جناية الشعر الحر على القصيدة العربية

لعل الكثير من الشعر الحُر الذي طغى على الشعور، وبغى على الفطرة، غاية في الغثاثة والهزال، فجله سقيم المعاني، رث الألفاظ، كثير التكلف، يحتاج قارئه لبوارق من الضياء حتى تبدد تلك العتمة التي نجمت عن كثافة الغموض الذي يعج به القصيد الذي لا يقوم على فكرة جامعة، أو معنى متحد، ولتنكب الناظم عن نضارة اللفظ، وإشراق المعنى، ووضوح الفكرة.
والقصيدة العربية التي عنت لجلالها الوجوه، وخشعت لسلطانها الأفئدة تراجعت أمام ذلك الطوفان الذي لا يُبقي ولا يذر، الأمر الذي جعل بعض أصحاب العقل الراجح، والفكر القادح يمتشق قلمه الصارم ليحطم حدة الجموح، ويكف من سورة الطموح، ويردع من لجوا في غوايتهم، وأوغلوا في عمايتهم، تلك الفئة صاحبة الفكر المغترب، والمنطق المضطرب، التي ترسف في عبودية عقلية أذلت ناصية الشعر العمودي، وامتهنت كرامته، واستباحت اللغة العربية التي انطوت على نفسها تمضغ حسرتها بالصبر، وتخدر لوعتها باجترار الماضي.
إن الشعر العمودي الذي يحلق فى الآفاق العالية، ويتغلغل في الأغوار العميقة، التأم به شمل العروبة، وانتظم به عقد المجتمع، فلقد حفظ لنا هو والكتابُ المحكمُ السبك، الدرَّ المكنون من الألفاظ، والغيث العميم من المعاني والأخيلة، فليس بدعاً أن تتزاحم حول مورده العذب المهج الصدئة، والجوانح التي ألهبها السعار والظمأ.. كما ليس غريباً أن يتكالب لطمر عينه التي لا ينضب معينها من لم يلقِ بعد عن كاهله آصار الجاهلية، أو يحطّ عن ظهره أوزار الوثنية، فالسواد الأعظم من رواد هذا الضرب من الشعر السخيف النظم «عُرِفوا بعدم التزامهم بالإسلام، أو بمحاربته سراً أو جهاراً، ومنهم من كفر بالله وأعلن كفره في شعره الحر صريحاً واضحاً.
والدكتور عدنان علي رضا النحوي المتبحر في ضروب الإنشاء، والملم بخبايا الأدب، سبر غور الشعر الحُر، وتقصّى أطرافه، وكفانا مؤونة البحث في تقصي هذه الظاهرة التي لا تمت للشعر الفصيح بصلة، أو تعود إليه بسبب، أخبرنا الدكتور في مقاله غير الموشى بخيوط السخيمة أن الشعر الحُر الذي لا يملأ شعاب القلب بالإعجاب “لا ينهض إلى مستوى فنّي يكفل له النجاح، ولا يقدم زاداً كريماً للأمة في واقعها اليوم، وما حسن منه، وهو القليل القليل، نضعه مع النثر
بعيداً عن الشعر، إذ لا نسب بينهما ولا رحم”.
ولعل هذا القول الذي تحمر له الأحداق، وتنتفخ منه الأشداق، هو الحق الأبلج الذي قُدِّم بصادع البرهان فتلك الترهات والهلاهيل من الكلمات شطّت عن الشعر، وانحرفت عن الأدب أشد الانحراف، فلا يمكننا أن ننعت تلك الفقرات المتهالكة، والتعبيرات الممجوجة، والتراكيب المبتذلة، واللغة السقيمة، إلى الشعر العربي الذي أقذينا أعيننا تحت أضواء المصابيح في دراسته وتحصيله، إنه في واقع الأمر طلاسم من ضعاف الملكة، وقاصري الأداة ابتدعوها بعد أن أعيتهم القصيدة العربية التي لا تتأتى إلا لصاحب الساعد المجدول، والعضد المفتول في اللغة والأدب، وبعد أن مرغوا جباههم في معابد الشعر الغربي التي لا ترفع ولا تضع، فالشعر الحُر الذي يتولى كبره بغاث يسبحون مع تيار الحداثة لا أصل له ولا منبت عند العرب، وسيظل غريباً عنهم رغم تهافت الكثير من الصحف والمجلات لإعلاء كعبه، وإظهار محاسنه إذا كانت له محاسن!.
