أخبار السودان

“قاسم ترس” شهيد انقلاب البرهان.. مثقف، راكز مقدام لا يعرف التراجع

ظل ينشد مجانية التعليم والصحة ويبغض المتاجرين بالدين

قاسم الصادق موسى جبريل.. إنسان خير يسعى ويكابد من أجل راحة آخر قد ينتظره أو يصادفه على قارعة رصيف مجهول، فهو ونصيراً لذوي الهمم، صديقاً وأباً للأطفال الذين لا مأوى لهم، صاحب رفاقه الصدوق وأخاهم الأكبر، قائداً لا يعرف مطامع الكسب السياسي ولا سبيلاً للوصول إلى السلطة، كان مهموماً بمواجع البلاد ومعاش الغلابة الكادحين، يتحرك كالنحلة يمتص رحيق الأزاهير ليطعم العسل لمن يجده أمامه.. جاء استشهاده في يوم انقلاب البرهان القائد العام للجيش على السلطة المدنية في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م برصاصة اخترقت الجسد من جانب الكلى لتخرج بجانب الرأس، موقع استشهاده بشارع المطار بالقرب من بنك الخليج، الجريدة زارت منزله وجلست مع أسرته ودونت ملامحاً من قصته فإلى الرواية.

رواية: محمد آدم بركة – حافظ كبير

بطاقة

ولد الشهيد قاسم الصادق موسى في 17/9/1993م بمنطقة مايو بمربع أربعة، درس الأساس والثانوي بمدارسها، ثم جمد دراسته وذهب إلى القاهرة، لم يطيب له المقام بعيداً عن وطنه فعاد منها بعد ستة أشهر، تروي لنا والدته (آمنة عبدالرحمن)عن جوانب من حياته وصوتها يقاوم انكسارات الحزن ليستقيم مع ثباتها وهي تقدم للشارع إخوة (قاسم) دون خوف من أن يترصدهم مصير أخيهم المشرف، فتقول: ولدي قاسم عاش مكافح، عمل في تجارة الموية والعصير (الَبَّرِد)، من أجل توفير احتياجاته الشخصية وبناء نفسه، فكان يعمل في كل مجال يتيح له الكسب الحلال داخل الحي والسوق، ففي بدايات حياته لم يعتمد على أحد.

 

ترس مايو

 

في صبيحة فض اعتصام القيادة العامة، جرف البلاد حزن كبير جراء القمع الوحشي الذي تعرض له الثوار من قبل القوات النظامية، فسادت قصة على الحلاقيم بما جرى عقب الانقلاب فبين الشهداء والجرحى ومفقودين لا تزال عودتهم مرتقبة تتباين الأحزان وتتصاعد الآلام، وكانت الأجواء مشحونة بالغبن والحزن الفاجع إذ هو حال جميع الأحياء والمدن في كل أنحاء البلاد.. فمن هنا أطلق على شهيد منطقة مايو وعموم جنوب الحزام (قاسم) لقب (ترس) حيث كان المناضل الأبرز والأكبر عمراً وفكراً بمنطقة مايو الحارة الرابعة، أقدم في إحدى المواكب على قفل الطريق لوحده مستخدماً ماسورة كبيرة مجوفة ثقيلة الوزن (بمبة)، فطاقته التي حملت وزن الماسورة وحدها تقدر بطاقة عشرة رجال أو أكثر، فكان قاسم في ذلك اليوم الصد المنيع لدفار الكجر الذي لم يفلح في العبور إلى الضفة التالية لترس الشهيد الذي نصب نفسه حارساً له بعد أن استطاع قفل الطريق، حين ترجل عناصر الشرطة من على الدفار لإزالة الترس، واجههم قاسم بمقولة الثورة الشهيرة في جانب المتاريس (الترس ده ما بنشال) وأصر على موقفه حتى تعرض للضرب من قبل العناصر، وعندما لاذ رفاقه بالتراجع في جولات الكر والفر التي يتخذها الثوار لإضعاف تكتيكات القوات العسكرية ظل قاسم في مكانه راكزاً دون التراجع، (فركوب رأسه) جعله يسجل موقفاً ينضاف لمواقفه المشهودة، ومنع الكجر من الفلاح في إزالة الترس، فأخذ قاسم لقباً مرتبطاً بنضاله وأفعاله، فأصبح اسمه مرتبط ارتباطا وثيقا بالترس.

