من ذكريات زمن الشموخ أساتذتي(13) أساتذتي(13) عمنا المناضل الكبير حسن محمد عواض

م
ربما لم يكن عم حسن مشهورا على النطاق القومي ولكنه شخصية فذه تأثر بها كل من عرفه وقد تعرفت به لاول مره في بواكير حياتي العمليه بمشروع تركيب مصنع غزل بور تسودان وكان اوانئذ ملاحظا للحدادين وفنيي اللحام وقد أعجبني اسلوبه الابوي وابتسامته الحانيه وهو يعلم ويوجه الشباب من امثالنا(1977) واول مالفت انتباهي في عم حسن كان ملابسه اذ كان يرتدى شورتا كاكيا على الطراز الانجليزي والمعروف سودانيا بالردا اضافة الى شاربه المبروم وبالرغم من فارق السن الكبير نشأت بيننا صداقة متينه زادتها الايام قوة وثباتا
تعلم عم حسن الحداده واللحام على ايدي اسطوات زمان في مصلحة المخازن والمهمات وعمل بها فترة ثم التحق بمصفاة بورتسودان عندما كان العمل بها عزيزا واشبه مايكون بالاغتراب لمستوى مهنيتها العاليه ونوعية عمالتها الممتازه وتقاليد العمل عالية الانضباط على النمط الانجليزي وقد امضى فيها سنين حيث كان من خيرة عمالها وصفوة فنييها ويبدو انه وفي تلك المرحله من شبابه انتمى الى الحزب الشيوعي ولكن شخصيته المستقله ورغبته الطاغيه في التجريب لم تمكنه من مواصلة العضويه الحزبيه الا انه ظل منتميا للفكر الاشتراكي ومتابعا ومؤيدا لنشاطات الحزب
حفلت سنوات عمله بالمصفاة بالصراع الفكري الذي افرزته تجربة الصين الشعبيه ونموذجها الجديد القائم على طبقة الفلاحين اولا الذين تدعمهم البروليتاريا العماليه ثانيا على عكس ماكان سائدا في التجربه السوفيتيه حيث حكم الطيقه العامله والتى تساعدها حليفتها الطبقه الفلاحيه وقد امتلات الاوراق بالكتابات ممن ناصرو كلتا التجربتين ثم ماجرى من حديث عن تجربة التسيير الذاتي اليوغسلافيه وماسمي بالشيوعيه الاوروبيه وقد كان من نتائج ذلك الصراع الفكري هو انقسام مجموعه من الشيوعيين ممن الهبت خيالاتهم تجربة الصين الا ان عم حسن لم يكن ذو علاقه مع كل تلك المجموعات فقد كان يتابع مايجري حوله بدون التزام مع هذا الطرف او ذاك الا انه كان بطبيعته شخص مستقل الراي فهداه تفكيره الى تطبيق نظريته الخاصه في الدمج بين تجربة المزارعين والعمال فتقدم بأستقالته من مصفاء بور تسودان وسط دهشة الجميع اذ كان شعار تلك الايام(ياتشتغل في شل ياترجع منسل))
وبعد خروجه من المصفاه جمع عم حسن مكافأته الماليه واشترى بها مولدا كهربائيا وطلمبات مياه وادوات زراعيه ثم رحل الى اربعات مفتتحا نشاطه بمزرعته التجريبيه وتمكن من حفر بئر وزراعة الخضروات وجمع حوله عمالا زراعيين شارحا لهم برنامجه في الثورة الخضراء وبالرغم من نجاح فكرته الا انه لم يتمكن من الاستمرار فيها لقلة خبرته التجاريه فقد كان كريما متلافا يوزع المحصول على زواره مما اضطره الى التوقف وهو وسط تلك التجربه الفريده فجمع الاته وخزنها بالمنزل وعاد الى المصانع حيث التقيته كما اسلفت بمشروع تركيب مصنع غزل البورت
