ماهو موضوع الثقافة؟

سؤال من الصعب الإجابة عليه بقدر صعوبة تعريف المثقف والثقافة ، إن كل معلومة مهما ‏صغرت ، فهي في ميدانها عظيمة ، إن معرفة عواصم المدن مثلاً ، أو أنواع السيارات ، أو ‏معرفة أماكن المؤسسات ، أو هواتف الطوارئ والاسعاف ، أو أسماء الأعلام من رؤساء ووزراء ‏‏..الخ .. وغيره من مثل هذه المعلومات لا يمكن استثناؤها من كونها موضوعاً للثقافة ، كما لا ‏يمكن تهميش معلومة على حساب معلومة أخرى ، فما هو موضوع الثقافة الذي يجعل العارف ‏به مثقفاً في حين أن الجاهل به غير مثقف؟ ‏
لا يمكن البت في هذا التساؤل عبر الحصر أو حتى الاستبعاد ، فالقضية أوسع من هذا ‏بكثير؟ ويبدو أن المثقف في المجتمع العربي يدور حول موضوعات ذات طابع تجريبي أو ‏نظري ، كعلوم السياسة والاجتماع والاقتصاد والأدب والفن ، ويخضع الفن نفسه لمبضع ‏المثاقفة ، فليس الفن كله كالطرب والغناء مما يمكن ضمه إلى مضمون الثقافة ، وكذلك فإن ‏مجالات أخرى تهمش ثقافياً كالرياضة ، وحركة المرور ، وحالة الطقس ، وفن الطبخ ، وغير ‏ذلك ، إذن؛ فكأننا أمام محاور للثقافة ، لا يمكن الفكاك منها لكي يتحصل الفرد على رتبة ‏مثقف ، فنطاق الثقافة نفسه ليس شاملاً ، بل انتقائياً ، ويحدث الانتقاء من خلال النخب ‏المثقفة ، فهي التي تدخل موضوعاً ما في دائرة الثقافة وتستبعد آخر ، ومن خلال عُرف غير ‏مكتوب ، عبر استمرارية زمنية ما ، يحصل الإلزام والجزاء الثقافي.‏
فالإلزام يقع على عاتق كل من أراد أن يمتهن الثقافة ?رغم أنها ليست مهنة ولكنها تتحول ‏كذلك في المجتمع العربي- وعليه لذلك أن يقفو خطى الماضي ، وخطى المجموعات القائمة ، ‏التي تباركها وسائل الإعلام ، كالصحف والمجلات والفضائيات ، وتمنحها مكانتها المقدسة. ‏أما الجزاء فهو واضح ، فإما أن يتبنى من يريد امتهان الثقافة هذه المواضيع فيتمتع بالرتبة ‏الثقافية وإما أن يكون خارج الضوء الثقافي تماماً .‏
ما الجديد حينما تنهض نرجسيتنا على أعباء تحديد أولويات الموضوع الثقافي؟ وهذا تساؤل ‏وليس سؤالاً ، الجديد هو أننا ندور في دائرة مغلقة ، بل وكأن الثقافة تتحول من عموميتها ‏المشهورة إلى خصوصية التخصص ، فالثقافة تأكل نفسها ، وهي تتقلص إلى مجالات ‏التخصص الدقيق ، وتفقد طابعها الفلسفي المفتوح ، وتتحول إلى معامل اختبار ، وتفقد ‏التواصل ما بين الطبقات ، وأخيراً تزداد نخبويتها إلى درجة إنهيار مصطلح الثقافة تماماً ‏واستبدال مصطلع (العلوم) به.‏
ومع هذا فما ندعو إليه ليس الانفتاح على جميع المواضيع فقط ، وانما تقييد الانتخاب ‏والانتقاء ، لتظل مواضيع الثقافة قابلة للتمدد ، وحتى نستبعد النظرة الاستعلائية للمثقف العربي ‏، وحتى لا يندثر مصطلح المثقف ، إننا يجب أن نلعب دورنا الحمائي للمثقف ، لأن المثقف ‏يربط بين المتفرقات ، ويرسم شبكة العلاقات ، ويدمج بين المفاهيم ، ويلعب دوره كمفكر حر ، ‏وهو مستقل عن المؤسسية ، خصوصاً المؤسسات السياسية و العلمية ، فهو يلعب على ‏الهوامش والفراغات. وينظر من أعلى لا من أسفل ، ويتمدد ?في نفس الوقت- أفقياً لا رأسيا ، ‏ويخترع مفاهيمه ولا تستعبده المفاهيم. وهذه الحركة الحرة لا يمكن تقييدها ?بل ولا يجوز ‏تقييدها- بعمليات إنتخاب وانتقاء موضوع للثقافة. ويمكننا هذا ?بل ويسهل لنا- من تعريف ‏الثقافة تعريفاً ديناميكياً ، لتكون هي عملية التفكيك والبناء والربط الحر لمختلف المواضيع في ‏شبكة علاقات تمهيداً للاستفادة منها في خلق مفاهيم جديدة.‏
‏ د.أمل الكردفاني
‏9فبراير2015‏
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الثقافة فضاء مفتوح مثل الفضاء الكوني الذي خلقه الله وستفقد معناها ومضمونها اذا حصرت في مجال محدد وكل الانجازات العظيمة في كل مجالات الحياة لها علاقة بالثقافة والمثقف يكون دائما بعيدا عن البروتكولات ويتحرر من القيود المعتادة عموما امل عساك بخير وصحة جيدة.

