المجهول.. يا حبيبتي!!

تتوقف محطات البؤس القادم من عمق الغابر عند جسور أطفال قد ذهب القهر بكل ملامحهم.. ما كانوا أصحاب دراية.. ولا يعلمون من الحكاية شيئاً عن المبتدأ والخبر.. خرجوا لتضاريس واقعنا ومنعرجاته.. لا يحملون أحلاماً كما كل أطفال العالم.. نطفة.. فمضغة.. فعلقة.. تخلقوا من طين العناء تسعة أشهر وتسعاً.. لتأتي صرختهم وقفة إحتجاجية أولى تنسل من الرحم إلى الفم.. وفي خضم الحياة يجدون أن عليهم فواتير واجبة السداد.. فالقرض الأول الذي إقترضه ساستهم وعجزوا عن سداده، ظلت زممهم البريئة مشغولة به تنوء به أكتافهم الغضة التي لم تجد من الحليب الكفاية.. ولم تلقى من الرعاية رعاية.. تنتاشهم سهام الإهمال الصدئة.. وسياسات التجفيف والتطفيف.. تغتال براءتهم أفاعيل الساسة.. تحرمهم لا ترحمهم.. تسوقهم سوقاً إلى مرابع الأسى.. الأوحد الذي يقدمونه لهم كل الممسكين بالقرار.. المتناسين عمداً يوم المناداة ساعة الفرار.. هو المجهول.. وأطفالنا لا يكترثون.. يقبلون غير عابئين ينتزعون من براثن الحياة.. شيئاً من الحبور واللهو البرئ.. كنا نحسبهم يجهلون.. غير أننا نحن الذين نسير في مواكب الجهالة.. نكتشف يوماً أنهم كانوا يعرفون أن الوحيد الذي تركناه لهم ميراثاً: هو المجهول..
ونحن في غمرة الصراع.. للحيازة.. نتصارع.. نتشاكس نحوز ما نحوز.. بما يجوز ولا يجوز.. نغتني ونقتني.. اللهاث صار في حيواتنا.. ديدناً.. والإكتناز دين.. منوالنا أضحى أن نعطي كل وسيلة تزيد من أشيائنا.. نعطيه اسماً ناعماً وهو في قاموس اللغة والأخلاق والأعراف والأديان.. سرقة.. ودولةً تريد أن تؤكد نبوءة نبينا الكريم.. أن يوماً سيأتي.. في أرض ضمت القرآن.. وتركته بين دفتين.. ليتحقق الموعود: (إنما هلك الذين من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).. يا سيدي يا رسول الله هؤلاء الذين قبلنا فماذا نقول في الذين بين ظهرانينا؟! الذين كأنهم لم يقرأوا يوماً: (الخلق عيال الله أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله) ونحن عيالك يا الله.. وعيالنا عيالك يا الله.. يستكثرون عليهم ما أعطاه القانون من علاج الأطفال المجاني.. ولكي يحدث هذا.. تُزال حوادث مستشفى أطفال جعفر بن عوف المجاني.. والجاني ينقلهم إلى حيث يدفعون دم قلوبهم.. والجناة بالفعل الفظيع.. يستبشرون.. ويأنسون إذ تكتمل الحلقات من مسلسل التدمير.. فينقلون العيادات المحولة من مستشفى جعفر بن عوف إلى مجمع فتح الرحمن البشير.. زيادة في التحدي وزيادة في التنكيل.. وعيالك يا ربي بعيالهم يهرعون.. حيثما يريد.. مَنْ ذا الذي يريد يا ترى؟! بلمحة سريعة رمقت بعض أطفالنا يتسابقون.. متوكلين على الذي يجتمع يوماً عنده الخصوم.. نحن وهم وبروف مأمون.. هو قد فعل فماذا نحن فاعلون؟! ضممت ابنتي المريضة.. رمقتها بنظرة كسيرة.. تلخص كل حكاوينا عبر هذه المسيرة.. سائلاً نفسي لماذا نحن منكسرون وما بإمكاننا أن نقول لأطفالنا حين يكبرون؟! ويسألون لماذا لم تعالجوننا؟! سنرد ببلاهةٍ كان عندنا وزيراً.. مستثمراً اسمه بروف مأمون.. يملك جامعة لنا عن أرضها سؤال.. وزيتونة قامت على أرض ميت وهبها لتكون رصيداً له في الباقية..فاصبحت زيتونة ترافق شقيقتها يستبشرون.. ومستشفى الأكاديمى الذى بدأ خيرياً.. فدارت عليه الدائرة وصار ملكاً لوزيرنا الميمون.. وحوله أسئلة.. ولا مجيب.. وفي زحمتنا.. أزيلت حوادث الأطفال.. ومستشفى الخرطوم لن تقوم لها قائمة.. وصحة أطفالنا لن تكون قائمة.. والقائد المصري ناصر قال: (ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة) وكان واهماً فما أُخذ بالقوة يسترد بالحق.. وبالوقفات الإحتجاجية.. وبالقضية الدستورية.. وعدالة القضية..هذا.. أو المجهول ياحبيبتى..
هل فهمت شيئاً ابنتي؟!
وسلام يا.. وطن
حيدر احمد خير الله
[email][email protected][/email]
جريدةالجريدةالأحد24/2/2013
اللهم يا فاطر السموات والارض و رب العرش العظيم نسألك بكل اسم هو لك ان لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.. وان تلطف بنا فيما جرت به المقادير لفسوق المترفين منا ونعوذ بك من شرور من ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعآ … آمين .