من دمَّر السكة الحديد؟

عندما يكون الحديث عن تدمير السكة الحديد، فإنه حديث يستحق الكتابة بالدموع، الحديث هنا عن مورد كان يمثل 40%، من ميزانية السودان، بلغ مرحلة التدمير الشامل، الخطوط التي كانت تدر للاقتصاد أموالاً مهولة تحوَّلت إلى أوكار للجريمة..الدمار الذي لحق بهذا القطاع الحيوي خلال فترة حكم الإنقاذ، تعددت أسبابه، وأبرزها، سياسات التطهير التي اتبعتها الإنقاذ بالإحالات الجماعية للصالح العام، عطفاً على الإهمال الذي لحق بهذا القطاع كغيره من القطاعات الحيوية. خلال هذا التحقيق، نحاول وضع يدنا على حقيقة ما جرى لهذا القطاع الذي أصبح تاريخاً.
تحقيق : عبدالله ود الشريف
وتتوالى الضربات القاضية
ويمضي مدير إدارة السكة الحديد قائلاً: (وبعد ذلك كانت الضربة القاضية التي قصمت ظهر السكة الحديد، بل الخدمة المدنية بأكملها عندما جاء مدير عام (أسبق) للسكة الحديد و يتقاضى 34000 جنيه، بأربع وظائف تقاعدية جديدة، كان مرتبه يكفي لتعيين 70 خريجاً، الوظائف التقاعدية التي أتى بها كانت زيادة على الأربع، وظائف الموجودين، والمقررة للقيادات العليا للسكة الحديد، وكانت مرتباتهم تتراوح ما بين 18 إلى 20 ألف، ومن ثم قام بإلغاء سلسلة وظيفية مهمة جداً، فالسكة الحديد لم تكن مختصة بخريجي الجامعات فقط، بل كانت تستوعب كل شرائح المجتمع، فمثلاً وظيفة السواق كان يصلها العامل من وظيفة مساح، وبهذا كنا نستوعب قائد المرحلة الأولية والمتوسطة. أما مكاوي فقد أتى بخريجين من الجامعات ووظفهم في هذه الوظائف، فهو بذلك يكون قد قفل مدخل وظائف لغير الخريجين، فقد أتى بهؤلاء الخريجين بمرتبات عالية وموبايل خط، وعندما قمت بعمل دراسة وجدت أن العائد الذي يأخذه مكاوي ونوابه وكادره هي 3 مليار، وهذا يفوق باقي مرتبات موظفي السكة الحديد. في وقت سابق كان عدد العاملين في السكة الحديد (41000)، أما الآن فقد أصبحوا (7037) فقط، بمعنى أن الخبرة الموجودة في السكة الحديد انقرضت تماماً).
المصادر الإيرادية
ويسترسل محجوب: “أريد أن أبشِّر أن السكة الحديد (النيل وقطار النيل) عندما كانت بكامل أسطولها (بورتسودان، كسلا، نيالا، الأبيض،كريمة، حلفا)، كانت إيرادات الركاب لم تكن تمثل سوى 15% فقط، من الإيرادات، ولا يعتمد عليها إطلاقاً، وتعتبر خدمة للمواطن، وليست مصدراً ايرادياً، المصدر الإيرادي كان البضاعة، فالعربة الواحدة كانت حمولتها 40 طناً.
انتهت الحكومة
قال العم محجوب: إن السكة الحديد انتهت، لأنها في يوم من الأيام كانت حكومة قائمة بذاتها، وكانت تنشىء المراكز الصحية في معظم مدن السودان، مثل: بابنوسة ونيالا وغيره، وفي عطبرة كان لديها مشروع مستشفى، وكان للسكة الحديد مركز ثقافي متحرك وسينما متحركة متجولة. السكة الحديد كانت تقوم بالكثير من الأشياء إنابة عن الدولة والحكومة، وينهي محدثي قوله: “نتمنى من الدولة أن تلتفت إلى السكة الحديد التي كانت في فترة سابقة يعج بها الميناء والنقل النهري والفنادق والمرطبات، الآن كل هذا أصبح ليس له وجود، والنهايات السكة الحديد ”
قال الأمين العام لاتحاد معاشي السكة الحديد، عثمان حسن محمد شنكل، إن السكة الحديد هي لب أي تطوير اقتصادي، فالنقل مهم جداً وحمل مسؤولية انهيار السكة الحديد. ” هذا النظام دمر السكك الحديدية والنقل النهري تماماً ولحق بهما الناقل الوطني الخطوط الجوية السودانية، ومن أكثر ما دمَّر القوى العاملة في تلك المؤسسات)، ويتابع لابد من وضع خطة شاملة للنقل والمواصلات بدراسة كافة البدائل والاستفادة القصوى منها، ويسترسل (لم يبدأ الدمار عند فصل العمال بالجملة.
أول خطوة..!!
كل الكفاءات تم فصلها، والتدمير بدأ عند تعيين أول مدير، ليس له علاقة بالسكة الحديد سنة 1990 لا يعلم عن السكة الحديد شيئاً، ولا حتى ركب قطر، أول قراراته ألغت المحطات البسيطة، ومن خلفه تعاقب مدراء على السكة الحديد.
مجازر السكة حديد
ويسرد شنكل حكاية القطار الذي كان يضم بداخله مقومات مدينة متكاملة بما فيها البوستة والإسعافات الأولية والمكتبة والداية والحلاق ومحطات للترفيه في المناطق الخلوية، ويضيف: إن الإنجليز أفلحوا في أن يجعلوا من قطار السكة الحديد في السودان مدينة جاذبة للمواطنين، فكانت محطة عطبرة تخرج بكاملها لاستقبال قطار الإكسبريس، حيث أن أصحاب المهن لهم أزياء مختلفة، فللمحولجية زي خاص، وكذلك لناظر المحطة والمفتش، ويمضي شنكل: المرفق تعرض لمجزرتين دخل بموجبهما غرفة الإنعاش، فالمجزرة الأولى كانت في العهد المايوي، أما المجزرة الثانية فكانت مع بدايات حكم الإنقاذ وإجراءات الفصل الجماعية التي قامت بها ثورة الإنقاذ لطرد الشيوعيين من السكة الحديد، وفي هذه اللحظة تحدث شنكل بحسرة عن هذا الصرح الذي ضاع بسبب الأنانية والطمع في السلطة، وقال شنكل : إن السكة الحديد شهدت فترات ازدهار كبيرة، وكانت حتى العام 1962م، تقوم بنقل أكثر من 3 آلاف طن، من البضائع، بيد أنها تعرضت لهزات قوية كادت أن تؤدي بحياتها.
وهنا يتحدث شنكل عن تدمير السكك الحديد والذي حمَّله إلى السياسيين في الدرجة الأولى والتي جعلوا من السكة منبراً لحل الصراعات ، ويستطرد شنكل: إن تدمير السكة الحديد تتحمل مسؤوليته كافة الحكومات الوطنية التي تعاقبت على حكم السودان، بما فيها التي حكمت البلاد في العهود الديمقراطية الثالثة، لأن المرفق كان عبارة عن مسرح للصراع السياسي بين الأحزاب ومحل تنافس شرس لخطف ود العمال حتى يكون النظام الحاكم في مأمن، لكن لحكومتي مايو والإنقاذ نصيب الأسد من هذا التدمير، فالرابط بين العهدين هو الصراع الذي كان يدور بين اليسار واليمين داخل المرفق.
التيار
الجماعة دمروا السكة حديد
الجماعة دمروا السكة حديد