بعد عام انتقلت الى مشروع تركيب اخر هو مصنع الغزل والنسيج الولي والذي كان له اكبر الاثر في حياتي حيث توليت بعد حوالي عام من عملي هناك مسؤولية ملاحظ العمال فنقلت كل اصدقائي من غزل البورت الى النسيج الدولي وكان في مقدمتهم عم حسن الذي تولى الاشراف على تركيب اقسام التكييف المركزي وبخبرته الطويله اصبح من المحترفين بتلك المهنه ثم تولى مسؤولية ادارة القسم بعد التشغيل
علم عم حسن اجيالا من العمال والفنيين اعتبرو انفسهم بمرتية اولاده وعندما فكر العاملون بالمصنع من العمال والفنيين في تكوين نقابتهم وجدو السند والدعم من عمنا حسن الذي ظل يواليهم بنصائحه وتوجيهاته
كان عم حسن تلقائيا في تصرفاته بسيطا في مظهره واذكرا نني وذات عيدعمال كنت ببص سلالاب متأبطا بيان الحزب حول المناسبه وانا اجلس قريبا من الباب الخلفي للهروب بحملي لدى اول انذار بالخطر اذا بي الاحظ عم حسن جالسا في المقاعد الاماميه فتجاهلته الا انه لمحني بنظره الثاقب فنادى الكمساري ودفع عني تعريفة المواصلات ثم صاح بصوته الجهير (كل عام وانتم بخيرياعبدالله) فتصاممت عنه الا ان جيرانه ابدو دهشتهم فوضح لهم الامر قائلا((اليوم ذكرى عيد الطيقه العامله))ولم يكتف بذلك فالتفت الي هاتفا((ياعبدالله هو الحزب مانزلش بيان وللا ايه))الله يجازي شيطانك ياعم حسن كيف تتكلم هكذا ونحن في فترة السريه والبيان معي فعلا فتجاهلته ونزلت في اول محطه
ظل عم حسن وهو النوبي الاصيل يحن الى وادي حلفا ويحكي مأساة التهجير بتفاصيلها المحزنه وكان يوالي والدته بحلفا بزياراته واذكر انه عاد مرة من حلفا بعد ان اطمأن عليها اثر وعكة اصابتها وعندما سالناه عنها قال((الحمد لله جبنا الدكتور وكشف عليها ولقا كل اجزاءها سليمه والحمد لله))
في اشهر الانقاذ الاولى واخوان نسيبه يكتسحون المؤسسات والمصانع حاملين سيوف البتر والفصل للصالح العام والخاص تم فصلنا اثر اضراب كبير بالمصنع فما كان من عم حسن الا القيام بتقديم استقالته قائلا للمدير((ماذا افعل بالمصنع وقد فصل المناضلون))ثم ارسل الي الف جنيه من مكافأته وكانت مبلغا كبيرا جدا انذاك
واذاء التضييق عليه في العمل عاد الى برنامجه الزراعي الاول حيث نشط في زراعة مزرعة صغيره بسلوم زرع فيها الخضروات وكانت قبلة كل اصدقاءه يقضون فيها اجازاتهم ويعودون محملين بخيراتها وبعد حوالي عام او عامين هجر العمل بالبورت وعاد الى حلفا وبدات اخباره التى تصلنا تقل شيئا فشيئا فهو حينا بالخرطوم واحيان اخرى بحلفا بل وصلنا مرة نبأ كاذب بوفاته الا اننا اطمئننا عليه لاحقا
ولكنه لم ينقطع عن السؤال عن ابناءه العمال واصدقاء مراحل حياته المختلفه
ولا اشك ابدا ان عم حسن الحبيب مازال محتفظا ببشاشته المعهوده وضحكاته المجلجله فهو لايعدم اصدقاء وتلاميذ حيثما حل فهو الانس والبشر والخبره الحياتيه الجميله
عم حسن استاذنا الغالي دامت لك الصحه والعافيه ودمت شامخا كماعهدناك