زمزم تحت القصف: من المسؤول عن حماية النازحين؟
تقرير: رشا حسن
يتعرض مخيم زمزم للنازحين في ولاية شمال دارفور لقصف مكثف، مما دفع منظمة أطباء بلا حدود إلى إطلاق إنذار عاجل للتحذير من خطورة الوضع. ووصفت المنظمة الهجوم بأنه كارثة إنسانية استهدفت أكبر موقع للنازحين في السودان، حيث تتعرض المنطقة لقصف مكثف من قبل قوات الدعم السريع منذ مساء أمس.
وأوضحت المنظمة في بيان حصلت عليه “الراكوبة” أن الهجوم أسفر عن سقوط ضحايا، وأدى إلى حالة من الذعر والنزوح الجماعي. وأشارت إلى أن فرقها الطبية استقبلت مساء أمس ثمانية مصابين، بينهم نساء وأطفال لا تتجاوز أعمارهم أربع سنوات، يعانون من إصابات خطيرة شملت الكسور والإصابات البالغة في الصدر.
وأضافت أن أربعة من المصابين الذين كانوا في حالة حرجة أُحيلوا إلى مرفق صحي آخر صباح اليوم الثلاثاء، قبل أن يستأنف القصف ليصل إلى مواقع قريبة من السوق والمستشفى الميداني للمنظمة. ووصفت الوضع في المخيم بأنه “فوضوي إلى أبعد الحدود”، مؤكدة أن المرضى والطاقم الطبي اضطروا إلى مغادرة المخيم للنجاة بحياتهم، مما جعل المستشفى خاليًا تمامًا بعد إجلاء ثلاثة مرضى كانوا في العناية المركزة، ولا يزالون بحاجة إلى الأكسجين.
من جانبه، قال ميشال-أوليفييه لاشاريتيه، رئيس عمليات الطوارئ في أطباء بلا حدود: “الناس لا يعانون من الجوع فقط، بل يتعرضون الآن للقصف ويضطرون للإجلاء مرة أخرى”. وأعرب عن قلقه بشأن سلامة النازحين وطواقم العمل، مجددًا دعوته إلى حماية المرضى والمدنيين، وتأمين الطرق الآمنة لمن يفرون من العنف في مخيم زمزم.
ويبقى السؤال: كيف ستتحرك الجهات المعنية لوقف هذا الهجوم وضمان حماية النازحين في ظل استمرار هذه الانتهاكات؟
“إدانة ومناشدة”
في هذا الصدد يقول المتحدث باسم منسقية النازحين بإقليم دارفور، آدم رجال، إن قصف المخيمات ليس بالأمر الجديد، حيث ظل القصف مستمرًا طوال فترة الحرب، خاصة على مخيم أبو شوك، الذي تعرض للقصف لفترة طويلة، ما أسفر عن سقوط أكثر من ألف شهيد وجريح ومفقود. وأضاف أن مخيم أبو شوك تعرض للقصف صباحًا قبل أن يتم قصف مخيم زمزم مساء ذات اليوم، وتابع: “وتواصل القصف حتى اليوم الثاني”.
وأدان رجال، في حديثه لـ”الراكوبة”، سلوك أطراف الصراع في السودان، واصفًا ما حدث بأنه جريمة حرب. وأعرب عن أسفه لقصف المدفعية الذي استهدف آلاف المواطنين داخل المخيمات، مطالبًا طرفي القتال بالابتعاد عن المخيمات. ودعا قوات الدعم السريع إلى التوقف عن قصف المعسكرات في شمال دارفور، والجيش السوداني إلى الكف عن قصف المناطق المأهولة بالطيران.
وناشد رجال طرفي الصراع استخدام العقل وإيقاف الحرب، لأنها لا تخدم مصلحة المواطن، بل تحقق مصالح الأطراف المتنازعة الساعية إلى السلطة. كما حمّل المسؤولية في حماية النازحين للقوانين الدولية والمجتمع الدولي.
“جريمة بشعة”
أما القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي والعضو السابق في مجلس السيادة في السودان، صديق تاور، فيقول إن ما يحدث في معسكر زمزم للنازحين من قصف بعيد المدى بالمدفعية الثقيلة من جانب الدعم السريع، هو امتداد للمواجهات العنيفة في مدينة الفاشر منذ شهور عديدة، مشيرًا إلى أنها لا تراعي سلامة المدنيين وأمنهم.
وأشار تاور في حديثه لـ”الراكوبة” إلى أن المواجهات انتقلت إلى المعسكر بعد أن أصبحت الفاشر مدينة أشباح وأُفرغت من السكان إلا من المقاتلين، موضحًا أنه مع حالة الكر والفر المستمرة، من الطبيعي أن تنتقل المواجهات إلى مناطق المعسكرات. وأضاف أن قصف المعسكر بواسطة الدعم السريع هو فعل مرفوض ومدان، تمامًا كما هو الحال مع قصف طيران الجيش للأسواق والتجمعات المدنية في الكومة ونيالا وسرف عمرة وغيرها. وتابع: “كلها ممارسات بعيدة عن أخلاق الجيوش المحترفة”.
ويرى تاور أن تصاعد القصف على المخيمات يمثل عقابًا للمواطنين المغلوبين على أمرهم أكثر منه مواجهات عسكرية منظمة، حيث إن سكان معسكرات النزوح هم في الأساس ضحايا الحرب الطويلة في دارفور منذ عقدين من الزمن، ويعيشون مآسي مستمرة بسبب فشل الوصول إلى سلام مستدام في الإقليم. ولفت إلى أن حماية هؤلاء السكان مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق جميع الأطراف الداخلية والخارجية، في ظل غياب سلطة مركزية قادرة على فرض سيادة الدولة.
ويعتقد تاور أن استمرار استهداف المعسكرات يعني تفريغها من المواطنين وتشريدهم إلى المجهول في ظروف الشتاء القاسية، مع انعدام أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة. ووصف ما يحدث في المخيم بأنه مأساة إنسانية وجريمة بشعة يتحمل مسؤوليتها كل من يشارك في الحرب ويدعو إلى استمرارها.