إن القصيدة العربية التي ضامها المستبد، وسامها الدخيل، لن تخلع في يوم من الأيام على رواد هذا الضرب من الشعر أوسمة التبجيل، أو نياشين الاحتفاء، لأن دواوينهم المتداعية التى فاقت الحصى والرمل، لم تنشأ من قواها، أو تقم على مزاياها، بل هي نصوص صحيحة الثبوت، صريحة الدلالة، توضح حدة الاستلاب الغربي الذي ترزح تحت نيره هذه الأمة، فقد استفحل هذا الداء وأعضل حتى أضحينا نستسقي أدبنا الذي نطرب له، ونفزع إليه من الغرب البغيض الذي ساء خلقه، وبذؤ لسانه.
فمصطلح “الشعر الحر” free verse ابتكره كوستاف كان “Gustave Kahn” وفي هذا الصدد يخبرنا «جودي روس» في كتاب “الحداثة” لمالكوم برادبري وآخرين عن نشوء الشعر الحر التي لعبت الحركة المستقبلية الإيطالية دوراً مهماً في بزوغه وتطوره، فيقول عنها: “نجد هنا دعوة إلى كتابة شعر نابع من الحدس Intuition، دعوة إلى كره المكتبات والمتاحف، إلى التبرؤ من العقل، إلى إعادة تأكيد أهمية الحدس المقدس الذي جُبلتْ عليه الأجناس اللاتينية. كان على شعرهم أن يعتمد القياس”Analogy” بدل المنطق، وكان عليهم أن يهجروا النحو، وأن يستعملوا الأسماء استعمالاً اعتباطياً”.
ونجد أن رواد الحداثة الذين تفاقم شرهم، واستطار أذاهم عكفوا على حواف هذا المسخ المشوه من الشعر الغربي الذي لا تجمعنا به آصرة ولا واشجة، ثم شبوا في كنفه، وتحركوا في إطاره، ودعوا الناس بكل وقاحة أن يقبلوا عليه، ويقبِّلُوا يديه، ويهجروا ذلك الشعر الذي راضه البهاليل السادة، وصاغه الحماة الزادة، وحاكه الكرام القادة، نعم؛ لقد نقلت لنا تلك الطائفة دون أن يرتد لها طرف هذا الوباء الكاسح الذي اجتاح مضارب العرب، زاعمه أن الشعر العمودي قد همدت حياته، وخمد عرقه النابض، لا والذي رفع السماء بلا عمد! إن الشعر العربي لم يسكن حسيسه بعد، ولم ينطفئ مصباحه الذي يلهم الخير والجمال، بل ما زال مده الهادر في سمته الرزين، وصوره الخلابة التي تضفي على الوجود وضاءة الحسن، وعلى الحياة رونق السعادة، يغذي الروح، ويحصن الوجدان من العلل التي تعتريه جراء غصص الحياة، ومنغصات العيش.
وما زالت الجياد المطهمة العتاق «أبياته السامقة» لها من التبجيل والقداسة ما يجعل تلك الفئة التي طمح بها رجاؤها إلى الغاية التي لا يخضر فيها مرعى، ولا يورق فيها غصن تضطرب سبالتها، ويرغم أنفها.
إنّ الشيء الذي لا يخالجني فيه شك أن ما يسمى بالشعر الحُر الذي يعتقد البعض أنه وليد الرقي والتطور الذي شمل جميع ضروب الحياة، وهو اعتقاد لا أساس له من الصحة، سوف يذبل ويضؤل محياه يوماً ما لا محالة لأنه «غريب عن اللغة العربية، غريب عن دار الإسلام، وسيظل الشعر العربي شريفاً بأوزانه وقوافيه، “وسيزورّ الناس عن «أدونيس» الذي زعم انتهاء عهد الكلمة الغاية، فالكلمات أفرغت من معانيها الموضوعة مسبقاً في المعاجم أو على الألسنة بعد أن استقر في خلده أن الشعر الحر ثورة مستمرة على اللغة، وأنه يرفع الإنسان إلى ما فوق الإنسان، وإننا به نتخطى الزمن وقيوده.”
ولكن دعونا نسأل في براءة قبل أن نصل إلى خاتمة هذا المقال عن عبد الله بن لحَيٍّ (الشِّعرِ) الذي لا يلحق به نظير، أو يوجد له مماثل في الجناية على هذه الأمة، ذلك الرجل الذي شغفته تماثيل الغرب العجفاء، وترانيم شعره الشوهاء، فنقلها دون أن يشغل ذهنه، أو يُعمل فكره الذي كان قمينًا بأن يعصمه من الزلل في مردود ذلك النقل، ذكر لنا الدكتور عدنان النحوي أن تلك الهيعة المنكرة تنسب إلى أربعة من أساطين الشعر الحُر دون الجزم بمن كان له قصب السبق في ذلك.
