أخبار مختارة

كيف نمنع انهيار الاقتصاد السوداني الوشيك: حتمية المواجهة

حسين أحمد حسين

مقدمة

نرجو من الذين يدَّعون بأنَّ سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المطبقة حالياً في السودان (وتاريخياً) ذات جدوى ولا ضرر منها للاقتصاد السوداني، أن يخرجوا للملآ ويُناظروننا ويقارعوننا الحجة بالحجة؛ أخذاً في الاعتبار أنَّ نسبة زيادة الدين السنوي في فترة الإنقاذ كانت 3.3%، بينما نسبة زيادة الدين السنوي في فترة حمدوك/برهان وصلت 50%.

عليه فإن كانت الحجة لمناصري سياسات المؤسسات الدولية، فاليمضوا فيما هم ماضين فيه؛ وبالتالي عليهم تحمل كامل المسئولية الأخلاقية في فقدان أعداد كبيرة من السودانيين القدرة على  الحياة بسبب هذه السياسات. وإن كانت الحجة عليهم فاليغيِّروا سياساتهم من غير دوغمائية وانتصار للذات، فالأمر مسألة حياة أو موت؛ وإلاَّ فاليستعدوا لعصيان الشعب السوداني المدني الشامل الذي سوف يُزيحهم من كراسيهم التي نالوها بدماء الشهداء والمفقودين/الشهداء والجرحي.

حيثيات

1/ سنثبت لهذا الشعب أنَّكم مصابون بالعجرفة، ومرضى بداء تضخم الذات الأممية التي تعتقدون اعتقاداً أيديولوجياً صمدياً (كما يقول جوزيف استِقْلِتز) أنَّها لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. وتعتقدون ألاَّ أحد يطال علمكم وخبراتكم لكونكم تعملون في مؤسسات التمويل الدولية وأخواتها، بالرغم من أنَّكم (والحديث لاستقلِتز) مجرد تروس في نظام رأسمالي نيوليبرالي يأتمر بعلم سلطة إجماع واشنقتطون لا بسطلة علم علماء الاقتصاد المحققين في هذا العالم. وبالتالي أنتم عاطلون عن المواهب، وتعملون لصالح بلدان العالم الأول النيوليبرالية المسيطرة على الاقتصاد العالمي، وتنبطحون لإغراءات الترقي على السلَّم الأممي، على حساب مصالح بلدانكم الفقيرة المقهورة.

2/ أمَّا وقد أوقعتمونا في فِخاخ مؤسسات التمويل الدولية وآيديولوجياتها وعقائدها الصمدية (سنكتب عنها في مقال آخر منفصل إن شاء الكريم)، ومُسفِّهين لكل نصائح الاقتصاديين السودانيين وغيرهم، فارفقوا بهذا الشعب إنْ بقِيَتْ فيكم مُزعةٌ من ضمير بالميل الإيجابي لفقرائه على حساب أغنيائه، أو احكموا بالقسطاس المستقيم ولو مرة واحدة في الدهر (إجعلوها بيضة الدِّيكِ يا رعاكم الله).

باللهِ عليكم ماذا يعني إعطاء مؤسسات التمويل الدولية دعماً نقديَّاً ثابتاً في ظل حالة التضخم الجامح الانفجاري الذي يشهده السودان منذ سقوط سيئة الذكر الإنقاذ، حيث الجنيه السوداني تنقص قيمته مرتين أو أكثر في اليوم؟ فالكمساري الذي تحركت عربته التي يعمل بها بعد اشتراء جالونين وقود من جبل-اوليا، لن يستطيع شراء ذات الجالونين من طلمبة طيبة الحسناب بذات السعر إذا استهلكت العربة وقودها، ولذلك سيضطر لزيادة سعر تعرفة بص جبل-اوليا الخرطوم هناك، ومرة أخرى عند طلمبة ود الحسين بأبو حمامة. هل هذه سياسات مؤسساتكم الدولية التي تتبعونها! بئس التابع وبئس المتبوع.

