مايا ورضيعٌ آخر

أحسست بسعادة غامرة عندما سمعت بخبر ولادة مايا ابنة مريم يحيى ودانيال واني وأنها بصحة جيدة رغم ظروف القسوة والبؤس والقذارة التي تحيط بمريم يحيى وهي في سجنها، برفقة ابنها مارتن ذي العامين، تنتظر تنفيذ حكم الجلد عليها ثم شنقها حتى الموت. في قلب مأساة الأم وهي ترزح في السجن (والتي تحاكي في واقع الأمر مأساة مجموع الشعب وهو يرزح في سجنه الكبير) تأتي مايا شمعة صغيرة مشتعلة، تصرخ بوعد الحياة والمستقبل. ولا نعلم كيف سيكون مستقبل مايا: هل ستنشأ وهي محاطة بحبّ أمها ورعايتها أم ستنشأ يتيمة محرومة من دفء صدر أمها وحنانها؟

ووجدتني وأنا أفكر في الرضيعة مايا أفكر في رضيع آخر — رضيع فقد أمه وفمه ملتصق بثديها. وهو رضيع حكى لنا التاريخ عن أمّه لأن حياتها تزامنت مع أعنف لحظة في تاريخ يثرب والجزيرة العربية وهي لحظة صعود دولة محمد. إلا أن التاريخ لم يحكِ لنا عن مصير هذا الرضيع الذي لا نسمع عنه إلا للحظة خاطفة وهو ملتفّ بليل بهيم.

اسمعوا قصة عَصماء بنت مَروان وكيف لاقت حتفها.

يحكي الواقدي:

حدّثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه، أن عَصماء بنت مَروان من بني أمية بن زيد … كانت تؤذي النبي … وتَعِيب الإسلام، وتحرّض على النبي … وقالت شعرا … قال عُمير بن عَديّ بن خَرَشة بن أُمَيّة الخَطْميّ حين بلغه قولها وتحريضها: اللهم، إن لك عليّ نذرا لئن رددتَ رسول الله … إلى المدينة لأقتلنَّها- ورسول الله … يومئذ ببدر- فلما رجع رسول الله … من بدر جاءها عُمير بن عَديّ في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها، وحولها نَفَرٌ من ولدها نِيامٌ، منهم من ترضعه من صدرها، فجسّها بيده، فوجد الصبيّ تُرضعه فنحّاه عنها، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، ثم خرج حتى صلّى الصبح مع النبي … بالمدينة …

ونقرأ في رواية الواقدي أن محمدا قال عندما أخبره عُمير عما ارتكب: “لا ينتطح فيها عَنْزان”، ثم التفت إلى أصحابه وقال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغَيب، فانظروا إلى عُمير بن عَديّ …
(كتاب المغازي، 1966، ج 1، ص 173)

هذا رضيع يقفز من صفحات التاريخ، بلا اسم ولا وجه — ينحّيه عُمير بن عَديّ الذي تسلّل مستترا بظلام الليل لينتهك حرمة مسكن أمه وحياتها ويأخذها منه. والتاريخ، كما نعرف، لا يتوقف عند الأطفال، ناهيك عن أن يتوقف عند الرُّضعاء — وهكذا فرواة التاريخ يصرفون نظرنا في الحال بعد مشهد القتل هذا ليحدثوننا أن عُمير بن عَديّ “خرج حتى صلّى الصبح مع النبي … بالمدينة … إلخ” دعونا لا نفعل ما يفعله التاريخ ولا نخرج مع الرواة ونبارح المشهد، دعونا نتوقف لحظة بإزاء جثة عَصماء بنت مَروان المضرجة بالدماء وأطفالها النيام وهذا الرضيع الذي امتدت له يدٌ في جُنح الليل وأزاحته عن صدر أمه. دعونا نعطي هذا الرضيع حظّه من الاهتمام ونتأمل هذه اللحظة وكأن مركزها هذا الصبي الصغير العاجز الذي لا يعي ما يدور حوله. إن فعلنا ذلك وأحسسنا بالأسى الذي لم يحسّه هذا الرضيع لحظتها (ولكنه أسى لابد أن الزمان اختزنه له في قابل أيامه) فإن ذلك ربما يفتح وعينا لقراءة بديلة للتاريخ تجعلنا منتبهين ونحن نجوس التاريخ لجماجم الضحايا الذين راحوا ضحية عنف الأقوياء في أي مكان أو زمان.
وعندما أفكر في هذا الرضيع الذي غشيه التاريخ لحظة فقده لأمه أجد ثمة خيط يربط بينه وبين مايا التي على وشك أن تفقد أمها. وعندما أقرأ عن تهديد الجماعات الإسلامية بأنهم سيُقيمون الحدّ على مريم يحيى إن استسلمت السلطات لضغط الرأي العام العالمي وحملات التضامن وأطلقتها فإنني أرى عُمير بن عَديّ قد انبعث من رماد التاريخ وعاد شاهرا سيفه منطلقا بين أهل السودان — إلا أنني لا أراه هذه المرة متخفيا متسللا في جوف الظلام وإنما أراه حاملا سيفه في وضح النهار لا يأبه بضمير العالم.
خرجت مايا للعالم وهي “تحمل صليبها” — ولدت مسجونة، وقررت محكمةٌ وهي ما تزال في رحم أمها أنها لن تنعم بها إلا لسنتين وأن يوم فطامها سيكون يوم خروج أمها من العالم، وولدت وهي في سجن آخر اسمه الإسلام لا تملك منه فكاكا طالما بقيت المادة 126 بين ظهرانينا، وولدت وقد حكمت عليها محكمةٌ قبل أن تولد أن تنبذ أمها وتمحوها من ذاكرتها وأن تقطع علاقتها بأبيها وأن تقبل أنها ابنة سِفاح عوقبت عليه أمها بمائة جلدة قبل شنقها. وما نستطيع أن نهمس به في أذن مايا وهي ترضع من ثدي أمها وتلتصق بصدرها أنها ولدت في عالم يحمل الكثير من مظاهر القبح وينضح بالكثير من الكراهية والتعصب إلا أنه في نفس الوقت يحمل قدرا كبيرا من الجمال والحب والتسامح وأن أعدادا متزايدة من الناس في كل بقاع الأرض قد وقّعوا ويوقعون كل يوم المذكرات والبيانات والاحتجاجات التي تساند حق أمها في الحرية والحياة، ونهمس في أذنها وهي تغالب النوم بأنها ربما تكون أفضل حظّا من ذلك الرضيع الذي فقد أمه في تلك الليلة البهيمة في المدينة، ونرى طيف ابتسامة على فمها وهي تستسلم للنوم.

