وثيقة وهمية

وثيقة وهمية
عبد الحفيظ مريود
* الاقتباس التالي من حديث أدلى به السفير الشفيع احمد محمد ، في كلمته أمام حضور تدشين وثيقة (هايدلبرج) حيث قال: ” إن ما عقد مشكلة دارفور، أنه حيثما نشأت المشكلة لم نرها كما هي، بل توهمناها” وخطورة الاقتباس تكمن في استخدام السفير الشفيع للفعل والفاعل والمفعول به ” توهمناها” حيث ينحاز بصورة واعية الى ضمير الجمع “نا” الذي يشير الى ” مركزية” تعزل نفسها عن “الآخرين” وتنظر إليهم على أنهم محل للفعل والمفعولية، التي تمتد من إلقاء النظرة إليهم، الى منحهم فتات الخبز، أو “فتات الحق” ليتحول الضمير والفعل- فيما بعد العطية والمنح ? الى “أعطيناكم”.
* حسناً.. الشفيع في انحيازه الواعي الى “المركزية” هذه يعترف ? ضمناً- أنه تنازل عن دور الرائي ، الذي يستشرق، الى دور ” المتوهم” ، وهو “توهُم” ما زال يجرجر “مركزية” الشفيع، أيَاً تكن ، حزباً، حكومة، جماعة دينية أو سياسية، الى أتون الحل الخاطئ (وليس المخطئ)، فالخاطئ هو الذي يصر على المضي قدماً في خطئه، حتى بعد أن يتبين له).
* انطلاقاً من ملتقى الفريق ابراهيم سليمان التشاوري ، بالفاشر، وقبل أن تنطلق رصاصة واحدة ظلت “مركزية” السفير الشفيع تتوهم أنها مقدمة على الاختيار الصحيح، دون أن تحرز تقدما يستحق الذكر، فيما تم استغفالها مراراً، حتى على مستوى الثقة العمياء في مواقف دولة تشاد ، قبل موقفها الأخير. وعلى مستوى “تجفيف “المعسكرات ، وعلى مستوى المنظمات الطوعية، لتكتشف أن وراء الأمر أمور بعيدة الغور، وأنها كانت فيما كانت تتخبط ، متذرعة بوعي أغبش (بسبب التوهم الذي أشار إليه السفير) كانت ثمة دولة اسمها إسرائيل تغوص في الرمال، وترتب لقرارات مجلس حقوق الإنسان ، الى محكمة الجنايات الدولية.
* وفي سياق الإصرار على الخطأ ، لا تختلف الدوحة عن إبوجا، نظراً الى إفرازات الرفض المتكرر، سواء بالنسبة الى خليل إو الى عبد الواحد نور.
* أحب هنا، أن أشير الى تجربة عملية كان قد قادها احمد محمد هارون ، والي جنوب كردفان، ووزير الدولة بالداخلية سابقاً، قبيلة الميدوب في شمال دارفور، أفضت الى إرجاع أولاد القبيلة من ” براثن الحركات”. وهي نوع من التجارب التي تتعامل مباشرة مع المشكلة، بعيداً عن “نرجسية المراكز” حكومة وحركات، فالحركات ذاتها يتسرب إليها داء “نرجسية المركز” ، فتتوهم (فعل شبيه بالذي أشار اليه السفير) أن هذه المشكلة، وذاك هو الحل.
* حسناً فعل د. الطيب حاج عطية ومعهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم، بالتعاون مع معهد ماكس بلانكن في الجهد الكبير لإبراز وثيقة (هايدبيرج) .. لكن الوثيقة تظل جهداً أكاديمياً يضاف الى مجمل تفكير المركز والنخب، في قضايا لا “تخصهم” باعتبار أن الفعل الذي استخدمه السفير الشفيع احمد محمد يؤسس لمركزية، ما تزال تغري الناس بالانعزال عن “الجماهير” والانضمام إليه.
* ذلك أن سلامة التفكير تقول إن وقود الحرب ليسوا هم خليل ابراهيم ولا عبد الواحد نور ، دريج ، شريف حرير، احمد حسين، التجاني السيسي، محجوب حسين.. الخ وبالتالي فإن الاتجاهات جميعا الهادفة الى التعامل مع “المراكز” تبقي المعسكرات مفتوحة، والسلاح في أيدي الشباب العاطلين عن العمل، وتفكك أو تستمر في تفكيك الأحزاب والإدارات الأهلية، لصالح “مراكز” أخرى، وهلمجرا (كما يحب الإمام حكيم الأمة أن يقول).
* لكن توهم السفير الشفيع (الذي يحتاج نظارات أكثر سمكاً للنظر الصحيح) يجب أن يزول بإلقائه نظرة الى أروقة وزارة الخارجية، أو كشوفات بعثاتها، ليحدد كم من أبناء دارفور الأكفاء ” يتدرجون” في سلالمها صعداً الى درجة سفير؟؟!! أو إن شاء ليتفحص كشوفات وزارة الدفاع، الداخلين الى الكلية الحربية، الشرطة، الأمن والمخابرات، البنوك، الشركات والمؤسسات “القومية” … هذا قبل أن ينظر في المرعى والكلأ ومسارات الرحل ، والقسمة العسيرة بين “العرب” و”الزرقة” وإعادة النظر في ، أو إعادة الاعتبار لحواكير السلاطين (قدس الله أسرارهم جميعا).
صحيفة الحقيقة