في عيد ميلادي السابع!

*( ولدت لعدم قدرتي على الأختيار،
في زمن غير مناسب على الإطلاق..).
– عزيز نسين –
.. لم يحتفل أبي أو أمي مرة بعيد ميلادي أيام طفولتي. ولا أعرف ما إذا كان هذا الطقس دارجاً لدى أبناء الميسورين من جلينا ممن كنا نسميهم أولاد الذوات، ولذا لم أعرف أيّاً من الهدايا التي تقدم للأطفال بما يدعونه أعياد ميلادهم التي يتذكرونها بما يقدم لهم من هدايا. فيقول أحدهم: في عيد ميلادي السادس قدَّم لي أبي سيارة بالريموت كونترول، أو في عيد ميلادي العاشر حصلت من خالي على لابتوب..
ما زلت أذكر تماما عيد ميلادي السابع. ففي هذا التاريخ أدخلني أبي المدرسة بعد هروبي المتكرر من المسيد( الخلوى). إذ كانت المدرسة من سن السابعة، وليس السادسة كما هو الآن.
منذ اليوم الأول نفرت من المدرسة ومن المعلمين. وبكيت كثيراً. وفي كل يوم أذهب إليها؟ كنت أواصل البكاء، علّ دموعي تشفع لي بإعفائي من الذهاب إلى المدرسة التي أحس أن شيئاً فيها يجثم على قلبي وصدري. وأن هذا الشيء هو مزيج من الحزن والألم والرعب.
ترى هل كان الإحساس العفوي للطفل يستشرف آفاق المستقبل، وبما ستجر عليه المدرسة من مطبات وأحزان وآلام ورعب في بعض أو كثير من الأحيان؟
السبب في ذلك باختصار شديد هو تعلم القراءة والكتابة.
صحيح أنني عانيت كثيراً من الأحزان مع جبران خليل جبران حين قرأت الأجنحة المنكسرة. وذرفت الكثير من الدموع لآلام فرتر. وتألمت لأجل كوزيت بؤساء فيكتور هوغو. وشعرت بالأسى للمصير الذي آلات إليه المناضلة الجزائرية فلّة بوعناب في رواية حيدر حيدر : وليمة لأعشاب البحر، وصار قلبي مثخناً بالجراح مع رواية الوباء لهاني الراهب، وداخلني الرعب والنقمة مع حفلة التيس للروائي ماريو بارغاس يوسا وهو يحكي عن حكم الجنرال تروخيو حاكم الدومينيك. لكني أعترف أن كل تلك الأحزان والآلالم هي فانتازيا عاطفية من نسج الخيال.
لكن المشكلة الحقيقية التي سببتها لي المدرسة التي كرهتها وتوجست منها خيفة، أنه منذ الانقلاب الأول لإبراهيم عبود عام 1958 ، وما جره بعد ذلك من انقلابات ونظم سياسية مختلفة، ضربت مفاصل الحركات السياسية وأدت معظمها إلي غياب الحرية من السودان. ويذكر عن سهيل إدريس وربما غيره من أدباء العرب أُنه قد نبَّه إلي أن جميع الحريات الممنوحة في العالم العربي تكاد لا تكفي شخصاً واحداً.وهذا سبب كافي لكل الثورات والاحتجاجات التي تضرب أركان الظلم والفساد.ولهذا، فإنني حين وعيت على الحياة، وصارت القراءة ومن بعدها الكتابة، سوسة وإدماناً فإنني غالباً أضع يدي على قلبي خوفاً ورعباً من أكون قد قرأت شيئاً أحاسب عن قراءته أو كتبت شيئاً يجر عليَّ ما لا أحتمل من من مشكلات وهم القلب، ووجع الرأس، وربما وجع في كل ما في الجسم من أعضاء.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..