سحر المكان الحبشي: ماركاتو.. سوق مفتوحة من جامع أنور إلى ماضغي القات

أديس أبابا: عبد الجليل سليمان

مُذ اختارت زوجة منيلك الثاني الإمبراطورة (تايتو بينول) سفح جبل (أونتوتو) موقعاً لنمو (الزهرة الجديدة) عاصمة لإثيوبيا (الحبشة سابقاً)، نهضت بالتزامن في منطقة (كتما) وتعني باللغة الأمهرية وسط المدينة، سوقاً كبيرة أطلق عليها لاحقا (ماركاتو) أي السوق بالإيطالية. الآن تُعد ماركاتو أكبر سوق شعبية مفتوحة في أفريقيا كلها.

(1)

كان النهار (الأديسي) البارد يقترب بنا إلى (العصر)، حين كنا بين يدي ماركاتو، حيث الزحام الهائل يمنحك أكبر لوحة رأيتها في حياتك للتناكب البشري المختلط، أطفال، نساء، صبايا يانعات، شباب، شيوخ طاعنين، كتل بشرية تشتري وتبيع، وتتجول في أزقة ضيقة، أزقة معطونة برائحة عسل النحل، والبهارات الحاذقة، والقات النافذ.

واجهات المحلات يسيطر عليها اللون الأبيض، أو الأبيض المنخرط في الصفرة الفاقعة، الملابس بيضاء محلاة بالأخضر وموشاة بالأحمر، برطمانات تعبئة عسل النحل الطبيعي خضراء، حتى الزنجبيل هناك أخضر.

(2)

السوق التي تنشط في بيع المنتجات المحلية من البن، الثياب، الأحذية، الأواني المنزلية، الخضروات والفواكه، والقات وكل شيء يمكن تصوره أو لا يمكن، تضم بين ظهرانيها المتسعين عشرات الآلاف من المحلات وأضعافها من البشر. وهـأنذا اعبرها وكأنني أتمثل يوم الحشر العظيم، وأحسب فأعجز عن الإحصاء، ها هو موقف التاكسي، البصات الحمراء الكبيرة إلى الأحياء الشعبية، مصفوفات متاجر الملبوسات الشعبية، ماضغو القات، ماسحو الأحذية، الحمالون، المنسربون بينهم يسمسرون على الغرباء بلطفٍ، بمقابل ضئيل وأحياناً بلا مقابل.

(3)

النساء يشكلن هيكل السوق، لا يخلو متجر منهن، هادئات في مفاصلاتهن، ونساء ماركاتو معظمهن (مُحجبات) أو قل يضعن غطاءً على رؤوسهن، وما إن يرفع (جامع أنور) أكبر مسجد في ماركاتو وأحد أبرز معالم (أديس أبابا) النداء، حتى يتجهن برفقة أزواجهن للصلاة ثم العودة إلى متاجرهن. معلم ديني آخر مقابل (جامع أنور)، كنسية أرثوذكسية قديمة وعتيقة، تستقبل صلوات المسحيين.

(4)

لن تخذلك الخطى وأنت في (أديس أبابا) لزيارة ماركاتو، بل ستحثك وتحرضك على ذلك، الجميع هنا يسألونك، هل زرت ماركاتو؟ فإذا أجبت بالنفي يهزون رؤوسهم عجباً، لأن من لم يزر ماركاتو، لم يزر إثيوبيا

اليوم التالي