المستندات توضّح ملكية وزير لوكالة سفر البحر الأحمر.. شبهات التجاوزات تطفو على السطح

مدير عام وزارة المالية: “يمكنكم سؤال المسؤولين باللجنة”
رئيس لجنة الشراء والتعاقد: لا نعرف كيف تم الاتفاق مع الوكالة
الخرطوم: صديق رمضان
رغم أن المادة (75) من الدستور في شقها الثاني، حظرت على شاغلي المناصب الدستورية مزاولة المهن الخاصة، أو العمل التجاري أو الصناعي أو المالي أثناء توليهم المنصب العام، وحظرت أيضاً عليهم تلقي أي تعويض مالي، أو قبول عمل من أي نوع من أي جهة غير الحكومة، إلا أن مستندات رسمية تؤكد أن رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة بولاية البحر الأحمر، الوزير بلل سعيد دقيس محمد، يمتلك وكالة “جود” للسفر والسياحة التي تولت مهمة قطع تذاكر لخمسة فرق رياضية شاركت في مهرجان السياحة والتسوق الحادي عشر بولاية البحر الأحمر الذي كان يرأس فيه اللجنة الرياضية، وهنا يبرز السؤال، هل استغل الوزير منصبه لمصلحته الخاصة أم إن الوكالة ليست مملوكة له.
مهمة أولى:
ثمة أحاديث في بورتسودان تدور حول أن وكالة جود التي تولت عملية ترحيل خمسة فرق رياضية إلى المدينة الساحلية تعود ملكيتها إلى رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضية ، وحتى نستوثق من هذه الأحاديث كان علينا البحث أولاً عن الفواتير التي تثبت أن وكالة جود للسفر والسياحة هي التي أدت مهمة ترحيل الفرق الرياضية من الخرطوم إلى بورتسودان ذهاباً وإياباً، حصلنا على الفاتورة الأولى التي تشير والتي كانت معنونة إلى اللجنة الرياضية لمهرجان السياحة والتسوق الحادي عشر بالبحر الأحمر، يشير بيانها إلى أنها فاتورة نهائية لـ 35 تذكرة عادية ذهاب وإياب، بالإضافة إلى خمس تذاكر أخرى لفريق النادي الأهلي شندي، وتشمل كذلك غير أسعار التذاكر رسوم المطار ذهاباً وإياباً بالإضافة إلى الضريبة لتصبح جملة الفاتورة مبلغ 020،149 جنيهاً .
مهمة ثانية:
أما الفاتورة الثانية والتي كانت بتاريخ السادس عشر من شهر يناير من هذا العام وكانت أيضًا معنونة إلى اللجنة الرياضية لمهرجان السياحة والتسوق الحادي عشر، فقد جاء في بيانها 32 تذكرة ذهاباً وإياباً لفريق المريخ الخرطوم وأربع تذاكر أخرى لذات البعثة الحمراء، أما فريق الهلال الخرطوم فقد بلغت تذاكره 41 تذكرة، وأخيراً فريقا النصر والاتحاد الليبيين بواقع 36 تذكرة لكل فريق وبخلاف قيمة التذاكر ورد في بيان الفاتورة ضريبة القيمة المضافة البالغة 17%، بالإضافة إلى رسوم المطار ليصبح إجمالي الفاتورة الثانية 224،543 جنيهاً .
مستند مهم:
ولكن ربما لا علاقة للوزير بلل دقيس بوكالة جود للسفر والسياحة، تأتي الإجابة هنا من خلال مستند رسمي صادر من سلطة الطيران المدني تحصلت عليه “الصيحة” يشير إلى أن وكالة جود للسفر والسياحة تحمل رقم الترخيص “818” الذي تم إصداره بتاريخ الثالث من يناير من العام 2018 أي في هذا العام، وأن تاريخ الانتهاء الثاني من شهر يناير من عام 2019، وأن رقم سجلها التجاري 97982، وأوضح مستند الترخيص الصادر من دائرة النقل الجوي ويحمل توقيع إيهاب خليل محمد أن صاحبها هو رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة بولاية البحر الأحمر بلل سعيد دقيس محمد، وأن هذا الترخيص صدر بموجب المادة (21ـج) من قانون تنظيم الطيران لسنة 2010.
