أخبار السودان

لاجئون في تونس ينفذون اعتصاما أمام المفوضية السامية للاجئين للمطالبة بالإجلاء

في منطقة البحيرة الراقية بالعاصمة تونس يفترش منذ أيام عشرات اللاجئين الأفارقة الأرض معتصمين في العراء أمام مبنى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بعدما أمرت بإخلاء مراكز إيوائهم بالجنوب التونسي مطلع العام الجاري، وفق قولهم.

دون تباعد جسدي يتكدس اللاجئون على رصيف الشارع واضعين لافتات على جدار مبنى المفوضية للمطالبة بإعادة توطينهم في بلدان أخرى، رافضين قطع المساعدات عنهم من المفوضية ودفعهم لمعترك الحياة دون مساعدة ودون إرادتهم.

توحي أعداد اللاجئين الغفيرة من النساء والرجال والأطفال أن المكان تحول في لمح البصر إلى مخيم مخصص لطالبي اللجوء من مختلف الجنسيات، من السودان وتشاد والصومال وإريتريا وحتى الطوارق عديمي الجنسية من ليبيا.
كرامة مهدورة

ينام عبد الرحمن بلال على رصيف الشارع وسط الحشد الكبير وحوله زوجته وأبناؤه التسعة وبعض أقاربه الذين هاجروا قبل 4 سنوات من منطقة سبها الليبية باتجاه تونس طلبا للجوء إلى دولة أخرى تعيد لهم حقوقهم وكرامتهم المهدورة.

يقول عبد الرحمن (56 عاما) -وهو أحد أفراد قبيلة الطوارق عديمي الجنسية في ليبيا- إنهم فروا من جحيم الحرب والفوضى هناك بحثا عن تحسين وضعيتهم، لكنهم اصطدموا في تونس بقتامة الوضع وانعدام الأمن، مع بقائهم مشردين بالشوارع بلا حل.

عاش الرجل مع أهله حياة بائسة في ليبيا لكونه من الطوارق أصحاب الأرقام الإدارية الذين لا يملكون جنسية، وعندما تكون من عديمي الجنسية في ليبيا تتحول حياتك إلى جحيم حقيقي، حيث لا تنعم حتى بأبسط الحقوق المدنية، بحسب تعبيره.

تمكن عبد الرحمن من الحصول على البطاقة الخضراء للاجئين مع أهله بعد قدومه إلى تونس، بيد أن حلم إجلائه إلى بلد آخر بدأ يتبدد بعدما قررت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إخلاء مراكز الإيواء بمنطقتي مدنين وجرجيس في الجنوب.

ووضع عبد الرحمن ليس أشد سوءا من الفتاة الإريترية فتحاويت سلاسة (18 عاما) التي وجدت نفسها في تونس لاجئة مشردة بلا مأوى أو كفيل، بعدما ألقى الحرس البحري التونسي القبض عليها مبحرة مع لاجئين آخرين في قارب باتجاه السواحل الإيطالية.

فرت هذه الشابة قبل 4 أعوام من أهلها، رافضة تزويجها قسرا من رجل يكبرها فيما لم يتجاوز سنها الـ14، لكن فرارها إلى ليبيا مهد لها الطريق نحو جحيم لم يكن في الحسبان، إذ انتهى بها المطاف مختطفة هناك من مليشيات مجهولة.

وتقول فتحاويت للجزيرة نت حابسة دموعها إنه كان يغمى عليها أحيانا من شدة التعذيب والضرب على يد ملثمين كانوا يسعون وراء الفدية مقابل إخلاء سبيلها، وقد دامت معاناتها من التعذيب وسوء المعاملة نحو شهرين في معتقل مجهول لا تعرفه.

وبسبب صراخها في الهاتف من آلام التعذيب أرسل والدا فتحاويت الفدية إلى المختطفين الذين أطلقوا سراحها ووضعوها في قارب يحمل لاجئين باتجاه إيطاليا وفق الاتفاق معها، لكن الرحلة باءت بالفشل بعد اعتراضها من الحرس البحري التونسي.

وبعد إمساكها من الحرس البحري تم اقتياد فتحاويت قبل 9 أشهر إلى مبيت مخصص للاجئين بمدينة صفاقس جنوب تونس، لكن مع قرار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إخلاء جميع مراكز الإيواء وجدت نفسها مشردة في ظروف قاسية.

وتقول فتحاويت للجزيرة نت إن كل ما تسعى إليه هو إجلاؤها وإعادة توطينها في بلد آخر يحفظ لها حقوقها وكرامتها الإنسانية المفقودة، مشيرة إلى أنها تعرضت في تونس لعديد الانتهاكات والتمييز العنصري على أساس انتمائها الديني للمسيحية.

بدوره، يعيش اللاجئ السوداني صلاح الدين إبراهيم عمر (30 عاما) وضعا صعبا منذ فراره من ليبيا إلى تونس سيرا على الأقدام في أبريل/نيسان 2019 هربا آنذاك من الحرب التي شنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس.

وقبل ذلك، هرب هذا الشاب من النزاع المسلح بمنطقة دارفور في السودان باتجاه تشاد ثم ليبيا، ويقول للجزيرة نت إنه تعرض للسجن 4 مرات في دارفور بحكم معارضته الحكومة عندما كان طالبا في الجامعة، قبل أن يتعرض للتهديد بالتصفية.

حصل صلاح الدين على البطاقة الخضراء للاجئين، لكنه يشعر بأنه ليس في أمان في تونس بعد إغلاق مراكز الإيواء من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بداية العام الجاري مقابل منحة للاجئين بأقل من 100 دولار على 3 أشهر.

ويقول إن المفوضية تعاملت بشكل استفزازي مع طالبي اللجوء وتدفعهم للارتماء في المجتمع التونسي دون إرادتهم ودون أخذها بعين الاعتبار ارتفاع البطالة في تونس وغلاء المعيشة والتمييز العنصري والمعاملات الأمنية الخشنة مع اللاجئين.

بدوره، وصف الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية غير الحكومية رمضان بن عمر قرار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإخلاء مراكز الإيواء بأنه “ارتجالي”، معتبرا أن القرار خلق أزمة ثقة بين المفوضية واللاجئين.

وقال “كان على المفوضية أن تبذل مجهودات أكبر لاحتواء أزمة اللاجئين والاستجابة للحد الأدنى من مطالبهم”، معتبرا وصم المفوضية اللاجئين بأنهم لا يريدون العمل أو العيش في تونس بأنه يشجع على انتشار السلوكيات والمشاعر المعادية للاجئين.
تواصل المساعدات

من جانبها، قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إنها تواصل جهودها للتحاور مع اللاجئين المحتجين، وذلك من أجل إيجاد حلول عملية لفائدتهم، نافية قطع المساعدات المالية عنهم رغم الصعوبات المادية التي تعاني منها المفوضية.

ونفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إغلاق ملاجئها في تونس، مؤكدة أنه لا تزال لديها 3 ملاجئ تعمل بسعة إجمالية تبلغ 400 مكان، وهي تواصل توفير أماكن الإقامة للأفراد الأكثر هشاشة، بمن فيهم أولئك الذين يتم إنقاذهم من البحر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..