 

زول خير

 

شهيد انقلاب البرهان قاسم الصادق إنسان خير، يسعى ويكابد من أجل راحة إنسان آخر قد ينتظره أو يصادفه على قارعة طريق مجهول، فهو نصير لذوي الهمم، صديقاً وأباً للأطفال الذين لا مأوى لهم، صاحب رفاقه الصدوق وأخاهم الأكبر، قائداً لا يعرف مطامع الكسب السياسي ولا سبيلاً للوصول إلى السلطة، كان مهموماً بمواجع البلاد ومعاش الغلابة الكادحين، يتحرك كالنحلة يمتص رحيق الأزاهير ليطعم العسل لمن يجده أمامه، أطفال السبيل الذين يرتادون دار لجان مقاومة منطقة مايو كانوا يسألون عنه عند ولوجهم للداخل فهو الراعي الذي يوفر لهم وجبة تطفيء مجاعتهم وملبساً يحتوي أجسادهم عن فظاعة الشمس الحارقة ولسعات البرد في الشتاء، وكذا الحال مع الفئات المستضعفة ينشط في سبيل توفير ما يمكن توفيره من لوازم ومتطلبات معينة على الحياة.. والدته تقول ليست نادمة على استشهاده، وليست خائفة على إخوته الذين قد ينالوا ذات المصير، وتتابع: هذا طريقهم ولن يتراجعوا، كنت دائمة النقاش معهم فيما سيتحقق خوفاً على ما ستخلفه الأوضاع وقتها، فوجدتهم يناضلون من أجل وطنهم حتى ينصلح الحال لا أكثر، فأنا لست نادمة على استشهاده ولكنني نادمة على إنه قتل من قبل حكومته، وتمضي آمنة في حديثها لتقول: هناك الكثير عرفته عن قاسم بعد رحيله من الناس، هناك من اتصلوا بي وأخبروني بأن قاسم كان يقدم لهم الإعانة والمساعدات في أشكال مختلفة، عادة يستيقظ باكراً قبيل الفجر خاصة بعد أزمة الخبز التي عمت البلاد ظل يتابع عمل المخابز ويعمل على توزيع الخبز للذين لا يحملون الكروت المخصصة لصرف استحقاقهم من الأرغفة كل يوم، ثم بعد ذك يعود لمنزله ويهم بالذهاب لعمله بعد أن يفرغ من معاونة الكثيرين في الحصول على الخبز، وتضيف: نحن كأمهات للشهداء نسأل الله أن ينتقم لنا في حقوق أبنائنا ونشوف في هؤلاء آية وعبرة.

 

فيلسوف مرح

 

والده الصادق يقول أن ابنه نشأ كغيره من الأبناء الصغار في التنشئة السودانية المتعارف عليها، ولكنه تفرد بمزايا قلّ ما توجد في الكثيرين، فهو المبادر الذي لا ينتظر شارة تحرك لأجل فعل ما سيقوم به، ويتابع والده: قاسم مولع بلعبة كرة القدم، ومهووس بالإبداع والفنون، وفي صغره أيضاً كان محباً للعسكرية، فهو دائم التشجيع للآخرين في العمل الجماعي وكبرت هذه الخصلة معه، أساتذته الذين تلقى الدرس منهم في الأساس والثانوية أكدوا على شجاعته وتقدمه الصفوف، فقد كان دائم التقديم للبرنامج في طابور الصباح، فهو الإنسان المرح الذي يحب الحياة ويذرع البهجة في نفوس الآخرين بفكاهته الحاضرة، مثقف ومطلع ومجادل لا يجارى، و (فيلسوف شديد) على وصف والدته، يطرب للغناء ويؤديه على الجلسات (الدكاكينية) في أوقات السمر الخاصة مع بعض الأصدقاء، نشط قاسم قبيل استشهاده في تأسيس المنتدى الثقافي الاجتماعي لتنسيقيات (جنوب الحزام) الهادفة لتقوية الرابط الاجتماعي، فقبل استشهاده بثلاثة أيام كان مستهلاً برنامج المنتدى ومشاركاً فيه، وتعد فرقتي (عقد الجلاد وراي) الغنائيتين من الثوابت عنده في الاستماع إلى جانب استماعه للمطربة نانسي عجاج.