توضيحات ودفوعات:
حسناً.. تؤكد المستندات الرسمية أن الوكالة مملوكة للوزير الولائي دقيس، وهذا يعني وجود شبهة استغلاله لمنصبه في عمل خاص، فهل هذا صحيح، تأتي الإجابة على لسان ذات المسؤول المتهم، وهو بلل سعيد دقيس محمد الذي يقطع في حديث لـ(الصيحة) بعدم علاقته بوكالة جود للسفر والسياحة في الوقت الراهن، ويعترف بملكيتها في الماضي، أما حالياً فيشدد على أنه لم يعد يمتلكها، مؤكداً بيعها لشخص آخر، وحينما أشرنا إليه بأن تجديد الترخيص هذا العام جاء باسمه وأن هذا يعني عدم تحويل ملكيتها لصالح المشتري الجديد، فإنه يرى عدم تحويل الملكية أمر يخص الشاري، مشددًا على أنه يعي جيداً ان منصبه الدستوري يحتم عليه عدم الاشتغال بالتجارة، لذا اختار بيع الوكالة، موضحاً أن اللجنة الرياضية التي ترأسها في النسخة الحادية عشرة لمهرجان السياحة والتسوق بولاية البحر الأحمر كانت تضم اثنتي عشرة لجنة من بينها لجنة الترحيل التي لم يكن مسؤولاً عنها، كاشفا عن أن اللجنة الرياضية أول لجنة أجرت مخالصة بالمستندات مع وزارة المالية بالولاية، وقال إن الوكالة أعادت إلى وزارة المالية قيمة الضريبة، مجددًا تأكيده بعدم وجود علاقة بينه والوكالة حالياً.واتهم الوزير عددا من الشخصيات الرياضية بإثارة هذا الموضوع لتحقيق أجندة شخصية.
توجيه ورد مقتضب:
إذن فإن رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة بولاية البحر الاحمر، بلل سعيد دقيس محمد، برأ في حديثه لـ(الصيحة) ساحته تماماً بتأكيده بيعه للوكالة لشخص آخر، وهذا يعني عدم علاقته بحصول الوكالة على الحق الحصري لنقل الفرق إلى بورتسودان من الخرطوم، ولكن ثمة سؤال يتولد من إجابة الوزير، لماذا وكالة جود بالتحديد مقروناً بسؤال آخر، هل فازت الوكالة بحق نقل الفرق عبر فوزها في مناقصة أشرفت عليها وزارة المالية إعمالاً لمبدأ الشفافية، حاولت الحصول على إجابات لهذين السؤالين من مدير عام وزارة المالية بولاية البحر الأحمر، محمد أحمد آدم، الذي نفى في حديثه لـ(الصيحة) معرفته بتفاصيل هذا الموضوع، وباقتضاب أوضح أن باللجنة محاسباً ومراجعاً داخلياً يمكن الرجوع إليهما واستفسارهما عن الأمر، وقفل هاتفه دون أن يتيح لي طرح سؤال حول دور لجنة المشتريات والتعاقد، وهي كانت من ضمن لجان مهرجان السياحة والتسوق.
غياب المعلومات:
وجهت ذات السؤال الذي كنت أود طرحه على مدير عام وزارة المالية بولاية البحر الأحمر على رئيس لجنة الشراء والتعاقد بالنسخة الحادية عشرة لمهرجان السياحة والتسوق، عماد هارون، وهي اللجنة التي تم إنشاؤها من أجل ضبط عمليات الصرف في المهرجان، بعد أن ظلت تدور أحاديث كثيرة خلال النسخة الماضية حول وجود شبهة تجاوزات مالية.