  2. كما تقول، ثمة تعريفات متعددة للثقافة، و هي إنما تعددت لسببان: كأداة لإصابة المرمي، و لحكم الوقت المتغير دائما و ابدا.

    ف ثقف الشيء في اللغة أي قومه، و ثقف السهم أي براه و صوبه نحو غاية معينة ليصيبها في مقتل.

    و تلك غاية المثقف، أن يصيب ما رمى كلما رمى. و هو إنما يتعلم ذلك، كثرة الإصابة و قلة الخطأ بالصبر و طول المران، و قبل ذلك باستعمال الأداة المناسبة، في الوقت المناسب.

    ف التثاقف أو كما قلت المثاقفة، هو عرض الإنتاج الفكري، أي كان موضوعه عرضا سمحا، يخلو من السماجة و العنف، و ينحو إلي الدعة و اللطف و الطرافة و الفن.

    و لو جئنا نعرف الثقافة، كان لا بد من محاولة الإجابة عن السؤال الوجودي الذي معناه ببساطة: لماذا نحن ( الناس) هنا، و الي أين نسير؟

    فالثقافة معناها الاصطلاحي في كلمة واحدة، التقويم، تقويم الشيء و تثقيفه و تهذيبه. و معناه أيضا تخليص الشيء من العيوب و الشوائب.

    و الثقافة ليست شكلا، إنما هي مضمونا و معني، فثقافة الشاعر مثلا ليست هيكل القصيدة و مبناها الموسيقي، في رأينا، و إنما المعاني و المضمون الفكري. نضرب مثلا بالقصيدة لأنك ذكرت المثقف العربي، و تطور القصيدة يحكي بشكل من الأشكال تطور الانسان عبر الزمن، لان القصيدة مثل الحكي و الحدوتة و القصة، تعبر عن الواقع في وقت من الأوقات.

    كما أن التأمل في مبني و معني القصيدة يخبرنا أن بعضهم استعمل وسيلة الثقافة للإجابة عن السؤال الوجودي.

    الثقافة هي فعلا أفق مفتوح، و لكن للمتفكر و المتأمل، و الذي يود أن يصيب المرمي، لا من يخبط خبط عشواء، فنية المرء خير من عمله.

    و الثقافة ليست مادية، و لو كان عكس المادية هي الروحانية أو الفكر، فإن الرامي قوسه مادي و سهمه فكره، و مرماه تلك الغاية التي يقصد إصابتها، أو الوصول إليها.

    لما كثر الحديث هنا عن الغاية من الوجود، فلعلي أجد من المناسب أن أوضح رايي مما تأملته عن المرمي من وجودنا، إلام نرمي.

    غاية الأنسان هو نفسه، هي قلبه فإن ذكاها و قومها و هذبها، فقد تثقف و خلص و صار من الناجين، و تلك غاية عليا، دونها غايات كثيرة.

    فقلب الانسان هو قوسه و لسانه سهمه، و عقله هو ذاكرته الوجودية، أي واقعه اليومي و الذكريات، التي يتمرن فيه الرمي فيخطيء و يصيب.

    الثقافة ثقافتان، و العلم علمان و الشيء شيئان، و كل شيء إثنان و من كل شيء ابدع الصانع زوجان، سالب و موجب. فأين الحقيقة.