محمد محمود أستاذ سابق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ومدير مركز الدراسات النقدية للأديان.
[email][email protected][/email]

* انطلقت حملات تضامنية عديدة للوقوف مع حق مريم يحيى في حرية الاعتقاد والحياة ويمكن للقراء التوقيع على المذكرة المنشورة في موقع الحوار المتمدن على الرابط:
[url]http://ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=596[/url]

تعليق واحد

  1. قال محمد ناصر الدين الالباني في كتابه سلسلة الاحاديث الضعيفة (13/33) الحديث رقم 6013 حديث موضوع ,اخرجه القضاعي في مسند الشهاب (2/46/856)وكذا ابن عدي (6/2156) ومن طريقه ابن الجوزي في كتاب العلل (1/175) وابن عساكر في كتاب تاريخ دمشق (14/768 المدينة )من طريق محمد بن ابراهيم بن العلاء الشامي حدثنا محمد بن الحجاج اللخمي ابو ابراهيم الواسطي عن مجالد بن سعيد الشعبي عن ابن عباس قال :هجت امراة من بني خطمة النبي بهجاء لها ,قال فبلغ ذلك النبي ,فاشتد عليه ذلك ,وقال من لي بها ,فقال رجل من قومها :انا يا رسول الله ,وكانت تمارة تبيع التمر قال فاتاها فقال لها عندك تمر فقالت نعم فارته تمرا وفقال اردت اجود من هذا ,قال فدخلت لتريه ,قال فدخل خلفها ونظر يمينا وشمالا ,فلم ير الا خوانا ,فعلا به راسها حتى دمغها به, قال ثم اتى النبي فقال يا رسول الله قد كفيتكها قال فقال النبي انه لا ينتطح فيها عنزان ,فارسلها مثلا .
    قال ابن عدي وتبعه ابن الجوزي كهذا مما يتهم بوضعه محمد بن الحجاج قلت (الالباني) وهو كذاب خبيث ,كما قال ابن معين ,وهو واضع حديث الهريسة ,وقد تقدم (690)وقبله حديث اخر له موضوع ,والراوي عنه محمد بن ابراهيم الشامي كذاب ايضا ,كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله ,ولكنه قد توبع ,اخرجه الخطيب في التاريخ(13/99)من طريق مسلم بن عيسي -جار ابي مسلم المستملي حدثنا محمد بن الحجاج اللخمي به,ذكره في ترجمة ابن عيسى هذا ولم يرد فيها على ان ساق له هذا الحديث ,فهو مجهول العين والله اعلم .
    والحديث علقه ابن سعد في الطبقات (2/27-28)باتم مما هنا ,والظاهر انه مما تلقاه من شيخه الواقدي ,وقد وصله القضاعي (2/48/858)من طريقه بسند اخر نحوه لكن الواقدي متهم بالكذب ,فلا يعتد به ,واورد منه الشيخ اسماعيل محمد العجلوني الجراحي في كشف الخفاء (2/375/3137)حديث الترجمة فقط من رواية ابن عدي وسكت عنه فاساء …انتهى كلام الالباني .
    ……………….
    يا اخي تثبتوا بعلم من كلامكم ,فالنبي زكاه الله عز وجل من فوق سبع سماوات وادبه ربه ,وتاتي انت تتهمه بانتهاك حقوق الانسان اين انت من ادني تابعي تابعي تابعي التابعين ,تادبوا!

