الجنائية.. فرصة الدبلوماسية الاخيرة

يبدو ان الحكومة لم تتعظ من الدرس القديم فى الدبلوماسية الحقيقية عندما خاب توقعها بان تناهض الولايات المتحدة الامريكية طلب احالة ملف دارفور بواسطة مجلس الامن الى المحكمة الجنائية الدولية استنادا على رفض امريكا للجنائية وان موافقتها ستجعل السيف مسلّط على رقاب جنودها، وفات على دبلوماسية الحكومة فى العام 2005 ان هناك صفقة تتم في الخفاء يتم بموجبها إصدار قانون يمنع توجيه الإتهام للجنود الأمريكيين في مقابل موافقة أمريكا على إحالة الملف للمحكمة الجنائية، وبما ان الحكومة استندت تماما على رفض امريكا ولم تضع تحسبا آخر فقد تفاجأت بتصويت أمريكا على القرار.
كان متاحا للخارجية السودانية أن تطلب من الصين إستخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار، ولكن لم يتم ذلك الطلب الذي لو تم لجنب السودان كثيراً غير ان الفشل الدبلوماسي لحكومة المؤتمر الوطنى ادخل البلاد كلها فى هذه الورطة التى لا تزال حملا ثقيلا يشكو منه السودان.
الآن جائت فرصة اخرى للدبلوماسية واظنها جائت بعد مخاض عسير واتفاقات فى الخفاء تمت قدمت فيها بعض التنازلات هنا وهناك مثل المواقف التفاوضية والسعى للمصالحة السياسية وبالتالي فان الدبلوماسية يجب ان تركن الى ما تم لان فى طياته فخا كبيرا يمكن ان يعيد الجنائية بوضع اسوأ مما كنت عليه اذ ان عدم وجود قانون يبيح التجميد سيجعل الاتهام قائما وان ادخل مؤقتا في ثلاجة.
ما قامت به بن سودا لايجب ان يُنظر اليه باعتباره تنازلا من المحكمة فالمرأة المدعية تطالب بمزيد من الضغط على السودان وهناك دول ستسعي لتمكين الجنائية عبر هذا الضغط المطلوب هذا بالطبع مع استبعاد نظرية المؤامرة المسيطرة على عقلية المؤتمر الوطنى بغير دلائل ولكن هناك تقاطعات لبعض الدول قد تفع البعض منها لاجبار مجلس الامن الدولى لاتخاذ تدابير من شأنها ان تضغط على حكومة السودان للامتثال لامر المحكمة الجنائية الدولية.
اعادة الملف الى مجلس الامن يمثل فرصة لوزارة الخارجية وامتحان عسير لعلى كرتى وزير الخارجية الذى ظل يردد كل ما اتيحت له فرصة للكلام بان علاقاتنا الخارجية تمضي من حسن الى احسن فها هو القدر يرمى امامه فرصة لو احسن الحشد لها لاعاد الملف كاملا الى منضدة مجلس الامن وبالتالى العودة الى النفقطة الصفرية ومنع ارجاعه الى المحكمة عن طريق حق النقض سواء تم من الصين او من روسيا علىى اعتبار ان العلاقة بين السودان وهاتين الدولتين تمر باحسن حالاتها فى الوقت الراهن.
الحديث عن المحكمة الجنائية والدبلوماسية يعيدنا ايضا الى العلاقات السودانية الامريكية والتى لم تراوح مكانها منذ بداية الحظر الاقتصادى في بداية تسعينات القرن الماضي والتى بالطبع تحاج الى تحركات مكوكية من قبل الدولة وتنازلات عدة تفتح الجسر لسريان المياه المحتقنة تحته حتى نصل لمرحلة الصفو وبما ان الدولة باتت مقتنعة بضرورة تطبيع العلاقات مع امريكا فالتمض الخارجية اذ ان الشعب الذى طالب البرلمان بتهيئته لتقبل التطبيع مهيأ اصلا ومنذ عقود ولكن الحكومة لا ترى ما يراه شعيها وتفعل دوما ما تراه صائباً
تظل الجنائية والعلاقات الامريكية امتحانات للخارجية فهل تخيب ظننا هذه المرة وتحرز درجة النجاح؟؟؟
[email][email protected][/email]