إليكم مع التحية

الساعة الواحدة بعد منتصف الليل
وأنا في مناوبة ليلية بالمستشفى
مناوبة بطعم الحنضل
بالجسم سهراجة … وفتور ووهن … ورأسي مُثخن بالقصص الكئيبات المحزنات … منظر دموع علي خد … وآخر به أعين فارغات يسكنهن فزع او يحاولن أن يبصرن في الظلام داخل تلك العتمة التي زادها غياب عقل … مخدرات … إنتحار … إحباط …. هيجان … عجوز عصاه الليل كله ويسك في الممرضين .. حكايا وقصص .. هزيان .. ضحكات بلا معنى .. وفتاة رقيقة كلامها ينقش في القلب ويهبشك ويرتد منك كوقع السهام .. تركها حبيب أرعن في منتصف الرحلة .. آثرت هي أن تدع له الفضاءات وتذهب عن عوالم كان هو كلها . توهج جهاز الاستدعاء بوميضه الذي أمقت وخاصة في هذا الوقت من الليل وقد فرغت (بطاريتي) تماما من الطاقة وعلاني همود عجيب ..
لكن .. لا مفر
أسرعت المسير للمكان الذي تم استدعائي إليه
عجوز في اخريات العمر … يشكو من شيء يتطلب نقله للطواريء لمزيد من الاهتمام والرعاية
إتصلت بالاستشاري النفسي الذي يشرف علي المناوبة فأتاني صوتها ناعماً لا أثر لنعاس به … ثم تحدثت مع من يشرف علي الطواريء ليلتها كاخصائي في هذا الشأن، كانت سيدة أخري تتحدث بسرعة وصرامة ومعرفة، طلبت مني أن أتصل بطاقم التمريض ليكونوا جاهزين لاستقبال المريض …هذا الطاقم مع الطبيب المتدرب كن مجموعة سيدات
وقفت مع الممرضة المسؤولة في ردهة القسم ننتظر عربة الاسعاف التي تصادف ان التي كانت تقودها إمرأة وبطاقم من سيدتين تعرفان مايجب عليهما فعله
سألتهن ونحن نجهز مريضنا للذهاب للمشفي الآخر فعلمت انهن أمهات ايضاً .. أمهات خرجن للعمل بعد ان آوي الصغار لمضاجعهم .. خرجن يحملن المريض بثقة واقتدار مع تمنياتهن لنا بليلة سعيدة ومناوبة موفقة .
هدوء غريب وسلام جميل سادني … احترام لنون النسوة هذه … النون الصلبة المقتدرة الواثقة المكافحة …النون المصرّة المعجونة بالتضحيات
غزالات العمل والبيت
محل مايختوهن يسدّن
الفاس البتكسر الراس وتهد معابد الخرف والتنميط والظلم الاجتماعي
في طريقي للبيت والصباح يتمطي ويتنفس برودة ورحمة … والكون يزيح عن وجهه نعاس الليل ويتهيأ ليوم جديد كنت ارتّب في عقلي ما يتوجب علي فعله من أعباء منزلية قبل الخلود الي النوم … تعالى حينها صوت مبارك حسن بركات برائعته :
أريدها براها
ويرتاح قلبي كل ما أطراها
ست البيت
هذا النوع من الغناء يفعل بي مفعول السحر، يسافر بي الي أزمان وأماكن طالما تعشّقتها … عوالم من التي يحن اليها قلبك فترسل روحك مرسال من الضياء فيأتيك منها بقبس يضيء حاضرك .. عالم ينفخ من روحه في مواتك ويتسلل اليك كما يتسلل نور الشمس للسنابل في الحقول فتذدهي وتنتشي .. هذه الاغنية تحديداً من أجمل الأغاني التي سمعتها وانا يافعة غضّة ولازال عبقها طرياً وطازجاً في ذاكرتي .. هذة الأغنية هي الحياة بكل جمالها وتناغمها والكيمياء التي بين البشر …. بين الرجل والمرأة … المخلوقين اللطيفين الرقيقين المهذبين اللذان يحترم كلاهما الآخر ويثمن يدوره في الحياة … الرجل الذي يشُر ثوب حبه وإحتضانه وكرمه علي شريكة حياته ليملأ دنياها حنان وعاطفة واحتواء .. ويستّف قلبها لحلقه ويعبّيه أمان وإطمئنان ورحمة .. برجولته … رجولة لها لا عليها رجولة تسندها وتدعمها
