مقالات وآراء

مأساة الإستبداد الباغية باقية .. وشعارات “التحرير” يُعَادُ عزفُها بنفسِ زخاتِ الرصاص

حسن عبد الرضي الشيخ

 

مقالة الصحافية النابهة رشا عوض ترسم صورة دقيقة ومريرة للأزمة السودانية الراهنة، وتكشف زيف الشعارات التي ترفع حول “تحرير” القصر الجمهوري. ودعمًا لطرحها، يمكن إبراز عدة نقاط تعزز حجتها وتوضح أبعاد الأزمة بشكل أعمق.

 

القصر الجمهوري: رمز للقمع لا للسيادة

 

منذ إنشائه، كان القصر الجمهوري أداة لحكم استبدادي مسنود بالقوة المسلحة، لا منصة لحكم يعكس إرادة الشعب. جميع الحكومات التي تعاقبت عليه، سواء مدنية أو عسكرية، فشلت في جعله مقرًّا لسلطة مستمدة من القبول الشعبي. وعليه، فإن الحديث عن “تحرير” القصر لا يعني شيئًا سوى انتقاله من قبضة بندقية إلى أخرى، بينما يظل الشعب السوداني محرومًا من حقوقه الأساسية.

 

معركة القصر : مشهد من الفوضى العسكرية

 

الصراع على القصر ليس سوى مظهر من مظاهر فشل الدولة السودانية في تأسيس نظام سياسي قائم على الشرعية المدنية. فالحرب التي أودت بحياة الآلاف ودمرت مدنًا بأكملها لم تكن صراعًا بين رؤى سياسية متنافسة، بل تنازعًا بين مليشيات وقوى عسكرية، كل منها يسعى لحيازة السلطة بأي ثمن. هذه الحقيقة تؤكد أن المشكلة ليست في أي طرف يسيطر على القصر، بل في أن القصر نفسه ظل رمزًا لدولة العنف والاحتكار.

 

الجيش والدعم السريع : استمرار للمنظومة القديمة

 

رشا عوض تسلط الضوء على مسؤولية الإسلامويين في تفكيك الجيش وتحويله إلى أداة لحماية سلطتهم، قبل أن ينقلب السحر على الساحر. لكن ما يجري اليوم يؤكد أن الأزمة لم تقتصر على الإسلامويين وحدهم، بل هي متجذرة في بنية الدولة السودانية نفسها. فحتى بعد طرد الدعم السريع من القصر، يظل الجيش مستمرًا في ذات النهج القائم على القهر والاستبداد، بدلًا من التحول إلى مؤسسة وطنية تحمي الشعب بدلًا من أن تحكمه.

 

تعدد الجيوش : دمار الدولة

 

إحدى أخطر الظواهر التي أشارت إليها المقالة هي تعدد الجيوش والمليشيات، والتي تجعل من السودان ساحة مفتوحة لصراعات لا تنتهي. فكلما ضعف الجيش، ظهرت قوى مسلحة جديدة تسعى لملء الفراغ، ما يخلق دوامة لا تنتهي من العنف والانقسامات. حتى لو سيطر الجيش على القصر، فإن وجود عشرات المليشيات يعني أن دورة الحرب ستستمر، ما لم يحدث تحول جذري في بنية الدولة.

 

الحل الحقيقي : قطيعة مع الماضي

 

إذا كان هناك درس واحد يجب استخلاصه من هذا الصراع، فهو أن الحكم العسكري لا يمكن أن يكون وسيلة لبناء الدولة السودانية. الحل لا يكمن في “تحرير” القصر الجمهوري من يد قوات إلى أخرى، بل في إعادة بناء الشرعية السياسية على أسس جديدة تضمن مشاركة جميع السودانيين في السلطة والثروة، بعيدًا عن هيمنة الجيش أو المليشيات.

 

ختامًا، مقالة رشا عوض وضعت يدها على جوهر الأزمة : القصر الجمهوري ليس رمزًا للسيادة، بل رمزٌ لاستبداد ممتد منذ عقود. وإن لم يدرك السودانيون هذه الحقيقة، فإن “تحرير” القصر سيظل مجرد إعادة تدوير لمأساة لا تنتهي.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. لعلهم يفقهون ، للأسف لا حياة لمن تنادي .. بقدر ما تعاني الدولة من ازمة عميقة ، يعاني الكثير من ابناء الوطن من غيبوبة وعدم وعي و جهل كبير ، يحتاج لسنوات من الوعي والتنوير ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..