة هائلة من الحكمة الثورية والأحلام التي لا تموت، وأحزنني رحيله أيما حزن، ولم أستطع الكتابة عنه ولكن مشاهدتي لهذا الفيلم أعاد مانديلا إلى الحياة مجدداً، وأهدى لي فرصة أُخرى لزيارة مملكة الضياء والإلتقاء بمانديلا شعاع النور فى كل الأزمنة، وملامسة المناخ والظروف والشخصيات التي بدون معرفتها لن تكتمل معرفة مانديلا ولذا تناولت في هذه المقالة عددا من الشخصيات ذات الأثر الكبير والتي إرتبطت بحياة مانديلا على نحوٍ وثيق وشكلوا جزء من سيرة مانديلا المدونة في كتابه الهام (الطريق الطويل نحو الحرية).
و آخيراً أود أن أقول إنني كنت ومازلت وسأظل من المحبين لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي لاسيما نضالاته على أيام نظام الفصل العنصري، وشغفي وإعجابي بهذا الحزب لم تخبو جذوته رغم مرور السنين، وبالرغم من إلمامي التام ومتابعتي اللصيقة لما يدور فى داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وهو متاح فى أجهزة الإعلام وفي مواقع الحزب ومواقع خصومه على السواء، وعلى الرغم من التحديات وصراعات السلطة والفساد وقضايا نظام الفصل العنصري التي لا زالت تلاحق حزب المؤتمر الوطني لافريقي ولم تنحسر مياهها بعد و ما حدث لعمال المناجم وللمهاجرين الأفارقة وتحديات حل قضايا السكن والمياه النظيفة والتعليم والصحة لملايين الفقراء والمهمشين فى جنوب إفريقيا وقضايا الإقتصاد وهيمنة فئات بعينها منذ نظام الفصل العنصرى على الإقتصاد وقضية الأرض الحيوية للملايين وقضايا السياسة الخارجية و مع ذلك إذا أُتيح لي أن أدلي بصوتي اليوم فى إنتخابات جنوب إفريقيا فلن أتردد مطلقاً من الإدلاء بصوتي عن قناعة لصالح حزب المؤتمر الوطني الإفريقي .

،،،،،،،،،،،،،، النهاية ،،،،،،،،،،،،،،

تعليق واحد

  1. المناضل الجسور . والله اتمني ان تكون رئيسا للسودان. لك دراية عاليه من الفهم العملي لحلحلة كل مشاكل البلد لانك ببساطة تشبعت بالروح النضالية من د. قرنق و مانديلا ورفاقهم كتر. تحب كل الشعوب والقبائل وتعرف كيف ان يمكن ان يكونوا قوة صلبة تدفع التيار السوداني المتوقف منذ ٦٠عام. اخوان الشيطان مبرمجين علي جمود في العقل تماما وهم لا يدرون كيف ان يجاوبوا . كيف نطور السودان ونضع خارطة طريق المستقبل من الناحية النظرية والعملية مثل كوريا الجنوبية والبرازيل و جنوب افريقيا, لابد من خارطة طريق قوية ولا عندنا زمن للاخطاء الماضي. نقطه مهمة عجبتني في المقال الافارقة لو معتمدين علي العالم الاول لكي يحل مشاكلهم فهذا رابع المستحيلات. يجب ان نتجاوب معهم لكن ايضا يكون للافارقة كيان صلب و مخلص يحلحل المشاكل الداخلية الافريقية.
    يا استاذ عرمان يجب ان تدون كتاب للسودانين بمثل هذه الحقائق النضالية واشياء اخري والله سوف تجد اقبالا كتير خاصة باحتكاكك بقرنق و القصص الجميله لكي تكون قدوة ومصباح منير لنري جيدا

    انا من الشباب احب افكارك و بسالتك ومنطقك السليم
    شكرا

  2. والله ياعرمان يسلم قلمك امتعنا في رحلة الجميلة وتابعتها معاك بكل شقف وتمنيت ان اكون ضمن الحضور والحدث وليس كل ما يتمناه المرء يدركة ولكن كنت حضور بخيالي ورقبتي في ان يتحقق مثل هذا الوفاق في بلدي السودان ليحظي باحترام واعجاب الشعوب كما انا مصدوم ومعجب بدولة جنوب افريقيا وحزبها العريق المؤتمر الوطني الجنوب افريقي

  3. الاخ العزيز ياسر عرمان تحياتي
    انا عند احساس كبير انك انت مانديلا السودان وانت خلاص الامه انشاء الله وحقيق مقالك جميل جدا
    ونحنا محتاجين نعرف كتير عن افريقيا ونضال الشعوب الافريقيه.