والأنثي الرقيقة الحلوة التي تملأ دنيا من تحب بتغريدها وبلمستها المختلفة …. الأنثي التي تحتفي بأنوثها كما يتوجب ذلك .. فيأتيها فارسها ليلاً كما تأتي الأحلام ورديات مهفهفات مغردات في المساءات الشوامخ والليالي الزبرجد ليقبل يداً أعدّت وابدعت وحاكت ونمّقت … يسمعها طلي حديثه … وتنكسر كل قوته وصلابته وجبروته أمام طرفها المكحول وعطرها الباذج … فيصير طفلها الذي تُدلل وتحنو وتخاف عليه من الهوا الطاير (وأحنّ من جنايا علي )
طول عمري اؤمن بالإختلاف بين الرجل والمرأة وضد المساواة وضد تشنجات الجندر والمعارك التي بلا طائل، اؤمن بالاختلاف الذي لايعطي للرجل حق التميز ولا ينقص من اجور النساء شيئا … الاختلاف الذي يشبه الفرق بين البحر والاشجار بين الماء والذهب بين العطر والصخور ….كل خلق لما هو ميسر له … كل خلق ليؤدي دوراً لايحسنه الاخر ….كل يسد فرقة لايملك الاخر سدّها … بذات الأهمية والعظمة…. تناغم يزيد النغم حلاوة .. تناغم يفضي الي تجانس ويجعل هذه الحياة التي هي اشبه بالبليلة أم حجار شيء مستساغ ومُستطعم وهيّن .. أحب الرجل الذي يبدو فعلا رجلاً اذا تكلم … واضحاً اذا اتفق … مؤدباً اذا اختلف … الرجولة المدعومة بمواقف .. المسنودة بالاخلاق والنبل …. وأعشق النساء السيدات وهن فراشات ملونات … جميلات …ناعمات …لبقات …حذقات فنانات بكل ماتحمل هذة الكلمة من معان …. رقيقات إن اختلفن او اتفقن … واعيات مدركات مثقفات .. رفيقات إذا تحدثن
تداخل الأدوار وإستيلاء بعضنا علي دور الآخر …. معاركنا المستمرة لإثبات من هو الأحسن والأجدر والأنفع والذي يضبح الكديسة للآخر هو الذي يشكّل معظم خلافاتنا إن لم يكن أس خلافنا نفسه
كثير منا يضرب المثل بحياة (اجدادنا القدماء ) بإعتبار انها كانت مثالية وخالية من المشاكل .. بالنسبة لي انا لا اعتقد ذلك لأن بها من الهنّات مابها ولم تكن مثالية للدرجة التي يراها الناس الان ويتحسرون عليها ..بها شيء من التهميش والتغول في حق النساء .. مااجمل بقاءك في الزواج عن قوة ومعرفة وخيار وايمان .. لا عن املاء وعدم حيلة وقلة (مروءة ) .. انا من عشاق هذة المرحلة … من عشاق الحياة التي تُبني علي كتفي رجل وإمراة علي حد سواء بذات التقدير والحب والتكامل والعطاء … ليتنا نعود ويخلع كل منّا ثوباً لبسه من غير لزوم وماقدرو .. ننزع من راسنا ان نبني رصيدنا من الاهمية وتقدير الذات علي حساب الآخر الذي يفترض أن يكون أقرب من إرتداد الطرف لك … الآخر الذي هو مرآتك واحرص الناس عليك … الآخر الذي كلما سقيته من ماء عينيك اعطاك اكثر ووثق بك اكثر … تفاني اكثر ….نضح حناً وحباً وعشقاً … وأعطاك نبض شرايينه واسكنك ننّي عينيه ومابخل وضوّى ليلك ودفّى بردك
