مقالات سياسية

القرداتية !

زهير السراج

مناظير
* من كثرة ما لدينا من الألقاب المزيفة في كافة المجالات، لا تمر دقيقة إلا وتسمع كلمة بروفيسور أو دكتور، أو باش مهندس، أو استاذ وكأن السودان صار موطن العلم في العالم وصار كل مواطنيه بروفيسيرات ودكاترة بينما يعكس الواقع شيئا غير ذلك، حيث انتشر الجهل والسطحية وعدم المهنية حتى في اعرق المؤسسات الأكاديمية دعك من (سوق الله أكبر) .. واختفى (القرداتية) الذين يتكسبون من مهنة ترقيص القرود من الشوارع ليظهروا في المهن المختلفة مثل الطب والهندسة والصحافة والبزنس والسياسة وكل شيء، وسيطروا على كل مجالات الحياة لدرجة أنك عندما تقرا قصيدة الشاعر العراقي الكبير (معروف الرصافي) التي يصف فيها حال (عراق) القرن الماضي تعتقد أنه يصف فيها حال السودان اليوم وفيها يقول:
* من أين يُرجى للعراقِ تقدّمٌ ‏وسبيلُ ممتلكيهِ غيرُ سبيلِهِ .. لا خيرَ في وطنٍ يكون السيفُ عند جبانهِ والمال عند بخيلهِ .. والرأي عند طريدهِ والعلم عند غريبهِ، والحكم عند دخيلهِ .. وقد استبد قليلهُ بكثيرهِ ظُلماً، وذُلَّ كثيره ُ لقليلهِ.
* وصل بنا سوء الحال والاستهانة بالألقاب الأكاديمية إطلاقها على الذين لا يحملون حتى شهادة (خلوة) .. دعك من ان يكونوا قد تخرجوا من مدرسة او جامعة وليس هذا عيبا، غير انهم يتوهمون انهم بالفعل دكاترة وبروفيسيرات، ولكنهم لحسن الحظ، اقل خطورة من المزيفين الآخرين لانهم لا يبتغون شيئا سوى التخلص من عقدة النقص والوقوع في احضان الوهم اللذيذ بأنهم أشخاص مهمون، واصطياد مناسبات الافراح والاتراح لتشغيل ريكوردراتهم التي تفتى في كل شيء بدون أن تكل أو تمل أو تتوقف لنفاذ البطارية، والناس ينادونهم يا بروفيسور فلان ويا دكتور علان، وهم في قمة الانشراح والانفتاح !!
* أما الخطرون بالفعل فهم الذين يتقمصون شخصية الدكتور والبروفيسور، ويخدعون غيرهم بأنهم كذلك، وينتشرون في المجتمع وأجهزة الدولة وأجهزة الاعلام والمواقع الرفيعة لنشر سمومهم كعلماء واساتذة ومتخصصين يطلقون الاستشارات والفتاوى والنصائح العلمية ويسافرون لتمثيل البلاد بالخارج أو للتمثيل بها وفضحها مثلما فعل أحد المتبرفسين عندما قدم ورقة في مؤتمر علمي بالخارج سرقها من مجلة علمية وهو لا يعلم أن صاحبها الحقيقي موجود بين الحضور، وكانت فضيحة بجلاجل !
*وهنالك من دكترتهم وبرفستهم وقبطنتهم وربونتهم وولولتهم وأرببتهم الصحف واجهزة الاعلام بغرض التزلف والنفاق ومداعبة الجيوب، فصدقوا الوهم وعاشوا في الاحلام بانهم دكاترة وبروفيسيرات وقباطنة وكرادلة ولوردات وساحوا في الارض يمارسون أوهامهم واحلامهم المريضة على الناس!
* ومع كل هذه الضحالة والركاكة وانتشار الجهل لم يكن غريبا ان يتسرب (القرداتية) من الأزقة والحوارى لممارسة الرقص على صفحات الصحف وأجهزة الاعلام وتلويث اخلاق وافكار الناس !
* خمسة عشر عاما عشتها وعملت فيها في أكثر الدول تقدما ولم أقرأ أو اسمع لقب (دكتور) أو (بروفيسور) الا نادرا جدا ولم اسمعهما حتى داخل المؤسسات الاكاديمية والبحثية التي تضم بين جنباتها حاملي اعلى الدرجات والحاصلين على أرفع الجوائز العالمية في مختلف مجالات العلوم، حيث اعتاد الناس على مناداة الشخص باسمه الاول فقط، أو الاسم الاخير (اسم العائلة) إذا لم يكن بينهم وبينه معرفة أو زمالة أو صداقة !
* المكان الوحيد الذى تسمع فيه كلمة (دكتور) هو المستشفى، أما خارج المستشفى أو في غير ساعات العمل فالطبيب مثل غيره، يناديه الناس بالاسم الاول أو اسم العائلة.
* أما في بلادنا، أو ” ما في لزوم للكلام .. يعنى هي بقت على الدكاترة والبروفيسيرات المزيفين، ما البلد كلها تزييف فى تزييف، وتشوف الصورة المفبركة ما تشوف البعشوم .. أو كما قال الملك النعمان بن المنذر عندما رأى ضبة بن شمرة: “تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!” .. والمعيدي هو البدوي قبيح المنظر متسخ الثياب !
الجريدة

