ضقنا الحنضل اليانكي

تقود حكومة السودان حملة شعبية لإسقاط العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، إلا أن أداء الحملة ضعيف مثل أداء الحكومة الدبلوماسي الرسمي، ورشحت الأنباء عن تراجع التوقيعات التي تجمعها الحملة الشعبية لعرض قضية الحصار على الحكومة الأمريكية. ومنذ أن ضربت الولايات المتحدة الطوق على السودان عام 1997 لم تستطع حكومة السودان الإفلات حتى في عهد الإفراج العام “كوبا وايران”. حكومة السودان قدمت عددا من التنازلات الكبيرة في ملفات المتعددة، وبدت عقلانية وهي تتخفف من شعاراتها الإسلامية الزاعقة، وتوقفت عن التدخل في دول الجوار بعد أن انطوى عهد الأحلام الوردية والتي سولت لأصحاب المشروع الحضاري تصور السودان منصة لإطلاق رؤية إسلامية مختلفة تستطيع أن تحكم من خلالها دول الجوار، الأمر الذي لم يحدث. خسرت الحكومة الكثير وتعلمت بثمن غال، واضطرت في خاتمة المطاف أن تساير الولايات المتحدة في مشاريع كان يمكن أن تحشد لها الرأي العام السوداني بسهولة. حكومة الخرطوم تعرف أكثر من غيرها أن الرأي العام الشمالي ضد مسألة انقسام الوطن، وأن تقسيم السودان مشروع أمريكي، تبلور في معاهد أمريكا التي قدمته في طرح دولة واحدة بنظامين، الحكومة تطابقت وجهة نظرها مع الرؤية الأمريكية فهرولت بحماس منقطع النظير إلى تنفيذها وقد خيل لها أن فصل جنوب السودان سيوقف نزيف الدم السوداني ويجعل الشمال أطوع في يدها وأكثر تطابقا مع مشروعها الإسلاموي، كما أن فصل الجنوب يتطابق مع الرؤية الأمريكية وبالتالي تستطيع المساومة على بعض الأوراق مثل رفع الحصار، ودعم مشروعات البنية التحتية في الشمال كما وعد المانحون الذين لم يستدل أحد على عنوانهم بعد فصل الجنوب. وفي سبيل تنفيذ هذه الأجندات أطلقت الحكومة العنان لعنصريين متطرفين، كونوا أحزابا، ونشروا الصحف يبشرون بفصل بلادهم تحت شعار أن ما يقال “وجهة نظر”.ولو كون أحد الأمريكان حزبا ينادي بفصل جنوب الولايات المتحدة عن شمالها ـ وللشمال والجنوب في الولايات المتحدة قصة شبيهة بقصتنا، حرب أهلية وتجاذب وتشابك حول قضايا متعددة ـ لكن لو أطلق أمريكاني صحيفة وقال إن الجنوبيين يجب أن يذهبوا لتم اقتياده إلى ساحات المحاكم بتهمة تهديد الاتحاد والأمن القومي الأمريكي. الحكومة تريد أن تجذب الشعب إلى معركتها تحت شعار أنها معركته، ولكن الشعب ذكي ومدرك، لذلك لم تفلح كل الدعوات في تحريكه قيد أنملة. ليس هنالك خلاف حول أن الحصار يرهق المواطنين السودانيين أكثر من الحكومة، ولكن الحكومة تقفز ببهلوانية عجيبة لمطالب تخدمها هي في التضييق أكثر على الشعب، وإذا أرادت الحكومة فك الحصار عنها فعليها أن توحد جهودها أكثر مع الشعب عبر طرح ملفات تهم الشعب بصورة أكبر حتى تكون مدخلا لرفع الحصار. يمكن لحكومة السودان أن تبدأ بملف التعليم الذي وصل مراحل متأخرة جدا في كافة مناحيه ولاسيما الجامعات السودانية التي أصبحت غير موجودة إلا في تصنيفنا العاطفي والنفسي. أوقفت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا المنح والمساعدات الأكاديمية التي كانت تبذلها للجامعات السودانية فتسبب ذلك مع جملة عوامل أخرى في تراجع مستواها فهجرها أبناء النخبة بتوصية من آبائهم الذين يتحكمون في البلاد إلى جامعات أرفع في أوروبا، والولايات المتحدة، وماليزيا، وتركوا الجامعات السودانية مهيضة الجناح لأبناء الشعب. يوم أن زارنا القائم بالأعمال الأمريكي في صحيفة القرار” الموءودة” والتي مثلت تجربة شبابية رائدة ومختلفة، قلت له إن أبناء السودان ينتظرون منكم مبادرات كثيرة مثل مراكز اللغة الإنجليزية والحاسوب وبناء شراكات صغيرة، وأضفت أن الكتب التي تحض على كراهية أمريكا تملأ الطرقات دون أن يكون هنالك مركز يحمل اسما أمريكيا يدعو للسلام والمحبة. وضربت له مثلا بمشروع بناء قدرات الصحفيين السودانيين الذي تقدمه حكومة بريطانيا رغم فقرها مقارنة بالولايات المتحدة والذي يصب في صالح تطوير الصحافة التي تعتبر أحد أعمدة الديمقراطية. المشروع البريطاني يستفيد منه العاملون بالصحافة، و100% منهم من أبناء الشعب الذين لم تتح فرصة التدريب في مؤسسات رفيعة المستوى لأسباب تتعلق بعدم وجود هذه المؤسسات في البلاد، وعدم قدرتهم على ملاحقتها في الخارج لأسباب مالية. أيضا توقفت منحة فلوابرايت التي تتيح لطلاب الدراسات العليا الالتحاق بالمؤسسات التعليمية الأمريكية، وكانت المنحة من النفاجات النادرة التي تتيح لأبناء الشعب فرص الوصول إلى المعاهد الأمريكية التي لم تحتجب عن أبناء النخبة الحاكمة بطبيعة الحال، لأن عددا كبيرا من أبناء المسؤولين الحكوميين ولدوا أثناء حكم آبائهم، ودرسوا حتى أكملوا المرحلة الجامعية في الولايات المتحدة وعادوا ليجد آباءهم على سدة الحكم فأصبح الابن مؤهلا في الشراكة عبر الشبكات المرتبطة بالحكومة في الأعمال التجارية والعطاءات. وتحالفت السلطة والمعرفة بالسيطرة على المال. فلتبتدر الحكومة حملتها لرفع الحصار عبر ملف التعليم أولا ولتر نتيجة ذلك في المستفيدين من رفع الحصار.
[email][email protected][/email]