3/ وطالما وصلتم الدرك الأسفل من موت الضمير المتجسد في حالة الحِريْكيين الذين يقولون أنَّ “الشعب لازم يدفع كي ينال الخدمات” {قمحك في الملجة! عيشك المالي الطابونة! بنزينك المغرِّق الطلمبات! دواك المرصرص في الإجزخانات! مواصلاتك اليكورِك كمساريها: بري نفر بري نفر، حيصاحيصا حيصاحيصا!}؛ وطالما بلغتم  من موت الشعور واللامبالاة واللا-إنسانية واللا-أخلاق مبلغاً يجعل الشعب السوداني يدفع من العدم على خدماتكم المتوهمة، وأنتم تصرفون نصف موازنة الدولة على المؤسسات العسكرية الرسمية، وربعها على جيش مجرم الحرب المليشيوي حميدتي وتعطونهم الفتات؛ فرجاءاً امتنعوا عن فرض أيِّ رسوم فوق سعر السلعة العالمي لصالح الليبراليين الجدد كما كانت تفعل الإنقاذ (وزير النفط الإنقاذي دفَّع الشعب     السوداني  16 دولار فوق سعر برميل البترول في السوق العالمي دعماً لجيبه ولجيوب منسوبيه وتنظيمه).

4/ تذكروا أنَّ كلَّ اقتصاديي العالم الأول الحر الذين يتبعون سلطة العلم (لا علم السلطة)، قد وصلوا لحقيقة أن اقتصاد السوق لا يستطيع أن ينظم نفسه بنفسه، ولا يستطيع صون يده الخفية لصالح أيديولوجيته نفسها، من غير تدخل الدولة. كما أنَّ عدم تدخل الدولة يضر بالفقراء ويُساهم في سوء توزيع الموارد بين القلة المحتكِرة وسواد الشعب، ويؤدي إلى عدم الاستقرار بعجزه عن تلبية الاحتياجات الجمعية لهذا الشعب المغلوب على أمره (Soros 2002)، (Stiglitz 2010)، (Sloman and Others 2015).

وأيضاً اعلموا أنَّ حالة الانكشاف الاقتصادي التي يعيشها السودان الآن (بل منذ العام 1991) وأي قطر آخر لا تتمثل فقط في الشق الخارجي/التجارة الخارجية الذي تركِّز عليه مؤسسات التمويل الدولية وأتباعهم (عجز الدولة عن تسديد خدمات الدين الخارجي، وتحويل أرباح المستثمرين الأجانب، وتلبية طلب النقد الأجنبي للأغراض المشروعة، الملاءة المالية والائتمانية للدولة)، فهناك شق داخلي أعمق خطورة لهذا الانكشاف وهو عدم القدرة على تلبية الطلب الكلي كما جاء بعاليه؛ والذي يعني قتل الشعب بالجوع والمرض ونقص السعرات الحرارية باتباع سياسات الصندوق والبنك الدوليين كما تقول (من عجبٍ) منظمة أُممية أخرى هي أوشا (6-9 مليون سوداني معرضون للموت بسبب نقص الغذاء/بسبب عدم القدرة على الحياة).

5/ إذا لم تجدوا بُدَّاً من رفع الدعم وبالتالي قتلنا بسبب نقص الغذاء كما جاء في الفقرة (4) أعلاه، فاقتلونا برفق، أي في ظل سياسات ممرحلة لرفع الدعم ومرتبطة عضوياً (لا بتحقيب فوقي جزافي) ببرامج للإصلاح الضريبي، وترشيد الإنفاق العام واستحداث سلع مصرفية جديدة، وتحريم وتجريم التجنيب، وكسر حلقات الفساد المالي والإداري (شكراً لجنة إزالة التمكين)، وإعادة تأميم الشركات المخصخصة تمكيناً، وإعادة شركات الاقتصاد المدني والعسكري تحت ولاية وزارة المالية، وتوجيه تلك الأموال لتنمية القطاعات المنتجة والخدمات الحيوية من بني تحتية وصحة وتعليم وإسكان وغيرها.