‫7 تعليقات

  1. نسيت ناس فريق وفريق اول ولواء بقوا عددهم اكتر من عدد الركشات والواحد فيهم ما بعرف يرفع التحية العسكرية صاح خلي اللغة دارجي بس .

  2. ويا استاذ زهير ازيدك بيتا من الشعر اصبحت كملة “بروفيسور” تختصر بالتنغيم الي “بروف” وكما هو معلوم الاختصارات تستعمل فقط في المكاتبات وليس في المحادثات. يجب مراجعة كل الدرحات العلمية الممنوحة منذ قدوم الانقاذ واكتشاف المزيف من الحقيقي.

  3. متلازمة المناداة بالالقاب المهنية و العلمية موجودة في بعض الدول العربية مثلما هي في السودان , بل اكثر

  4. سلام يادكتور : ما نلوم حملة الدرجات العلمية من هذا النوع بس السبب الاساسى هو الجامعات اللتى منحتم هذة الدرجات ومشرفون البحوث والممتحن الداخلى والخارجي والقائمة طويلة- نقترح نصدرم الى الخارج ونكون وجدنا سلع صادر جديده.

  5. اخونا زهیر الرکام والخراب الذی ترکته الانقاذ فی کل اوجه الحیاة غایة فی الفظاعة ولکن یجب ان لا نیأس ونصاب بالاحباط,کله مقدور علیه فنشمر السواعد والعقول!

  6. كلامك صحيح أنا قابلت دكاترة والله تخجل على مستواهم و فهمهم لأبسط الأشياء و بقى الحصول على الدكتوراة أسهل من أى شىء و بعض الأحيان لا أصدق انه هذا دكتور ولما أسأل أجد الأجابة نعم هذا دكتور و أصاب بالاحباط.

  7. أين اللجنه التى قيل إنها عُينة خصيصاً لفحص الشهادات؟!! هذا الموضوع اهم من (العك) الذى تمارسه لجنة الاستاذ أديب عبد الله بالنسبه للفلوس اللهطوها الكيزان سوف تنتهي طال الزمن ام قصر فى أقرب مرحاض اما الشهادات سوف تظل آثارها ليوم الدين على آبنائنا واحفادنا إلخ.. يعنى الجاهل سوف يمنح الاجهل منه أعلى الدرجات العلميه وماجستير البشير خير مثال وأعتقد الاستاذ الذى أعطاه الشهاده شخص لم يحترم علمه ووضعه كاستاذ جامعي او ربما حصل على الاستاذيه بنفس الطريقه التى منح بها العمبلوق الماجستير وتمهيداً لمنحه الدكتوراة!!.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..