لعبة قطر الكبرى!

كانت قطر من أشد المتحمسين للربيع العربي، ولعب هذا البلد الصغير أدوارا هامة في أحداثها وخاصة في ليبيا وسوريا ومصر، وسخر ثقله المالي والعسكري والإعلامي لدعم الإخوان المسلمين.

ويبدو الموقف القطري من حركة التغيير الكبرى الدموية والعنيفة في العالم العربي منذ عام 2011، مثيرا للدهشة ومنقطعا عن أي سياق منطقي، وذلك لأن النظام القائم في هذه الجزيرة الغنية بالغاز لا تجمعه بحركة “الإخوان المسلمين” أي روابط أيديولوجية يمكن أن تبرر هذه الحماسة في الوقوف إلى صفهم ودعمهم في “معاركهم” في أكثر من بلد.

ويمكن توضيح غرابة الموقف القطري المساند للإخوان المسلمين من خلال النظر إلى تركيا، شريك الدوحة الأساسي في رعاية الإخوان ودعمهم في السراء والضراء.

ونجد هنا حالة مغايرة وذلك لأن أنقرة تنطلق في موقفها المساند للإخوان المسلمين من قاسم مشترك يجمع الطرفين هو الإسلام السياسي في صيغة شبه متطابقة، بالإضافة إلى أن وصول الإسلام السياسي للسلطة في البلدان العربية يخدم مصالح حزب “العدالة والتنمية” ويمنح تركيا نفوذا سياسيا واقتصاديا وعسكريا في المنطقة يجعلها في أقل تقدير على رأس ما يشبه امبراطورية عثمانية جديدة، وقد يغنيها ذلك نهائيا عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، فماذا ستجني قطر بالمقابل؟

حتى الآن لم تعط هذه المغامرة التي يمكن وصفها بالكبرى أي منافع محسوسة لقطر، بل وضعتها في حالة صدام مع أخواتها في الخليج وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية لفترة من الوقت، بل وتقف الدوحة حتى الآن في خندق مواجه للرياض وأبوظبي في أكثر من ساحة وخاصة في ليبيا ومصر.

والحقيقة أن الدوحة كانت تغرد خارج السرب منذ مدة، فقد احتفظت طيلة السنوات الماضية بعلاقات جيدة مع إيران على النقيض من أخواتها، وهي تجاوزت خطوطا حمراء أخرى في وقت مبكر عام 1996 بربط جسور تجارية مع إسرائيل تمثلت في افتتاح مكتب تجاري إسرائيلي في الدوحة.

هذا التوجه لم يدم طويلا حيث أغلقت الممثلية التجارية الإسرائيلية في الدوحة عام 2000، ولم تعد الأجواء صافية بين الجانبين بل أعدت تل أبيب عام 2011 حزمة إجراءات مضادة للدوحة بسبب “علاقاتها الوثيقة” مع حركة “حماس” في قطاع غزة، وهذا يعني أن قطر طوت عمليا صفحة العلاقات مع إسرائيل لصالح العلاقات مع الإسلام السياسي.

ويمكن القول إن حركة قطر في هذا الاتجاه توحي بأنها تحاول منذ مدة طويلة أن تفك ارتباطها بمحيطها الطبيعي وتستبدله بضفة أخرى تكون أكثر أمنا، وهي بذلك تتصرف كما لو أن تلاحمها مع دول الخليج خطر يهدد وجودها، على الرغم من عدم وجود قضايا خلافية شائكة مع دول الجوار باستثناء الخلاف الحدودي المزمن مع البحرين.

حاولت الدوحة على الرغم من صغرها جغرافيا وسكانيا أن تقوم بأدوار إقليمية ودولية كبيرة في عدة اتجاهات، ولعله من المناسب هنا ذكر جهودها لحل النزاع السوداني الداخلي في إقليم دارفور، بالإضافة إلى أن جهودها الدبلوماسية وتدخلاتها العسكرية والاقتصادية الكبيرة في بلدان الربيع العربي تعززت بقوة بفضل ذراع إعلامية ساهمت في إضفاء هالة واسعة من أضواء الشهرة على هذه الجزيرة الصغيرة وعلى سياساتها.

وأسهمت “معارك” وتغطيات هذا المنبر الإعلامي الضخم في ازدياد نفوذه وانتشاره (ونفوذ الدولة الراعية له بطبيعة الحال)، وبلغت مكانته أقصى مداياتها بتعرض مكتبه في العاصمة العراقية بغداد لقصف أمريكي أثناء الغزو عام 2003، بالإضافة إلى التصريحات الأمريكية المنزعجة من طريقة تغطيته للأحداث، إلا أن ذراع قطر الإعلامية هذه رست في السنوات الخمس الأخيرة على جانب واحد بعد أن تقلبت بين الطرحين القومي والإسلامي وأصبحت منبرا للإخوان المسلمين يدافع عنهم باستماتة ويهاجم أعداءهم بعنف.

