في الذكرى الخامسة لثورة ديسمبر
"حينما كبّرت المساجد للنصر من فوق المآذن، ودقت الكنائس أجراس الإنتصار"!
مثل السواد الأعظم من أطفال السودان نشأتُ في حي شعبي فقير ، بين جدران وخلف أبواب صدئة لبيوت طينية آيلة للسقوط، وأزقة ضيقة مكدسة بالأوساخ. لعبتُ كرة القدم في الفناءات الصغيرة والميادين المخصصة لها وإستمتعت بلعب (البلي) و (شليل وينو).. لكنني كنت محظوظاً فإرتدت المدرسة -أشكر الله علي ذلك- لان الكثير من أطفال السودان -بالأخص أطفال الهامش- لم يجدوا تلك الفرصة!.
(2)
في وطن خلاسي يزخر بجميع اشكال التنوع!.كان الفصل العنصري/الديني أو قل العرقي شديداً ان لم يكن حاداً بين السودانيين كنتيجة طبيعية لسياسات النظام -وان شئنا الدقة- سياسات الأنظمة التي تعاقبت علي حكم السودان منذ فجر الإستقلال. ولكن كان لنظام الآنقاذ نصيب الأسد في ذلك؛ فقد دفع بالأمور إلى نقطة اللاعودة وهو يستخدم الدين والعرق لتحقيق أهدافه الشيطانية !.
(3)
كطفل ينتمي جغرافيا إلي الجنوب كنت أحس بالتناقض العجيب بين فضاءاتنا الطفولية وأعني ميادين كرة القدم وسوح المرح ؛ ففيه كنت والكثيرين من أمثالي (أطفال الهامش) نجد القبول، والتصفيق من أترابنا وجموع المشاهدين إن سجلنا هدفاً جميلاً أو قمنا بمراوغة ماهرة. وبين فضاءاتنا الخاصة -المنازل- او في الشوارع التي كنا نسمع فيها نعوتاً تقشعر لها الأبدان!. أقلها وطأة كلمة (جنوبي) ما مع تحملها من حمولات سالبة بل دلالات عنصرية!…
(4)
كنت مسالما” جدا” ولكن كان بعض أهل صديق طفولتي (أ) يحذرونه قائلين :
“ما تمشي مع ود الجنوبين دا عشان ما يسبب ليك مشاكل”!. أو يمنعونه عن معايدتي في الكريسماس بإعتباري كافراً !. رغم إننا في ذاك العمر الغض لا نفقه في أمور الدين كثيراً ولا يفرق معنا أن أكلنا فتة في حولية الشيخ حمد النيل ، أو ذهبنا إلي الكنيسة عشية عيد الميلاد لنستمتع بشرب شاي اللبن بالزلابية!.
(5)
هذا الجدار الديني/العرقي كان يُشيده نظام يدعي بإنه يحكم بما أنزل الله !. رغم أنف قوله تعالي في سورة الحجرات:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }.
وحديث المصطفي (ص):
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)
(6)
“ما تمشي مع ود الجنوبين ده عشان ما يسبب ليك مشاكل”!
هذا القول الغريب كان يثير حفيظتي بل دهشتي ومثار الدهشة هو أن صديقي (أ) كان طفلا”مشاغباً بل مثيراً للمشاكل؛ فقد كان قائدنا ومهندس كل مخططاتنا الشيطانية الطفولية من ضرب أطفال الأحياء المجاورة إلى تهشيم زجاجات النوافذ ، وكسر “لمبات” الإنارة ، و “أزيار السبيل” ..إلخ !.
(7)
كانت التلميحات العنصرية شبه يومية.وكانت جدها جد وهزلها جد ! . في الحي ، الشارع ، المدرسه ..إلخ. وإستمرت لسنوات وسنوات!.بعد إلتحاقي بالجامعه أيقنت أن السلوك العنصري متجذر في نفوس الكثيرين وأن إعادة هندسة الإنسان السوداني كمشروع سياسي لدي الجماعات الإسلاموعربيه ، وعلى رأسها الحركه الإسلاميه قد تم للأسف !.
(8)
حملت يقيني تلك وإرتحلت به صوب الجنوب الذي سيصبح بعد أشهر قليلة دولة مستقلة!. في حدث أكد إدمان ساستنا للفشل!. وهل هناك فشل أكبر من تمزيق النسيج الإجتماعي ، تهجير المواطن ، تدمير الوطن وتقطيع أوصاله. بل تقزيمه! وهو الذي كان عملاقاً -او هكذا يفترض ان يكون!.
(9)
عدت إلى الخرطوم في أوائل ديسمبر من العام ٢٠١٨م. ولكن هذه المرة كنت أحمل لقب أجنبي التى تؤكدها جواز السفر وتأشيرة الدخول وبعض المشاعر المتناقضة !.عدتُ بعد ما يقارب عقداً من الزمان لأشهد إندلاع أعظم ثورة في تاريخ السودان. قوامها جيل جديد .. جيلاً:
حلو الشهد متشابك الهامات
خفاف ولطاف وثابتين أوان الجد
(10)
لم أكد أكمل الشهر حتي تنازلتُ طوعاً عن بعض يقيني بنجاح المشروع الشيطاني بعد أن شاهدت بأم عيني ملاحم بطولية وتلاحم بين الشباب السوداني، الذين تجاوزوا التمايزات العرقية/الدينية، ووحدوا صفوفهم ، ثم هبوا كالأسود الضارية ، وبصدور عارية لمواجهة آلة القمع والطغيان فى إستعادة لبطولة عبد الفضيل الماظ الذي (صندد) امام آلة القمع الإستعماري في معركة النهر قبل ما يقارب المائة عام!