ولكن الشيء الذي أكاد أجزم به أن أحد هؤلاء الأربعة الذي قارف كل محرم في اللغة والأدب قد فتح باباً دخل منه الشر المستطير، قبل أن ينكص جلهم عن رأيه، ويعلنوا توبتهم، ويذيعوا حوبتهم، التي نتضرع إلى الله أن تقبلها أداة بياننا، ومقوم وحدتنا، وأن تتغاضى عن هنات بنيها الذين علقتهم أوهاق المنية، ودُكّ عليهم التراب.
هؤلاء الأربعة هم: نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وعلي أحمد باكثير! هؤلاء هم من مضوا بقافلة الشعر الحر في صحراء العرب بعد أن رسخ في دواخلهم أن عوامل الزوي والبلى قد نالت من الشعر العمودي، وأن الأوان قد حان لبزوغ فجر جديد من الأدب والشعر، يؤكد ذلك قول نازك الملائكة التي كتبت رسالة إلى الدكتور محمد مصطفى هدارةمؤرخة بتاريخ 18/2/1950م تقول فيها: “إني أتمنى لو تعاون الشعراء الشباب المثقفون في البلاد العربية جميعاً على دك جدران هذه القلعة العتيقة، قلعة القافية، فلن يكون لها أثر سوى مد عصر الظلام عاماً أو عامين أو قل عشرين على الأكثر”، قبل أن تبدل رأيها الذي أفصحت عنه في كتابها “قضايا الشعر المعاصر”، إذ ذهبت إلى أن القافية ركن مهم في موسيقا الشعر الحر، لأنها تحدث رنيناً، وتثير في النفس أصداء، وهي فوق ذلك فاصلة قوية واضحة بين الشطر والشطر، كما قالت في موضوع آخر: «ينبغي أن لا يطغى الشعر الحر على شعرنا المعاصر كل الطغيان، لأن أوزانه لا تصلح للموضوعات كلها بسبب القيود التي تفرضها عليه وحدة التفعيلة، وانعدام الوقفات، وانعدام قابلية التدفق الموسيقية”.
وأقوى الآراء والدلائل تشير إلى علي أحمد باكثير الذي تسلل الشعر الحُر إلى واقعنا عن طريقه، والذي تخلى بعد ذلك عن الشعر الحر كما تخلت عنه نازك الملائكة، “فعبد الله الطنطاوي يؤكد نسبة بدايته إلى باكثير في مقالة له نشرتها مجلة الآداب البيروتية سنة 1969، وكذلك أحمد فضل شبلول في مقالته عن علي أحمد باكثير في مجلة الفيصل العدد 220-شوال 1415هـ- آذار/مارس
1995م.
ويروي أحمد شبلول قصة تلك البداية “بأنها كانت تحدياً من باكثير لأستاذه الإنجليزي الذي كان يدرسه اللغة الإنجليزية، والذي عزا البراعة في الشعر الحر ونموه للإنجليز، وأن نموه كان محدوداً عند الفرنسيين، وأن اللغة العربية لا يمكن أن ينجح فيها هذا اللون من الشعر. فغضب لذلك باكثير وناقش أستاذه، وقال بأنه لم يظهر الشعر الحر في اللغة العربية، ولكن لا يوجد ما يمنع وجوده، فنهره أستاذه، كما يروي شبلول، متحدياً.
فاختار باكثير من مسرحية “روميو وجوليت” مشهداً عالجه بالشعر المرسل، ثم ترجم المسرحية كلها، ثم صدرت بعد ذلك بعشر سنين سنة 1947م.