6/ إذا أردتم تعويم الجنيه السوداني لا قدَّر الله، فلابد أن يسبقه تغيير للعملة. وذلك ليس لغرض سياسي كما يتوهم البعض، بل لمعرفة حجم الكتلة النقدية الحقيقي (الصحيح منها والمزوَّر)، حتى تستطيع الدولة الوصول للقيمة الفعلية لعملتها. وإن لَّم تفعل فإنَّ العالم الخارجي سيشتري صادراتنا بأقل من سعر التعويم الحقيقي لأنَّ هناك الكثير من العملة المزوَّرة تسيطر على السوق. بل قد تضطر الدولة لتدنِّي فيمة الصادرات، ولعدم وجود احتياطي نقدي من العملات الصعبة، أن تعطي المستثمر الأجنبي جزءاً من سلع الصادر نظير أرباحه، وبالتالي نفقد حتى أسواقنا العالمية (العجول الحية تذهب لمسلخ مصري- حميدتاوي شمال خزان أسوان مباشرةً، فتُذبح هناك ووتُغلَّف وتُصدر كسلعة مصرية للخليج وأوروبا – كي تحى مصر ويموت السودان).

هذا الإجراء هو وحده الكفيل بمعالجة اختلالات القطاع المالي والنقدي، وانفلات التضخم والكتلة النقدية، واستقرار السياستين المالية والنقدية، ورفع الملاءة المالية والائتمانية للدولة، والخروج من حالة الانكماش – التضخمي والمعدلات السالبة للنمو. ويجب أن تصحبه قرارات من المالية وبنك السودان تحرِّم وتجرِّم تداول العملات المحلية والعالمية خارج النظام المصرفي إلاَّ بتصديق من وزير المالية ومحافظ بنك السودان معاً، ولأغراض معلومة ومرتبطة ببرنامج الدولة التنموي وسلع المستهلك؛ تحريماً وتجريماً عقوبته الإعدام إذا كان مرتبطاً بتخريب الاقتصاد الوطني.

7/ هذه الإجراءات لا تصبح نافذة أو قابلة للنفاذ في غياب المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية (اللَّذان يؤجل قيامهما عمداً لأنَّهما سيغيِّران الخارطة السياسية لا محالة)، وفي غياب نزاهة القضاء والنيابة العامة والشرطة وجهاز الأمن العام  ونخب المؤسسات العسكرية.

ولذلك نقول لكوادرنا الوسيطة في المؤسسة العسكرية السودانية (التي سوف نفرد لها مقالاً منفصلاً أيضاً في الأيام القادمة إن شاء الله)، فحول القولة الشهيرة “مخالف سعادتك”، لابد أن تحموا ظهر الثوار حين تُخرجهم نوائب السياسات الأممية في الأيام القليلة القادمة تظاهراً ضد الإسلاطفيليات التي يديرها الفلول، وتظاهراً ضد الليبراطفيليات التي يديرها الليبراليون الجدد، وتظاهراً ضد العسكوطفيليات التي تديرها النخب العسكرية الفاسدة التي نسيت أنَّكم أنتم من ضغط عليهم لينحازوا للشعب في يومكم المشهود عام 2019.

فالآن الشعب ينتظر منكم المزيد لتصحيح كل الأوضاع التي أقعدت بالثورة. وحذاري يا أحباب أن تنجرَّوا لحرب إقليمية مع دول الجوار أو مع المحاور الدولية، فتلك حروب رأسمالية (تابعوا مقالاتنا عن حروب رأس المال) مقصود بها تحويل دول العالم الثالث إلى دول فاشلة (تابعوا فيديوهات بروفسير محمد حسين أبو صالح). فحرب الوكالة مع إثيوبيا يُمكن حلها بالتفاوض، أو التحكيم الدولي؛ فكلا البلدين يحتاجان إلى الاستقرار لتحقيق الرفاه لشعوبهم؛ فإيَّاكم والحروب واستعيضوا عنها بالتسويات الجيوسياسية والسياسو- اقتصادية ما استطعتم إلى ذلك سبيلا.

خاتمة

لعناية دولة الرئيس د. عبد الله حمدوك: لا غنى لك عن ما يحمل بروفسير محمد حسين أبو صالح عن المشروع/الحلم الوطني/ الرؤية الوطنية الاستراتيجية. فإن عدَّه البعض محسوباً على النظام السابق، فأعضاء النظام السابق الملطخةُ أياديهم بدماء شهدائنا شركاء معك في السلطة الآن. والرجل فوق علمه الذي نحتاج إليه بشدة في هذه الفترة الانتقالية، لم يقتل ولم يتسبب في قتل أيِّ ثائر (حاشاه)، وقد أعلن انحيازه التام للثورة، وصار من المنظرين لها؛ ولذلك يجب الاستفادة من علمه وتجربته في تحويل الأموال التي وصلت البلد إلى مشاريع تنموية وليست استهلاكية.