  4. ما يميز عرمان عن بقية السياسين السودانيين, مقدرته الفائقة على كسر نمط السياسى التقليدى المتحجر stagnated ودخوله دائما فى رحاب كونية أوسع تتمازج فيها التجارب النضالية الوطنية المشبعة بألقيم الانسانية التى تظل مثار اعجاب وتقدم انموذجها المتفوق أخلاقيا وواقعيا وعمليا لعالم يعج بتعقيداته و معادلاته الصعبة ولكن يظل الولاء والالتزام بألمبدأ والفكرة بأخلاص دون أنانية أو تقصير, هو المحرك وطاقة الدفع التى تغذى حركات التحرر والاشخاص الذين يشكلونها, فكل الشكر للمناضل ياسر على تلك المعلومات الثرة عن حركة تحرر الجنوب أفريقى وقائد مسيرتها الرائعة الراحل مانديلا, وهذه السيرة ترقى كمادة يجب تدريسها فى دور العلم لكى يستفيد منها جيل اليوم والاجيال القادمة.

  5. الشخص الوحيد المؤهل أن يقود السودان فى المرحلة القادمة هو المناضل الجسور الاستاذ ياسر عرمان وله الف تحية واحترام

  6. ياسر عرمان سياسي محنك ولكنه ليس له ميول ديني وهو يمدح مانديلا كانه نبي مرسل
    ياخي مانديلا له دين وانت لك دين كفايه ملق وتملق وقول كلام يرضي ربك عشان ما تكون مع مانديلا يوم القيامه

  7. . جنوب افريقيا هى مدرسة للنضال والتحرر الوطني وتأريخها الطويل المشرف في ضد المستعمر البغيض اصبح منهج يدرس في جامعات العالم ,,,, نحن فخورون بأنك قد احتككت مع عمالقة حزب المؤتمر الوطني الافريقي وفخورون ايضاّ بأنك قد جالست القائد الاسطورة الافريقية وايقونة النضال والتحرر الوطني الزعيم نيلسون مانديلاّ
    ومن سلسلة مقالاتك هذة التى ختمتها بهذة ايقنا انك قد تعلمت وتزودت بالكثير المفيد وبذخيرة وافرة تُفيد في مسيرة النضال الوطني وبناء الامة

    المهاتما غاندي وفي حادثة القطار الشهيرة التى جرت معه كانت تلك مصدر الهامه و نقطة التحول الكبرى لديه, فقد ادرك منذ تلك اللحظة ان الامر يتطلب اكثر من عزيمة رجل واحد لمحاربة ومقاومة ذلك المستعمر البغيض المتجبر, وادرك ان لمحاربة هذا العدو يجب ان يحارب عدو آخر اكثر منه خطورة وفتكاّ وذاك العدو هو الجهل والتعصب القبلي والعقائدي بين بني جلدتة فأسطتاع منذ تلك اللحظة ان يرسم طريقه بدقة لتوحيد الهند ثم التحرر من المستعمر البريطاني ,واستطاع كذلك ان يجد الوسيلة المناسبة لمخاطبة امة الهند ويحقق به ذلك الهدف النبيل وتلك المهمة الشاقة الصعبة فأخرج لنا بعد ذلك دولة الهند العظيمة كما نراها اليوم
    ,,,,,,,اليوم الظروف والبيئة في السودان والهند متماثلان الى حد بعيد وتلك الفترة

    الاختلاف فقط قد يكون في وسيلة الخطاب وماعليكم فعله هو ايجاد تلك الوسيلة المناسبة لمخاطبة الامة السودانية كما وجدها من قبل الزعيم الملهم غاندي من بعده الزعيم العملاق مانديلا
    السودان يحتاج الى القائد الملهم القوي والخطاب العميق قبل كل شئ
    والسودان اكبر من ان يحكمه هؤلاء الاقزام محدودي الافق والطموح الذين لا يؤمنون بوطن ولا يدنون لوطن بل لتنظيم عصابي مافيوي اجرامي وخطابهم هو التعصب الديني والاثني الذي يستسيغه فقط الجهلاءواصحاب المأرب او المتسلقين النفعيين

    المناضل ياسر عرمان ,,,,,,,,, سر وعين الله ترعاك,,,,,,,

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..