إنّ أغلب الشعر الحُر ملتوٍ وغامض وغارق في لجج المبهمات، لأنه ليس ربيب تطور في اللغة التي تعاورتها الألسن بانبهار، وتداولتها القرائح بافتخار، وسعت جحافل البشرية لمطالعة كتابها الذي ترابطت أجزاؤه، وتلاحمت صوره، والذي جاء عرضه الشائق، وبيانه الرائع باللفظ المعجز الذي وُشِّح بالجزالة، وسُدِّد بالأصالة، وبالمعاني الدمثة التي تنزهت عن شوائب اللبس، وخلصت من أكدار الشبهات، وإنما كان ثمرة ردود فعل نفسية عند بعض الأفراد، في مرحلة ساد فيها القنوط من كثرة الجنود الذين يصولون في بلادهم، ولا تربطهم بهم صلات قربى أو علائق صداقة، تلك المرحلة التي لم تكن فيها ديار العرب آمنة من كل سوء، أو متحصنة من كل فتنة، وبعد أن انجلى الكرب، وغادر الغاشم، تلقف ذلك السم الزعاف الذي أوهى به الغرب بنية الشعر العمودي التي تخونتها العلل، وتداعت إليها الأسقام، رجال تربطهم علائق ود شفيف باليسار، ويدعون بكل صراحة إلى الخنا والشنار، دون أن يصيبهم ضيم أو أذى، أو تلحق بمذهبهم الذي لا يجوِّد المعاني، أو يروِّض القوافي؛ فاجعة أو مكروه.
د. الطيب النقر
يا كوز يا منافق لماذا كتبت إذن مؤاذراً ومشيداً بمصطفي سند شاعرنا السوداني المنسوب لمدرسة الغابة والصحراء؟
ده مش برضو شعر حديث لم يلتزم القافية البدوية؟
معرص عرص منافق.
المجاعة تلوح في افق سماء السودان وانت تكتب عن الشعر واللغة العربية؟!!!
الحبوب، الدكتور الطيب النقر.
تحية طيبة ورمضان كريم.
لست من أهل الشعر والادب، ولكن رأيت أن أذكرك بمناسبة “يوم الشعر العالمي”، الذي يصادف يوم ٢١/ مارس في كل عام، وهذا العام ٢٠٢٤ يصادف الخميس، يصادف أيضا يوم عيد الأم.
جاء في موقع ويكيبيديا -الموسوعة الحرة-
يحتفل باليوم العالمي للشعر في 21 آذار (مارس) من كل عام. وقد أعلنته منظمة اليونسكو عام 1999. والهدف من هذا اليوم هو تعزيز القراءة والكتابة ونشر وتدريس الشعر في جميع أنحاء العالم. في دورة اليونسكو التي أعلن فيها عن هذا اليوم، صُرّح بأن الهدف هو «تجديد الاعتراف وإعطاء زخم للحركات الشعرية الوطنية والإقليمية والدولية». يحتفى بهذا اليوم عموماً في شهر تشرين الأول (أكتوبر)، أحياناً في اليوم الخامس منه، لكن في نهايات القرن العشرين، احتفل العالم به في 15 تشرين الأول (أكتوبر) وهذا اليوم يصادف ذكرى ميلاد ورغيليوس الملحمي الروماني والحائز جائزة أوغستان للأدب. وعليه فقد حافظت العديد من الدول على هذا التقليد بالاحتفال باليوم الوطني للشعر أو اليوم العالمي للشعر في تشرين الأول.- انتهي-
اتمنى ان نرى شيء من انتاجك يا دكتور في صحيفة “الراكوبة” يوم الخميس ٢١/ مارس.
انتاج شنو يالحبوب.
ده كوز ما عنده احساس ولا ضمير عشان يكونيكون عنده انتاج شعري٦
أستاذنا المبجل بكري الصائغ
حفظكم الله سيدي وكل عام وأنت بألف خير وتصوم وتفطر على خير يا رب
أساتذتي في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا بروفيسور نصرالدين إبراهيم، ودكتور عوض الله الداروتي، ودكتور أسامه السيد، اطلعوا على بعض ما كنت أكتبه في تلك الأيام التي خلت فيها حياتي من هذا التعقيد البغيض.. تلك الأيام التي لم نكن نبغض فيها هذه الحياة، أو نشكك في قيمتها، أو نجحد فضل هذه القيمة ونرتاب في جدواها، الحياة كما نعلم هبة ربانية الأجدى أن ننفقها في التودد إلى الله والتقرب إليه، لا أن نبددها في صراع وضغائن وجدل عنيف لا ينتهي..هذا هو طابع حياتنا الآن أستاذنا بكري..نحن في حاجة لأن تتغير حياتنا هذه تغيرا جوهريا، نحتاج أن يكون الود متصلا بيننا وبين بعضنا البعض، نحتاج أن ندمغ حياتنا بالكثير من مظاهر العطف والآخاء، نظرة خاطفة لو تكرمت بها أستاذنا الصائغ للتعليقات تنبئك بما وصلنا إليه من ضيق وانكار.