وحتى الآن لم تتضح دوافع قطر لاختيار مثل هذا النهج، فيما يغمز خصومها من قناة الولايات المتحدة، ويشيرون إلى أن عزف قطر المنفرد على أوتار الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية القريبة منها ليس اختيارا منفردا، بل هو بإيعاز من واشنطن بهدف احتواء مثل هذه الحركات التي تصنف تقليديا بأنها معتدلة.

وبنهاية المطاف، يمكن القول إن قطر الآن تتخندق مع الإخوان في أكثر من بلد عربي مرت به رياح التغيير المدمرة، في حين تضع السعودية والإمارات ثقلها مع فصيل إسلامي آخر هو السلفيون.

وما يزيد من غموض دور قطر في هذه اللعبة الكبرى أن اندفاع الدوحة في هذا الطريق لم يتوقف، بل تواصل بزخم أكبر على الرغم من الضغوطات الكبيرة من قبل السعودية ودول الخليج الأخرى، ما يعني أن نهج الدوحة خيار استراتيجي لم يفقد قيمته حتى بعد حدوث تغيير في رأس السلطة في قطر عام 2013 بتنازل حمد بن خليفة آل ثاني عن الحكم لنجله تميم.

وحتى الآن دفعت الدوحة المليارات من أجل “التمكين” للإسلام السياسي متمثلا في الإخوان، في ليبيا وسوريا ومصر وتونس إلا أن جهود الدوحة لم تحقق النجاح المأمول، فهي تواجه مقاومة عنيفة في ليبيا، فيما باءت بالفشل في مصر بعد تنحية السيسي لمحمد مرسي عام 2013، وهي تنحسر في سوريا وتدور في حلقة مفرغة.

ومن جهة أخرى، تتعرض سياسات قطر وتدخلاتها لمعارضة شعبية عنيفة في تونس وليبيا ومصر ودول أخرى، ولا يبدو أن الدوحة جنت حتى الآن أي منافع ملموسة من انحيازها للإسلام السياسي عدا ربما شعور قادتها بالقوة والنفوذ، لكنها من المؤكد خسرت الكثير، والإعلان عن فشل هذا التوجه الذي اختارته أو اختير لها لم يحن بعد، وإن دلت الكثير من المؤشرات على أنه الاحتمال الأكثر ترجيحا في معظم الساحات.
[CENTER]

[/CENTER] محمد الطاهر – روسيا اليوم

تعليق واحد

  1. بل بالعكس، قطر ظلت تساند اين ما وجد وقد نجحت في قصيه دارفور وفيي كل اوجه المساعدات الانسانيه كافةً

  2. صراحه من زمااان كنت عايز افهم توجه قطر لدعم الاخوان في المنطقه.. اجتهدت براي بس ماقدرت القى اي شي يربط قطر بالاخوان خاصة وانه قطر دوله بعيده كل البعد عن طبيق الشريعه في الحكم.وهسي لما بديت اقرا المقال فرحت لانو خلاااص اخيييرا حفهم لعبة قطرززبس للاسف المقال ماوضح بالظبط شنو الفايده ولييه قطر بتدعم الاخوان!! رجاء ي استاذي الفاضل حاول انشر مقال شامل وواضح اقدر من خلاله افهم سياسة قطر الشيطانيه دي…

  3. يبدو انك اخي الاكريم بعيدا عن السياسية مالذي دعاك للكتابه بغير علم
    قطر اخي الكريم تدعم الاسلام والمسلمين اين ما كانموا وتدعم الانظم الديمقراطية مرسي واوردغان وحركات التحرر وتقف مع السودان في محاولات كثير لدعم السلام ياخ شوف ليك شغله غير السياسة

  4. من هو محمد الطاهر دا منو – وماذا يحلل؟
    نحنا عايشين في السودان وشايفين قطر بتسوي في شنو – وكفاية أنو المقال لم يذكر السودان ولو بكلمة – رغم وضوح يد وأفكار الإسلام السياسي السوداني في التأثير على الشيخ حمد حاكم قطر السابق ودعمهم له تخطيطاً وتدبيراً في ألإطاحة بوالده في إنقلابه عليه ومن ثم وكَرَدٍّ للجميل ساند الشيخ الإنقلابي مشاريع الإنقاذ السياسية ورفع أسهمها وتسويقها كمثال نموذجي لتشجيع الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين والإلامويين في دول الربيع العربي) على الإستيلاء على التمرد على انماط الحكم في بلادهم تحت رايات الإسلام السياسي.

    قطر دورها مدمر في منطقة الشرق الأوسط. وهي إسرائيل الجديدة في المنطقة واحدة على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط غينها على مصر والتانية على الساحل الغربي للخليج العربي أو الفارسي عينها على إيران. نفس خجم إسرائيل ونفس المقومات المادية والعسكرية/ الرقابية مع أكبر ترسانة سلاح أمريكي في المنطقة. هذا المقال مكتوب لتهدئة المشاهد الروسي. لاكين نحنا ما عندنا قنابير!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..