تفصح والدته: لم يكن لي اهتمام بأمر الثورة ولكن قاسم في نقاشاته معي رسخ لي معانيها وحببني فيها، وتعرفت خلاله على المدنية والعسكرية، فمن مميزاته الإصرار على قناعاته وإقناع الآخر بها، وأذكر إنه ينادي باستمرار بمجانية التعليم والصحة، أتمنى من الثوار التماسك والتمسك بالثورة فسيكون التوفيق حليفهم بمن هو مناسب لحكم البلاد، سأتمسك بمطالبة القصاص لابني ومعرفة قاتله لتجري عليه تنفيذ العدالة مهما كان، وعلى رئيس الوزراء الخروج ورؤية من يموتون في الشوارع وأن يوقف هدر الدماء السائلة في كل أنحاء البلاد، على حمدوك فعل ذلك إن كان حقاً يريد بناء السودان وسنكون معه، أما برهان وحميدتي وبقية العسكر اتهامي موجه لهم بقتل ابني، فعليهم تبرئة رقابهم بتقديم القتلة للعدالة وقتها ستكون قناعتي بأنهم لا صلة لهم بقتل الشهداء.

 

مقدام بلا انتماء

 

مقدام في كل الأمور، من فعل الخير إلى درب النضال، سباق ومتطلع، هكذا حدثنا شقيقه أحمد الصادق الذي أكد على جسارة شقيقه الراحل، وقال بأنه نهل منه المضي قدماً في درب النضال وحب الخير للآخرين، ظل يعلي حقوق الشهداء على كل شيء وله مقولة يتداولها دائماً بأن “حق الشهيد في القمة وقبل كل شيء”، قاسم لا ينتمي لأي حزب أو تيار سياسي ولكنه كان يبغض الجماعة التي عرفت بـ(الإخوان المسلمين) ومؤمناً بأنهم يتاجرون بالدين لا أكثر، فكان الأمر الراسخ لديه بقوله “من دون الناس أخرج للتظاهر ليس لأن لي مشكلة مع الدين فقط مشكلتي مع الذين يسيئون للدين بالاستخدام.. لأن دين الإسلام لم يفرض القتل بل نهى عن قتل النفس” فكانت مشكلته مع رجال الدين والعسكر، فهو شجاع ومات على شجاعته وكان قبيل استشهاده يتحدث مع أحد الضباط ويعيب عليهم ضرب النساء وقمعهم بالطرق المهينة صبيحة الانقلاب والتي شهدتها مواكب الثورة السودانية.

الجريدة

‫3 تعليقات

  1. ربنا يرحمه و يغفر له و يجعله من اصحاب اليمين
    (اخترقت الجسد من جانب الكلى لتخرج بجانب الرأس،) غلبنا نفهم مسيرة الطلقة

  2. وناس سلك وفكي منقة جو استوزروا وركبو الانفنيتي والسفريات الخارجية والفنادق الفاخرة والنثريات الدولارية على دماءكم. ولا أحد يذكركم.

    عبث المتاجرة بدماء الشباب للوصول للكراسي

  3. نسأل الله له ولسائر شهداء الثورة السودانية المغفرة والجنة مع الصديقين والشهداء وعاجل الشفاء للجرحي ونسأل الله أن يقتص للشعب السوداني من جميع الانقلابيين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..