وحتى أنتشل نفسي من لجة هذه الخواطر التي تعن لي، كلما نظرت لهذه الألسنة التي لا تكتفي بالتعريض أو التلميح بما أكتبه أو حتى تهون بما أدونه أشد التهوين وأعنفه، كلا هم لا يحاورونك أو يجادلونك فيما تكتبه في السياسة أو الفلسفة أو الأدب أو الاجتماع، ولكنهم يمنحوك هذه المحنة التي تعجز النفس عن احتمالها، واللسان عن وصفها، وسباب قراء الراكوبة ليس عابرا ولا سطحيا، هذا الثلب وهذه الشتائم عبارة عن أهوالا ثقالا نتحملها نحن جموع الكتاب في صبر وطول بال، لأن أهدافنا من كتابة هذه المقالات على قصورها وتداعيها هو ما يجعلنا نصمد أمام هذه المحنة، فأهدافنا أرفع منزلة وأسمى مكانة، وأعظم ثروة، وأوسع جاها، من أن نتخذ مقالاتنا أداة ناجعة للذود عن شخوصنا.
وحتى لا أطيل أقول أستاذنا الصائغ، لقد أخبرني هذا النفر من العلماء بأن لدي مشكلة مع الوزن ونصحوني بأن أعمد إلى الشعر الحر أو الشعر الغنائي، أو حتى أعكف على كتابة القصص التي رأى البعض منهم أن لي براعة متواضعة في التصوير وقدرة متهافتة على الابتكار، ومهارة ضئيلة في ابتداع المأساة. لكل هذا تركت كتابة الشعر بعد أن أعيتني موازين الخليل.
كل الاحترام والتقدير أستاذنا بكري ومتعك الله بالصحة والعافية وراحة البال.
الطيب
واهم ومريض بالعظمة وكوز لا أحاسيس له.
بينك ويين الشعر بون شاسع.
الشعر ليس اوزاناً أو قافية إنما هو اخيلة مصورة مصاغة في كلمات.
ما تكتبه هو منظومات وليس شعراً.
شتارتك واضحة حتى في النظم.
قصيدة سلاف الروح..قصيدة على نسق الحقيبة..الطيب النقر..تنويه: هذه القصيدة إن جازت التسمية ليست من الشعر الفصيح في شيء، بل هي من عيون الشعر السوداني المحض..نظمها صاحبها عفو الخاطر بعد أن تاق قلبه لدمية عاج صاحبته طوال الشهر الفضيل عبر الشاشة البلورية…….
سُلاف الروح عاشق خِلالا
أســرتني بدلاّ وجمالا
ساء ظني يا ذا الجلال
يا من خلقتَ وأنعمتَ حالا
إليك أشكو علالاً ثِقالا
وأخشى ذا الجنادل والرِمالا
ساح دمعي زاد انهمالا
أبكي عشقاً أضحى وبالا
أمير الحُسنِ أشفيِ سُعالا
وأرحم دنفُ أمسى زوالا
حُسام طرفك عرّبد وصالا
وأسيل خدك أمضى صِقالا
ليل شَعْرك بسط الظِلالا
وعسِيب قْدك أوهى الجِبالا
زاهيِ نحرك فاق الخيالا
وقواضِ صدرك أججنّ السجالا
ضامر قوامك ضاهى الكمالا
وفاق البان حُسناً واعتدالا
مُدن عينيك رنت غزالا
أصلت ذوي البرقع والحِجالا
نسيم الصبا كفاك انتقالا
وأوفــــِي سوريا جوىً توالى
لحى الله الجفاء والمِطالا
فقد عصفن بقلبي اعتِلالا
كحلاء تدمر متى الوصالا
وعلامــــــــا التبـــــــرم والمــــــلالا
ممــتاح أنــا يرتجــــــــــي النـــــوالا
فجودي بالنفــــــحاتِ والأنفالا
الطيب النقر
الحبوب، الدكتور الطيب النقر.
حياك الله وأسعد أيامكم بالصحة الدائمة، وألف شكر علي ما تقدمه للقراء من ثقافة في علم الشعر الحر.