(11)
كانت اللوحة زاهية ، تسر الناظرين وتحرك مشاعرهم فمن ذا الذي لم يذرف الدمع تاثراً بمشهد الأقباط/المسيحيين وهم يظللون إخوتهم المسلمين من هجير شمس الخرطوم اللاهبة أثناء صلاة الجمعه أمام بوابة القياده العامه؟أو مشهد الجموع الهادرة وهي تكسر الطوق الأمني لتصل إلي القياده العامه في نهار السادس من أبريل/رجب. لتتشكل بذلك ملحمة القياده العامه التي أظهرت وجه السودان الخلاسي الجميل
(12)
هتافات مثل:
(يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور)؟!.
و
(يا عنصري وسفاح وين الجنوب وين راح)؟!.
لم تكن مجرد هتافات أو أهازيج ثورية لشابات وشباب، ممن أطلق عليهم فى إهانة وإستخفاف (قليلي أدب) و (شذاذ أفاق)!. بل كان رداً واعياً ، وموضوعياً ضد مشروع شيطاني ظلامي يُراد به تدمير السودان. ولأن لكل فعل رد فعل كانت ثورة ديسمبر ..ثورة توقيتها زغاريد قوية وحصنها متاريس عصية وغرضها هدم السودان القديم وبناء سوداناً جديد تسودها الحريه ، السلام ، والعداله.
(13)
ولكن للأسف بعد مرور خمسة سنوات على إندلاع ثورة ديسمبر لا زال قوى الشر تواصل التدمير الممنهج. وما الحرب التى إندلعت في ١٥ أبريل الماضي بين الجيش السوداني “المكوزن” ووليدها غير الشرعي . “الدعم السريع” ، والتي وصلت معظم أجزاء السودان إلا حلقة في مسلسل الإنتقام من الشعب السوداني وتقف خلفها نفس القوى الظلاميه وغرضها الأساسي معلوم بالضرورة. هد المعبد على رؤوس الجميع.
والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء
جوبا
19 ديسمبر 2023م
الفصل العنصري المضمر في السودان موجود منذ خلق السودان وله جذور تاريخيه مرتبطه بتجاره الرق والاسلمه القسريه والتعريب القسرى الذى بداء منذ أيام الثوره الدرويشيه التدجيليه المهدية. وتفاقمت العنصريه وحوت طابع دينى حيث الثنائيه الجدليه :مسلم كافر عندما استولى الكيزان على السلطه وطرح مشروعهم الحضارى الاقصائى ثم تم تعديله عبر انتاج المؤتمر الوطنى الذى تجاوز العنصريه الدينيه ودرج نحو المواطنه!!!!!!!!!
عنصريه اللون شائعه في السودان كثقافه اى أسلوب حياه , فينظر للجنوبى بانه عب , جنقاوى , فرخ !!!!!!!
نعم السلوك العنصري متجذر في نفوس غالب السودانيين الذين يدعون العروبه ولكنهم يمارسون الخداع الاجتماعى والنفاق الاجتماعى في التعامل ويخفون العنصريه كمضمر حياتى ولكن تنفجر العنصريه في حاله الانفعال او محاوله التقارب الاجتماعى مثل الزواج وغيره…………………………………………………
الثوره الديسمبريه الشبابيه تجاوزت العنصريه لان الثوار ادركو ان مرض العنصريه متجذر وان الأوان ان يتم تجاوزه ولو في شكل هتافات !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ولكن وقعت الثوره في فخ العنصريه عندما تم دعوة الثوار الى باريس حيث تم تجاهل كنداكات دارفور وجبال النوبه والنيل الزرق وسفرو كنداكات الشمال النيلى ( واحده لبست توب ابيض وهتفت كارقوز ولم تعانى من قمع الكيزان ولم تنزح صممت كرمزيه للثوره+ اندلاع الثوره في الدمازين , فجعلت عطبره رمزيه الثورة!!!!!!)……………………………………..
جدليه الثوره والثوره المضاده قادت البلد الى الانهيار الذى قاب قوسين او ادنى………….حيث تم سرقه الثوار عبر شلليليات غردونيه تماهت مع العسكر وتبنت اجندات اقليميه محوريه وتوصلو للهبوط الناعم …………………
ثم وقعو في سلوك الفساد فسرقو الأموال والأصول مثلهم مثل الكيزان (لجنة ازاله التمكين لم تزل اى تمكين وتحولو الى لصوص نهبو الأموال والأصول)………..ثم تواصلت العنصريه فوصفو الأمير حميدتى بالتشادى وما سودانى ووصفو مليشيا العطاوة(الدعم السريع) بالشاديين الأجانب……………………انتم الجنوبيين الله رحمكم من عنصريه السودانيين ………..وهاهو بعد وفاة الطيب خال المخلوع البشير الذى ذبح ثور اسود فرحا بانفصال الجنوب , يخلف لنا عبدالرحمن عمسيب الشايقى الذى يمارس ا لعنصريه تجاه الغرابه بحده غريبه ……