    ذلك هو مأزق القديم و الجديد، الأصالة و المعاصرة، السلفية و الحداثة، الأصولية و التجديد. ذلك هو: المادية و الروحانية، موسي أم الخضر. الدولة المدنية أم دولة الشريعة. المرأة أم الرجل
    القومية أم القبيلة.

    الحل في التزاوج، بسماحة و بتراض و اتفاق يحفظ العهود، دونما عنف. و رحم الله رجلا سمحا، إذا باع سمحا إذا اشتري، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى.

  3. كما تقول، ثمة تعريفات متعددة للثقافة، و هي إنما تعددت لسببان: كأداة لإصابة المرمي، و لحكم الوقت المتغير دائما و ابدا.

    ف ثقف الشيء في اللغة أي قومه، و ثقف السهم أي براه و صوبه نحو غاية معينة ليصيبها في مقتل.

    و تلك غاية المثقف، أن يصيب ما رمى كلما رمى. و هو إنما يتعلم ذلك، كثرة الإصابة و قلة الخطأ بالصبر و طول المران، و قبل ذلك باستعمال الأداة المناسبة، في الوقت المناسب.

    ف التثاقف أو كما قلت المثاقفة، هو عرض الإنتاج الفكري، أي كان موضوعه عرضا سمحا، يخلو من السماجة و العنف، و ينحو إلي الدعة و اللطف و الطرافة و الفن.

    و لو جئنا نعرف الثقافة، كان لا بد من محاولة الإجابة عن السؤال الوجودي الذي معناه ببساطة: لماذا نحن ( الناس) هنا، و الي أين نسير؟

    فالثقافة معناها الاصطلاحي في كلمة واحدة، التقويم، تقويم الشيء و تثقيفه و تهذيبه. و معناه أيضا تخليص الشيء من العيوب و الشوائب.

    و الثقافة ليست شكلا، إنما هي مضمونا و معني، فثقافة الشاعر مثلا ليست هيكل القصيدة و مبناها الموسيقي، في رأينا، و إنما المعاني و المضمون الفكري. نضرب مثلا بالقصيدة لأنك ذكرت المثقف العربي، و تطور القصيدة يحكي بشكل من الأشكال تطور الانسان عبر الزمن، لان القصيدة مثل الحكي و الحدوتة و القصة، تعبر عن الواقع في وقت من الأوقات.

    كما أن التأمل في مبني و معني القصيدة يخبرنا أن بعضهم استعمل وسيلة الثقافة للإجابة عن السؤال الوجودي.

    الثقافة هي فعلا أفق مفتوح، و لكن للمتفكر و المتأمل، و الذي يود أن يصيب المرمي، لا من يخبط خبط عشواء، فنية المرء خير من عمله.

    و الثقافة ليست مادية، و لو كان عكس المادية هي الروحانية أو الفكر، فإن الرامي قوسه مادي و سهمه فكره، و مرماه تلك الغاية التي يقصد إصابتها، أو الوصول إليها.

    لما كثر الحديث هنا عن الغاية من الوجود، فلعلي أجد من المناسب أن أوضح رايي مما تأملته عن المرمي من وجودنا، إلام نرمي.

    غاية الأنسان هو نفسه، هي قلبه فإن ذكاها و قومها و هذبها، فقد تثقف و خلص و صار من الناجين، و تلك غاية عليا، دونها غايات كثيرة.

    فقلب الانسان هو قوسه و لسانه سهمه، و عقله هو ذاكرته الوجودية، أي واقعه اليومي و الذكريات، التي يتمرن فيه الرمي فيخطيء و يصيب.

    الثقافة ثقافتان، و العلم علمان و الشيء شيئان، و كل شيء إثنان و من كل شيء ابدع الصانع زوجان، سالب و موجب. فأين الحقيقة.

    ذلك هو مأزق القديم و الجديد، الأصالة و المعاصرة، السلفية و الحداثة، الأصولية و التجديد. ذلك هو: المادية و الروحانية، موسي أم الخضر. الدولة المدنية أم دولة الشريعة. المرأة أم الرجل
    القومية أم القبيلة.

    الحل في التزاوج، بسماحة و بتراض و اتفاق يحفظ العهود، دونما عنف. و رحم الله رجلا سمحا، إذا باع سمحا إذا اشتري، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..