عدنا ، فوجدنا …المكرمة

عدنا ، فوجدنا …المكرمة

الطاهر ساتي

** عدنا .. فلنحكي – باختصار – سبب الغياب ، علما بأن الأصل في صحف بلادي هو الغياب ، أما الاستثناء فهو التواصل .. بمعنى : الصحف في بلدي حين تمسي لاتترقب الفجر ، وحين توثق شروق الشمس لا تطمع في توثيق غروبها ، ولله الحمد على كل حال ، وصدقا لايحمد على مكروه سواه .. ولاشيء يحزن في غياب الحقيقة غير حزن القارئ على غيابها ..نعم لم يكن الغياب قسريا ، بيد أن توسيع دائرة الشراكة بالحقيقة هو السبب .. فالحقيقة صدرت عن شركة يمتلكها ناشر .. وقبل أن يكتمل ربع عامها الأول ، نجحت في أن تجذب ناشرين ، ثم نجحت في تحويل طاقمها التحريري – بالكامل – من أجراء الراتب إلى شركاء عائد ما بعد الراتب ، وهنا مكمن قوة الحقيقة ، ليست الصحيفة فحسب ، بل أية حقيقة .. إذ ليس لمتوجس رأي ، وكذلك رأي الخادم ليس بذات قوة رأي الفكي ، ولذلك كان يجب تنفيذ خطة تجعل الصحفي شريكا كما الناشر في الحقوق والواجبات ، بحيث لا فضل لهذا على ذاك إلا بمقدار العطاء .. وقد يسأل أحدكم – ببراءة – ألم يكن ممكنا فعل ذلك بغير غياب ..؟.. سؤال مشروع ، إجابته بطرف لوائح مجلس الصحافة ، وقد أجابت بيانا بالعمل ..!!

** على كل حال حصل خير ، أو هكذا يجب كظم الغيظ والحزن في موقف كهذا ، ثم نتجاوز ما حدث للحقيقة من غياب إلى ما يحدث لكل الصحف منذ أول البارحة.. خبرا يتراءى للناس مفرحا صدرت به صحف البارحة ، حيث يقول الخبر نصا : سلطة الطيران المدني ومجلس الصحافة يوقعان اتفاق نقل الصحف للولايات الجنوبية مجانا ، هكذا الخبر ، يبدو غريبا ، بحيث لاعلاقة للطيران المدني بمهام وتكاليف النقل الجوي ، إذ هذا النقل من مهام وتكاليف شركات الطيران ، وتلك الشركات هي التي لديها حق تخفيض قيمة النقل أو إلغائها ، وليست سلطة الطيران المدني ، ولذلك يبدوا الخبر مدهشا .. ولكن البروف على شمو ، رئيس مجلس الصحافة ، يحل طلاسم الدهشة ، ويقول نصا : سلطة الطيران المدني ستتحمل تكاليف النقل ..وهذا يعني بأن سلطة الطيران ستدفع قيمة النقل لشركات الطيران ، أصالة عن نفسها وإنابة عن المؤسسات الصحفية .. وهنا ثمة سؤال وآخر يجب أن يطرحا بكل وضوح ، فحواها : من أي بند ولماذا ومقابل ماذا تقدم سلطة الطيران هذه (المكرمة ) للصحف ..؟

** ثم السؤال المهم جدا ، لماذا اختارت سلطة الطيران المدني هذا الأسبوع – بالذات – وقتا مناسبا لتقديم مكرمتها تلك ..؟.. أي ، لماذا لم تقدم مكرمتها قبل أن تبعثر الصحف وثائق ذات روائح غير طيبة ..؟.. كان يجب على مجلس الصحافة التفكير مليا ثم التحديق في ثنايا هذا السؤال ، خاصة أن المجلس – بحكم المهنة – يقرأ الصحف وما تنشرها من وثائق .. كيف فات عليه ربط هذه المكرمة بما نشر عن الجهة الكريمة ..؟.. للأسف ، هذا لم يفت على فطنة المجلس ، ولذلك ليس معيبا حين نقول للمجلس : (والله عيب ) .. نعم ، معيب جدا أن يدفع المجلس صحف بلادي – المسماة بالسلطة الرابعة – دفعا إلي طريق المكرمات .. ثم يحتفي بالأمر، وكأنه فعل فعلا مشروعا..!!

** المجلس – بجهل أو بكامل المعرفة – يرتكب جريمة في حق الناس والبلد وسلطتهما الرابعة ، بقبول مثل تلك المكرمات ..غدا ستأتي هيئة المياه – مثلا – بمقترح تقديم خدمات المياه للصحفيين ، ثم تأتي هيئة الكهرباء بمجانية كهرباء بيوت الصحفيين ، وربما تأتي وزارة الصحة ومشافيها بمجانية علاج أسر الصحفيين ، وتأتي وزارة التعليم ومدارسها بعقد اتفاق تعليم أبناء الصحفيين و..و…و..هل ستتواصل توقيعات المجلس على عقود هذه المكرمات ، ثم الاحتفاء بها ..؟.. إن كانت الإجابة رفضا ، فعلى المجلس أن يرفض مكرمة الطيران المدني أيضا ، وإن كانت الإجابة قبولا، فتلك مصيبة .. ولذلك ، لسان حال الحقيقة يقول لمجلس الصحافة بكل صراحة : عفوا ، مصالح الناس والبلد أغلى من مكرمات الدنيا والعالمين ، وكذلك أقلام زملائي بالحقيقة أغلى من قيمة النقل الجوي ، وعليه : (أشطبوا اسم صحيفتهم من قائمة تلك المكرمة)…!!

صحيفة الحقيقة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..