في سنوات الستينات عندما كنت أدرس في الاتحاد السوفيتي سابقا بمدينة كييف كلية الحقوق ، كان يدرس معنا الشاعر الراحل/ كمال الجزولي، تعرفت منه ما هو الشعر الحر؟!!، ناصبته العداء في أشعاره التي كتبها باللغة وترجمها للروسية، ما كنت استسيغ هذا النوع من الشعر الخالي من القوافي الشعرية التي تعودنا عليها في المراحل الدراسية، وتعودنا علي سماع الاغاني المليئة بالقافية، في إحدي المرات هاجمت قصيدة لم أفهم منها شيء ولا المقصود منها، فغضب من هجومي وقال ” معقول يا ود الصائغ خليل فرح حلفاوي وانت حلفا؟!!
وهنا بمناسبة رحيل صديقي الراحل/ كمال الزول قصيدة من قصائده:
رِهَانْ .. شعر/ كمال الجزولي
أَنْهَضُ
هَأَنَذَا
مِنْ كَبْوَتي،
أَنْهَضُ
مِثْلَمَا يَنْهَضُ الفَرَسُ الجَّرِيحْ،
مُخَضَّباً بالدَّمِ القَانِي، مُلَفَّعَاً بِالرِّيحْ،
وشَامِخَاً فِي وَجْهِ جلَّادِي .. أَصِيحْ:
/بَيْنِي وبَيْنَكَ الزَّمَانُ، يَا سُلالةَ الخِيَانةْ
بَيْنِي وبَيْنَكَ الغَضَبْ،
والحِقْدُ، والكَرَامَةُ المُهَانَةْ،
بَيْنِي وبَيْنَكَ التَّوقِيعُ فِي ذَيْلِ اغْتِيالِي ..
لِحِسَاب ذِئْبِ النَّفطِ، والدُّولَارِ، والذَّهَبْ
بَيْنِي وبَيْنَكَ النَّزِيفُ، والخَنَاجِرُ الجَّبَانَةْ،
بَيْنِي وبَيْنَكَ الرُّصاصُ، والحِبَالُ،
والخَشَبْ،
بَيْنِي وبَيْنَكَ اللَّهَبْ/
**
أمْ دُرْمَانُ لَيْسَتْ تُغْتَصَبْ،
أمْ دُرْمَانُ لَيْسَتْ مُوْمِسَاً ..
رَهْنَ الطَّلَبْ،
أمْ دُرْمَانُ عِطْرُ الرُّوحِ، رُوحُ العِطْرِ،
بَذْلُ القَادِرينَ، تَميمَةُ الدُّنيا، ومِفْتَاحُ القَصِيدْ،
ولِهَذَا نَحْنُ يَا شَعْبِي العَنيدْ ..
نُولَدُ كُلَّ يَوْم فِي ملاحِمِ رَفْضِها العَاتِي،
ونَطْلَعُ فِي أَنَاشِيدِ الغَضَبْ!
-كييف كييف يناير 1972م-
٢-
كمال الجزولي شاعرا
https://www.alrakoba.net/31747652/%D9%83%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1%D8%A7/
٣-
ترجمة قصيدة للشاعر السوداني/ الكبير كمال الجزولي
https://www.wata.cc/forums/showthread.php?95814
٤-
ملحوظة:
أنا “دقة قديمة” وما بعرف الشعر بتاع ما فيه قافية، اعتز بانني من ناس:
مكر مفر مقبل مدبر معا…حطه السيل من علي.
مع شعر جبران خليل جبران:
أيها هذا الشاكي وما بك داء
كيف تغدو اذا غدوت عليلا
إن شر الجناة في الأرض نفس
تتوقى قبل الرحيل الرحيلا
إن الذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود جميلا.
الله يحفظك أستاذنا بكري
أنا مثلك تماما لا يشدني إلا الشعر الموزون وازور عن الشعر الحر ازوراراً عظيما، وأنفر منه ولا أجد فيه لذة يمكن أن أجنيها منه قريبة كانت أم بعيدة.
ولكن لهذا الضرب من الشعر محبيه وقد يتاح لنا في يوم آخر قريب أو بعيد، أن نتحدث عن هيام الناس بالشعر الحر، وتعلقهم به، نحن مضطرون أن نحترم أمزجة الناس، رغم أن طائفة كبيرة من رواد هذا الشعر تحبه وتؤمن به، دون أن يلهمها أو تستلهم منه شيئا، ولكنها تظهر له هذا الوله وهذا الشغف لأن فئة من المستنيرين تنفق بياض نهارها وسواد ليلها في قراءته وتمجيده.
كل الود والاحترام والتقدير أستاذنا الصائع وتقبل الله منكم الصيام والقيام.
الطيب