كثير من المشاكل وسوء الفهم بين الشركاء في اختلاف عمر هذة الشراكة تأتي من نظرتهم لبعضهم البعض من الذي يقود …. من الكلمته مسموعة ومن الذي يقرر …. لدرجة أن بعضهم يسعي دوما لإختيار شريك ضعيف بلا لون ولا طعم ولا رايحة ليثبت لنفسه أنه قادر وقوي ومتمكن ناسياً او متناسياً أن هذا الزواج هو شركة لايحبذ فيها الشريك المتهالك الاضينة الذي يعدو خلفك بلا راي وبلا عرفه …. هذا الزواج يتطلب شريك متوازن نفسياً واجتماعياً قوياً وذو بأس يسندك ويذود عنك ويقيك نوايب الدهر وتنكيل الحياة … يرعي صغارك ويسقيهم كل شيء جميل دماً وحليباً وحناً صافياً .. شريك يخرج لك من بين فرث الحياة ودمها شراب يسقيك اياه كما الكوثر … شيء اشبه بإكسير الحياة …وخاصة مع انقلاب كل شيء حولنا وعدم وجود الدعم الكافي ممن يحيطون بنا في حالة حدوث موت او مرض او عرض …. كل هذا وكلانا يرتدي الثوب الذي يشبه طبيعته … ويناسب امكانيته
كل عيد مرأة ونحن بخير
وكل عيد أم ونحن بخير
وكل عيد للإنسانية ونحن بخير
تماضر الحسن
طبيبة نفسانية – بريطانيا
[email][email protected][/email]
الاخت الدكتورة/ تماضر
اولا : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثانيا.. ( ماتطولو الغيبة ) مقطع من اغنية, لم اعد اتذكر بقية كلماتها.
فكلماتك اصبحت لنا مثل؛ شاي الصباح. فانا ليس من محبي القهوة.
وكما قلتي كل عيد إمرأة؛ وأم ,, وأنتي بخير..
وكذلك لنا ولزوجاتنا وامهاتنا واخواتنا.( رحم الله والديّ واسكنهم فسيح جناته؛ وموتانا وموتى المسلمين جميعا ) اللهم آمين.
اما حديثك اليوم فهو جميل ذو معاني. فعلا كل جيل يحدث الجيل الذي يليه. بأن ايامكم ليس بمثل ايامنا. متناسين بذلك, ان لكل جيل مقدراته و أوانه الذي وجب عليه عيشه كما هو,
اما قصة ( ضبح الكديسة ) من الليلة الاولى للزوجة.. فهذه عالم آخر, فهي من الوصايا التي يتداولها الشباب ,, كل متزوج يخبر بها من هو مقبل على الزواج.
وبالعامية ( اسمع يازول.. ماتخليك اضينة,, المره ماتخليها, تفرض رايه عليك )
فهو كلام بصراحة ( عبثي ) لامجال له من الصحة.
فكل شخص يختلف عن الآخر وكل له طبائعة? وصفاته? وطريقة تربيته ونشأته, من والديه. والاسرة الصغيرة التي تحيط به. حتى مجتمعة الصغير من اهله وجيرانه.
اما ان تعامل المرأة بانها اقل منك كفاءة وقلة في العقل, وما الى ذلك من تفكير.
فهذا عن نفسي شخصيا.. لا اؤمن به. فالحياة نصفين. رجل و أنثى. ولا يستطيع احدهما الاستغناء عن الآخر,او سد مكانته.
