نص سردي: بين ضفتين

نص سردي :-
بين ضفتين
هذه ضفة
تلك أُخرى
أكان بين ضفتين ؟…
أثمة جسر ؟…
عمق النهر
ضحالة المرسى
ليل أدلج
موج يتكسر
رمال عطشى
شاطئ أجرد
بلا عشب
وجه الأرض أرقط
مشقق
يبتلع الشق باطن القدم
تغوص
تتوحل
يعلو الوحل الساق
يتلوث ذيل ثوبه
تدافع قدماه الموج المتكسر
تغتسلان
تذوب ذرات الوحل
وسط ماء النهر
تعصف به موجة عالية
أتأخذه اللجة !!؟؟؟….
تتقوس القامة
يتكور الجسد
يصحو
يدب
يتحرك
يضرب الماء بقدميه
يصارع الموج بعضديه
يسبح ضد التيار
يقاوم جيوب المياه الموارة
تصده
تدحره
أينجو !!؟؟….
يرفع يديه
يصرخ
يتمدد الصوت
يستطير
يظل عالقاً بلا صدى
يغوص الجسد المتصلب
يخرج بغتة مندفعاً الى أعلى
يعاود الغوص
يعجز عن الطفو
يشحذ طاقة الإرادة
يشحن جوارحه بدوافع وهمية
يستعدي العزيمة
يستدعي الهمة
يطفو
يلفظه النهر كسمكة ميتة
هل من سبيل للصمود !!؟؟…
* * *
الضفة الأخرى تتباعد
السماء بلا نجوم
السحب تنصب فخاخاً للقمر
الريح تطوي أجنحتها خلف السكون
الجسد ملفوظاً و متروكاً وراء التخوم
يتراخى الموج
يفتر ماؤه
يتسطح
تنساب الروح إنسياباً
تتخلص من أثقال الجسد
تبلغ المبتغى
تدرك المنال
تهيم بين أرجاء الشاطئ
تنوء
تضل
تفتقد همزة الوصل
تعجز عن الفعل
تبحث عن الجسد
يتناءى
بينهما بيد
دونهما قفار
يتشاسع المسطح المائي
تُسد المنافذ في وجهه
تُبتر سبل الوعي
بتداعي سيل مخزون الذاكرة
يتساقط كسفاً كقطع الليل
يهجس
يرهص بالإيهام
يلتبس الأمر
تحتشد الذاكرة
يضيق بمخزونها
تتطاير شظايا
* * *
يظل هناك الجسد مطروحاً على رمال الشاطئ
مهجوراً
سليب الروح
بارد الأطراف
مثلوجها
يستدفئ بحرارة ذرات الرمال
يغط في سبات عميق
تحلق فوقه الطيور الجارحة
يرنو
يهفو
يشبق
تجتاحه رغبة عارمة
تمور
تتموج
تصطخب
تضطرم
تعصف
تزأر
بلا صدى
تتخافت
يعتوره الخوار
الخنوع
الإنكسار
يتهاوى
عديم الأمل
قد من سلالة طين
فاقدة الأبعاد !!!؟؟…. * * *
ثمة معشوقة
تتراءى من بعيد تتشابى أفئدة القلوب لمرآها لكن خالها يُغني عن سؤالها
منتهكة
سبية
مستباحة
رهينة
تُمتطى
تُنهب
تُؤخذ عنوة تستصرخه لا يجرؤ على الفعل
تكاد ترفع الرآية
آخذة في التشظي
سماؤها تتلبد بالإسوداد
تخومها بؤر ملتهبة
أفقها مسدود
سبلها وعرة
* * *
البؤس
البؤساء
المسغبة
الفقراء
أرهاط من المهمشين
أرتال من السيارات
أسراب من الطيور
قطعان من السوام
كل يمضي الى حال سبيله
إلا أرهاط البشر
لا يروحون و لا يغدون
كأنهم مشدودون بحبال وهمية
الى أوتاد قُدت من حجر
أعناقهم مطأطأة
ظهورهم مثقلة
جباهم مغبرة
عيونهم مطفأة
أفئدتهم مكلومة
ألسنتهم مدجنة
أجنحتهم مهيضة
كأنهم كومة من طين مهين
متى تُبعث الروح ؟؟!….
كيف تسقط الأقنعة ؟؟؟!…
في لحظة ما
تخرج نار الدماء
من رماد أكتوبر
تتوقد
يتطاير مستصغر شررها
من النار الكبرى
ليدب الحراك في كومة الطين المهين
الكامن كمون النار في العود
* * *
جسد مسجدى و روح هائمة
ضفة يمنى و أخرى يسرى
تصطخب الأمواج
تهب رياح عاصفة
يصطرع الشريكان
ينكسر المجداف
يتمزق الشراع
يتداخل العصف و الصخب
يعنّف سطح الماء
يستحيل ساحة وغى
يفيض النهر
يتهدم القيف
يغزو فيضه ضفتيه
يباعد بينه و بين صنوه
ينفصلان !!!؟؟…
يتعثر حلول الروح في الجسد
أصار نهراً بلا ضفاف !!!؟؟….

فيصل مصطفى
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. + هذه هي الكتابة الجديدة التى سوف تفتح آفاقاً إبداعية وفكرية جديدة في السودان, والمنطقة ككل.

    + هذا النص, ممتاز ومتجاوز, وطريقته تربك الناقد التقليدي, الذي يريد نصاً يسهل تصنيفه والتعامل معه بالمعايير السائدة.. ويربك أيضاً القاريء ذي الحساسية التقليدية !

    + مرحب بهذا الخط الإبداعي الجديد, من كتابنا السودانيين .. وهو ليسوا بالضرورة أن يكون من الجيل الجديد فحسب (وإن كان هؤلاء هم الغالبية), فهناك كتاب من أجيال مختلفة يسعون الى أفق جديد ويمتلكون المهارات والقدرات والفكر الإبداعي والحساسية الذوقية التى تؤلهم لذلك !!

    + لا مجال تحليل عميق هنا.. لكن الأسئلة الصغيرة خلال النص تشكل معلماً بنائياً مهما داخل النص (بين الضفين), وينشأ النص دلالاته وهواجسه وقضاياه ونقاشاته, من خلال هذ البناء التساؤلي المنتظم.. طريقة ذكية في بناء النص وتوحيد الشكل والمضمون !!

    + كما أن الأفعال المتعددة والمتواصلة تمنح النص إيقاعاً حاراً ودافئاً يساعد في البناء الكلى للنص !!

  2. كم إحتشد إحتشاداً و أنا أقرأ كلماتك
    (هذا النص ممتاز و متجاوز و طريقته
    تربك الناقد التقليدي) !!؟…
    ألا يكفيني هذا ؟؟….
    فقط أسعى أن يجد مبدعينا الشباب
    في هذا الضرب من الجنوح ما يضمر
    أشواقهم للإتيان بما لم تأتِ به الأوائل !!!….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..