السلاح الأبيض لليوم الأسود: صناعة السيوف.. مهنة للاستمتاع ولقمة العيش

كسلا ? عثمان الأسباط
(أبوعامر) حداد شاب اختارت له الأقدار أن يصرخ صرخته الأولى في مدينة كسلا قبل ما يزيد عن الـ(25) عاماً، نموذج يضاف لنماذج كثيرة في البلاد من أناس يكابدون بجهد يوماً بعد يوم من أجل لقمة العيش. يمارس أبوعامر مهنة الحدادة التقليدية في سوق أرض القاش الكبير بكل حيوية، حيث لم تصرفه مباهج الحياة العصرية وزخرفها عن ممارسة مهنة قديمة هي صناعة السيوف والخناجر الكسلاوية، مستخدما طرقا تقليدية ورثها عن أجداده.
(1)
داخل ورشته، تتصاعد ألسنة اللهب من موقد النار، فينهض أبوعامر من مكانه ليستأنف عمله في تسخين قطعة معدن أمسكها بعناية وشرع في الطرق عليها وهي ساخنة.
تبوأت صناعة (السلاح الأبيض) مكانة مرموقة في تراث شرق السودان، وهناك عدة منتجات يصنعها الحداد، لعل أهمها وأقدمها صناعة السيوف.. وتستغرق صناعة السيف الواحد قرابة الأسبوعين. يتكون السيف عادة من جزأين رئيسين هما رئاسة السيف (أو قائمه)، ونصله.. وللقائم والنصل عناصر مهمة لا يكاد سيف يخلو منها، خاصة إذا كان من السيوف العتيقة الأصيلة، إضافة إلى غمد السيف أو قرابة.
(2)
لبسة الشرق عند القبائل الكسلاوية لا يمكن تخيلها بدون سيف أو خنجر يزينها، وثمة كثير من الناس يطلبون سيوفا أصيلة ذات جودة عالية ولمحة جمالية تضفي عليها البهاء وتلفت نظر المارة، يرتبط السيف ارتباطا وثيقا بتفاصيل حياة إنسان الشرق، ومع كل تلك التأثيرات، تعتبر رقصة السيف من الرقصات التي تميزت بها قبائل شرق السودان خاصة الهدندوة والبني عامر الذين برعوا في الأداء الحركي بالسيف نتيجة للمهارات الفردية العالية.
(3)
ولا ينسى الحداد أبوعامر أن يسدي النصح من واقع تجربته مع الحديد والنار فيقول: “أعتقد أنه مع الخبرة يسري لديك نوع من الإحساس وتسود علاقة بينك وبين المعدن فتأسرك مرونته وخفته وجلاء صورته وصوته لحظة إخراج السيف من غمده أو عند لمسك إياه بأصابعك، كما تأسرك حدة قطعه للأشياء على اختلاف أشكالها وأنواعها”.
يعتبر أبوعامر ما يقوم به ضربا من الفن وتقع على عاتقه مسؤولية إحياء مجده التليد، ويضيف: “أحاول إعادة هذا الفن إلى رونقه القديم لأنني لا أصنع السيف كمجرد تحفة بل لاستخدامها سلاحا
اليوم التالي