فعادة ما اقول لاصدقائي المقربين. والله انني في بعض الاحيان اشفق على هذا الكائن اللطيف الجميل المسمى بالمرأة. ولو اوكل لاحدنا مهامهن. لفشلنا فشل مابعده فشل.
فقط.. فليقم احدكم بالسهر مع الطفل الرضيع.. لبكائة من معضلة المت به حتى الصبح.. هل تستطيعون؟؟. وهذا شئ من أشياء عظيمة اخرى.
بينما هي تستطيع, بل وبالعكس. بكل ود ومحبة وحنان.. وتتمنى ان يتعافى صغيرها حتى ولو مرضت هي. ( قمة في التفاني ) وهذه فطرة الله التي فطرها عليها.(فكل خلق لما هو ميسر له ). ولا أؤمن اطلاقا باولئك الرجال. الذي يستقون على المرأة بالضرب. او التقليل من شأنها. ف بالتفاهم والود والاحترام, تحل جميع القضايا التي تتعلق بين ( الجندرين المختلفين ).
فالانثى بنظري ( وردة .. كل ما اهتممت بها وسقيتها ودا واحتراما وحبا. كل ما وهبتك من عبقها وعبيرها وشذاها..
وكل عام وانتي وجميع النساء بخير..
ومرة اخرى كذلك ( ماتطولو الغيبة )
تحياتي؛؛؛
ملحوظة:-
اذا كان ندائي لك بالاخت لايرضيك. فساكتفي بلقب الدكتورة تماضر.
كعادتك …جوهرة سطعت في الراكوبة
رائعةدائما يا دكتورة..بديك الف عافية على اتحاف القراء بالكﻻم الجميل…كل عام وانت بخير وكذلك اﻻسرة الكريمة…والسﻻم…
التحية لك ايتها الطبيبة تماضر الحسن ولكل نساء العالم في عيدهن السنوي .. والتحية لك مثنى وثلاث ورباع على هذا السرد الجميل ..وانا اقرأ في بداية المقال ظننت ان الكاتبة تكتب بفكرة مستقبلية في السودان عن طاقم عمل كله من النساء , بدءا من الادارة الطبية وحتى سائقة الاسعاف وقلت في نفسي ان حدوث هذا الامر وبنفس واقع سرد الكاتبة من تفاهم وانسجام وتنسيق اداري واهتمام بالمريض يحتاج الى سنيين كثيرة كي يحدث في السودان .. ولكن عندما ختمت المقال الجميل وقرأت ان الكاتبة تعمل في طبيبة في بريطانيا ادركت ان هذا الشي واقعي ولكن في بلد غير السودان فضحكت كثيرا ..ارجو ان ياتي يوم تكون فيه مستشفياتنا اماكن نظيفة يجد فيها المريض الرعاية والاحترام ويجد الطبيب التقدير والشكر . التحية لكل امراة تكسر راس الجهل والتخلف .
الطب سرق أديبة رائعة !!!!
اختلف معك يا محمد .. الطب وطد العلاقة بين الانسانية والادب . التحية لك دكتورة تماضر على هذا السرد الجميل والتعامل مع اللغة فصيحها وعاميها بهذه التصالح وهذه البساطة انت تجملين ظلال راكوبتنا بالوان غابت عن انظارنا ردحا من الزمن وتسبق لغتك الحنونة كل جميل اختزناه في ذواكرنا المهاجرة في كتاباتك اشتاق ليحضنني شاطئ عند اسفل قريتي المطلة على النهر العجوز فاشتم طين الجرف وتبتل قدماي بندى السرابات البارد.. ارجوك اكتبي لنا كل صباح فكتاباتك هي بلسم جراح الغربة التي تلفنا لاجل لا ندري امده .
وين انت يا زولة يا رايعه….تحيات واوشاق لكتابتك وبصراحة لي شوفت صورتك بتذكر الزول بكم من نساء بلدي الرائعات الحنينات المتعلمات المثقفات يالله كم اشتاق الي ونستهن .
كل عام وانت بخير…