  2. لم أجد الرابط الذي اراد الكاتب أن يشير اليه بين قصة مريم و قصص صحابة رسول الله ( صلي الله عليه و سلم ) و أتمني للكاتب أن تكون الصلاة علي رسول الله غابت سهواً لا عمداً .

    بالنسبة لي لم أري في رسول الله صلي الله عليه وسلم و صحبه الكرام حباً و تلذذاّ في القتل , بل ما علمت عن الرسول موقفاً الي كان يجتهد فيه لحفظ أرواح مخالفيه و أعداءه , فما سمعنا بطلبه قتل عبدالله ابن سلول , او وحشي , أو هند بنت عتبة , او مشركي مكة عند الفتح , و لم يكن رسول الله رجل طالباً لثأر و قد مكنه ربه من رقاب خصومه .

    اذا اراد الكاتب ان يشير الي الحدود في الاسلام و يعدها تشدداً من رسول الله صلي الله والاسلام فليعلم الجميع و اولهم اساتذة مقارنة الاديان أن الحدود موجودة في الاديان السابقة ( اليهودية و المسيحية ) قبل رسالة الرسول صلي الله عليه و سلم و لم تبدأ من عنده ,و أتباع الديانة المسيحية ( دين مريم )الجديدة ) كان في اعدام القاتل و رجم الزاني و الي أخر الحدود .
    و في نظري و الله اعلم أن سماحة الرسول صلي الله عليه و سلم ربطت اقامة الحد علي الاشهار , اي اذا استتر الزاني بذنبه لم يقم عليه الحد , و لتنظروا الي شروط اثبات الزني في الاسلام , و في واقعة السيدة الغامدية ( عليها رضوان الله ) اذ جاءت للرسول عيه الصلاة و السلام ليطهرها من الزني باقامة الحد , أشاح عنها بوجهه ثلاث مرات و أصرت هي , (و الغالب أن يهود المدينة كانوا حضوراً ) فتحقق شرط الاشهار باعترافها و هذا ظناً منها ان الحد هو طهارة الذنب , و أفهم عن الرسول عليه و سلم ان التوبة عن الذنب و الاستغفار هي الكفارة للذنب , اما الحد فهو علاج للاشهار و الاعلان .

    يا ايها الكاتب لا يجوز خلط الأوراق ببعضها و تسمية الرسول عليه الصلاة و السلام بسلوكنا و فهمنا القاصر لأحكام الدين و هو المحمود عند الله و خير الخلق أجمعين.

  3. السافل محمد محمود أخسأ يا عدو الله فلن تعلو قدرك….أسأل الله الجبار المنتقم أن يرينا فيك وفي أمثالك من المعتوهين يوماً عبوساً قمطريراً….ما كنت أعتقد أن بعض البشر أكثر قذارة من الخنازير حتى أكّد لي هذه الحقيقة السافل المنحط محمد محمود وهو بلاشك أحدهم ….وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

  4. يا دكتور كن أمينا مع نفسك ان شئت أن تلحد أو تسلم أو تدخل انت كذلك المسيحية،،، في عز المعركة عندما تسرع خالد بن الوليد وقتل رجل قال لا اله الا الله أشاح عنه النبي وقال له ان في سيفك رهق ،، رغم أن الميدان ميدان معركة،، ان النبي الذي يقول لا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا شيخ او عجوز ولا تهدموا ديرا في المعارك لا يقول بما اوردته من كتاب المغازي،،، أنت للأسف تقرأ الاسلام بعيون بني أمية وهم الذين انتصروا وكتبوا التاريخ الزائف اذ لم ينسوا موقعة بدر التي دفعوا اليها المسليمن المهجرين دفعا ،،، ثم ما هو رأيك في حرق المسلمين في النار بورما وافريقيا الوسطى في هذا العصر عصر التحضر ،،، نحن نقف مع مريم المسيحية ونؤكد أنه ليس هناك حد ردة بنص القرآن وانما حديث سياسي تم نجره في العهود التي سرقت الاسلام الرسالة على حساب بناء دولهم المسماة اسلامية ،،،

  5. لا حول ولا قوة الا بالله والعياذ بالله وصلى الله على سيدنا محمد الذي أدبه الله وأحسن تأديبه وجعل خلقه القرآن وكان حليما كريما وآخر وصاياه أن استوصوا بالنساء خيرا … اتقوا الله يا عباد الله في رسول الله واستغفروا ربكم وتوبوا اليه … وددت لو لم أرى هذا البوست ولم أرى ما رأيت حيث وقفت عند ما لا يقبله قلبي ولا عقلي… وظننت أن الكاتب قد أخطأ سهوا حتى تأكد لي ما يرمي اليه من تعليقات القراء ونعوذ بالله ونستغفره ونتوب اليه وحسبنا الله ونعم الوكيل اللهم أنت على الظالم …

  6. والله قرات في التاريخ الاسلامي كثيرا وهناك الكثير من الفظائع لكن قصة عصماء دي اول مرة اسمع بيها ، عموما الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ارفع من ذلك وشف ليك مدخل تاني رغم ايماني بعدالة او ان شئت غرابة قضية مريم هذه ، ولكن الرسول الكريم ما تحشرو في الموضوع

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..