حسين أحمد حسين
[email protected]

 

 

‫7 تعليقات

  1. “لعناية دولة الرئيس د. عبد الله حمدوك: لا غنى لك عن ما يحمل بروفسير محمد حسين أبو صالح عن المشروع/الحلم الوطني/ الرؤية الوطنية الاستراتيجي”
    لن يستمع حمدوك الى نصائحك والاستفادة من أمثال البروف أعلاه أو د. الوليد مادبو أو د. التجاني عبدالقادر أو د. بشير وزير المالية في عهد الديمقراطية الثالثة و غيرهم من الخبراء والعلماء
    حمدوك لا يسمع ولا يقرأ و لا ولا
    لقد جاءه المجد مهرولا فركله و سعى الى الحضيض و استأنس برأي الشيخ خضر و الحريكة
    فلينتظر مصيره مع الهبوط الناعم
    تبا لمن خان دماء الشهداء

  2. كلامك صحيح ومظبوط مية مية لكن تنقص حمدوك وحكومته الشجاعة والارادة السياسية ورضخوا لصعاليك وفاقد تربوي مثل حميدتي والبرهان الذين يحركهم الفلول و محور الشر

  3. والله يابروف الواحد يظل جامدا ولايعرف ماذا يفعل هذه الحكومة؟ .هل هم ليس بمستوي ادارة دولة بحجم السودان؟ ام هم اصلا فاشلين؟ كل شئ موجود في السودان ولا نحتاج لاستدانة دولار ولكن كل منتجاتنا ومواردنا تذهب هبائا منصورا وشعبنا جعان و مرضان ومحتارا في امره؟ ليس لنا وطنيا او عسكريا له ذمة يؤتمن عليه هذا البلد؟واغلبهم ليس لهم ولاء للبلد او لشعبه سواء ان كانو عسكرين او ملكيين وحتي التجار اعماهم الجشع؟ والله في بلدان تجد الشافع يؤدي دوره وكانه مسئول يؤتمن عليه ولكن عندنا ياخسارة؟؟؟؟

  4. كلام ممتاز وفي الصميم وخاصة ما يتعلق بالبروف أبو صالح ولو الأمر بيدي لعينته وزير التواصل والتنمية الاستراتيجية نائباً لرئيس الوزراء وغير قابل للإحالة حتى نهاية الفترة الانتقالية.

  5. كل المقال في المليان …ما عدا فكرة الاستعانة بشخص خان الامانة العلمية …بمنحه شهادة دكتوراة ….لزوجة الرئيس المخلوع الفاسدة وداد بابكر … لا اعتقد ان شخص بهذا الضمير الخرب تصلح الاستعانة به …..ادناه اقتباس من موقع النيلين في مقال للصحفي الجسور …زهير السراج …على الخبر في وقته
    ((لعلكم تذكرون درجة الدكتوراه التي منحتها جامعة كررى للدكتورة (وداد بابكرمضوى) حرم الرئيس المخلوع على رسالتها المعنونة (دور التخطيط الاستراتيجي الإسلامي في تحقيق الأمن الغذائي) .. وكان أحد الضالعين في هذا الأمر الخبير الاستراتيجي الدكتور (محمد حسين ابوصالح) الذى ما فتئ يتحفنا باحاديثه الجميلة عن التخطيط الاستراتيجي كل ما لزم الأمر، وليته يحدثنا مشكورا عن هذا الموضوع المهم ويكشف لنا كيف حصلت الدكتورة (وداد) على هذه الدرجة العلمية الرفيعة، وما ورد فيها من مقترحات وتوصيات لتحقيق الامن الغذائي في بلادنا، لعلها تكون فاتحة خير لفتح هذا الملف المُهم !!.))
    على الرابط ادناه
    https://www.alnilin.com/13075194.htm

    مناظير – زهير السراج
    صحيفة الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..