مناسك الهياج

زمان مثل هذا

مناسك الهياج

الصادق الشريف

? كثيرون يلومون الشعب الليبي.. الثوار.. على بعض التصرفات الطائشة التي تصدر من هُنا وهُناك.. تكون أقرب للانتقام.. أقرب للعمل الهمجي. ? مرحلة (الهياج) النفسي هذي.. مرحلة طبيعية تأتي بعد مرحلة/ مراحل الكبت العنيف/ المتشدد/ القاسي.. وهي مرحلة عابرة كما يشير لذلك الباحثون في علوم النفس والاجتماع. ? وأذكر قصة الطفل الذي يحبسه أبواه في البيت.. خوفاً عليه من عاديات الشوارع والطرق.. وهو لا يرى في حبسه إلاّ تعسفاً من والديه في استخدام حقوق الإبوة والأمومة. ? كان.. وحينما تسنح له الفرصة.. فيجد الباب موارباً أو مفتوحاً.. يطلق ساقيه للريح.. فيجري.. ويجري.. ويجري.. دون هدفٍ واضحٍ.. (رُبَّما سوى الرغبة في تجريب ساقيه).. حتى يصيبه الإعياء فيجلس وينام تحت أقرب شجرة. ? الآن وقد بلغ الرشد.. وفُكّت عنه تلك الإقامة الجبرية.. أصبح أهدأ الناس.. مُوطِناً نفسه.. إذا أحسن الناسُ أحسن معهم.. وإذا جروا لم يجرِ معهم. ? الصحف السودانية مرت بفترة مقاربة ومشابهة.. في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي.. وكان الدكتور عثمان أبو زيد الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات يسميها بذات الاسم.. (صحافة الهياج). ? وذلك بعد أن تقدّم ناشرون بطلب لإصدار صحف مستقلة.. فأُذِنَ لهم.. فكانت الأعمال المهنية ومقالات الرأي ضرباً من ضروب الهياج والاحتجاج ضد ثورة الإنقاذ.. التي كبتت الحريات السياسية والصحافية. ? وكان من نتائج ذلك الهياج أن فجّ الصحافيون لأنفسهم كوّات للحرية الصحفية.. ما زالت تتسع ?ببطء? حتى يوم الناس هذا. ? وظلت تلك الكوّات تتسع بسلحفائية.. مثل إنسانٍ يسبح عكس (التيار).. فالحكومة كانت تستخدم فرامل الإيقاف (قبل وبعد النشر) لكعبلة الصحف وتهدئة سرعتها.. ولكنّها الآن أهدأ حالاً وأقدر على أداء رسالتها بمهنية أوفر. ? كُنا بنقول في شنو؟؟. ? نعم.. لا أحد يستطيع أن يلوم الشعب الليبي على ما يحدث الآن من بعض المكلومين من أهل ليبيا.. فمنهم من قُتل أخاه أمام ناظريه.. ومنهم من اُغتصبت ماجدته (أمه أو زوجته أو أبنته أو أخته).. ومنهم من رأى الأسوأ في نفسه.. فلا شيء يجعل الرجل يقاتل بكلِّ تلك الشراسة التي قاتل بها ثوّار ليبيا.. لو لم يكن بالقلب ألمٌ عظيمٌ.. مساوٍ لذلك القتال الشرس. ? وما تناقلته المواقع الإلكترونية عمّا تعرض له العقيد (القائد الأممي/ الهارب الأممي/ الأسيرالأممي) من سوء معاملة.. كان جزءاً من كلّ ذلك.. كان جزءاً لا يتجزأ من الألم والظلم الذي وزعه الرجل نفسه على جماهير شعبه عبر شبيحته.. الكتائب. ? كان ألماً يخرج بفوّهات البنادق عبر الرصاص ليستقر في رأس القذافي.. ألماً شاذاً لا يجد له مخرجاً غير ذلك السلوك الشاذّ (المُدان) الذي تعرض له الرجل على أيدي من جعلهم على مشارف الموت البدني والنفسي. ? سيعودُ الشعب الليبي إلى أفضل مما يظنّه الناس بعد أن يكملوا مناسك الهياج.. هو في طريقه للهدوء.. ولو بعد حين.. ما دام سبب توتره قد زال.. حيث لم يعد العقيد بعد ذلك اليوم.. من سكان هذا الكوكب.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..