في حديثه لـ(الصيحة) فإن رئيس لجنة الشراء والتعاقد، عماد هارون، وحول حصول وكالة جود على حق نقل الفرق الرياضية الخمسة، يشير إلى أن النظام المالي الذي تم وضعه لعمل لجان مهرجان السياحة في نسخته الأخيرة خاصة في النواحي المالية استهدف حصول تنسيق كامل بين اللجان مع لجنة الشراء والتعاقد التي من مهامها طرح العطاءات وتحديد الأسعار على أن تختار منها التي تعتبر جيدة لكافة المشتريات، وذلك لضبط الإنفاق وتسويره بالمؤسسية، وينفي هارون اتصال اللجنة الرياضية بلجنته حول تذاكر الطيران، وقال إنهم لا يعلمون طبيعة وكيفية التعاقد أو الاتفاق أو اختيار وكالة جود للسفر والسياحة، مبينًا أن اللجنة الرياضية لم تتواصل مع لجنة الشراء والتعاقد، ويرجح هارون أن يكون السبب المباشر في عدم تواصل اللجنتين حدوث مشكلة بينه ورئيس اللجنة الرياضية الوزير بلل سعيد دقيس، ويضيف: اللجنة الرياضية رفضت الانصياع لقرارات وموجهات لجنة الشراء والتعاقد، وكانت تؤدي عملها بمعزل عنا، وخلافي معه لم يكن شخصياً بل كان خلال مداولات اجتماع عن الميزانية، وحينما احتد معي في النقاش حاول أن يعتدي علي بكوب، وكان عليه أن يفصل بين الخاص والعام .
الإجراءات الطبيعية:
إذن فإن عماد هارون ينفي أن تكون لجنة الشراء والتعاقد هي التي منحت الحق الحصري لوكالة جود لنقل الفرق الرياضية الخمسة، سألناه عن الإجراءات التي كان يجب اتباعها في مثل هذه الحالات، فأشار إلى أن الذي كان يفترض أن يحدث هو أن تعلن لجنة الشراء والتعاقد للوكالات وشركات الطيران عن حاجتها لترحيل فرق ووفود عبر الطيران من الخرطوم إلى بورتسودان ذهابًا وإياباً، وبعد أن تتلقى اللجنة الطلبات كما يشير هارون تعقد اللجنة اجتماعاً لاختيار أفضل العروض بحضور اللجنة الرياضية، وقال إن هذا هو الإجراء المالي المعروف والمتبع، مبيناً معرفتهم بأمر وكالة جود بعد تصديق الشيك، ويعتقد أن المخالفة تكمن في عدم خضوع أمر اختيار الوكالة لإجراءات الشراء والتعاقد لمزيد من الشفافية ولاختيار أفضل العروض المالية، ويلفت إلى أنه كان من الممكن التعامل المباشر مع شركات الطيران، التي قال إنهم تعاملوا معها من قبل، وقد خفضت مبالغ مقدرة، وعلى النقيض من ذلك، فإن الوكالات ـ والحديث لهارون ـ تتحصل عمولتها في كل تذكرة بالإضافة إلى القيمة المضافة، مؤكدًا تحمل وزارة المالية بالولاية جزءاً من المسؤولية لأنها كان يجب عليها المطالبة بتقديم ثلاثة فواتير، وينفي عماد هارون معرفته ترحيل الوكالة لوفود أخرى بخلاف فرق كرة القدم، قاطعاً باستغلال الوزير لمنصبه الدستوري
نظرياً وعملياً:
نظرياً فإن الوزير بلل سعيد دقيس يبدو قد استغل منصبه، وذلك بحسب مستند الطيران المدني الذي يؤكد أنه صاحب الوكالة بحسب الترخيص الذي تم في شهر يناير من هذا العام، أما علميًا فقد نفى علاقته بالوكالة مثار القضية، ولكن حديث رئيس لجنة الشراء والتعاقد ونفيه القاطع معرفتهم الكيفية التي تم التعاقد بها مع الوكالة، فإنه يعضد من أحاديث الشارع البورتسوداني الذي يرى أن ثمة مخالفات مالية ظلت تصاحب مهرجان السياحة والتسوق، والقول الفصل في هذه القضية لدى مدير جهاز المراجعة القومي الذي وفي آخر تقاريره أشار إلى وجود مخالفات مالية في نسخ ماضية للمهرجان، فهل سيحوي تقريره القادم أيضًا تجاوزات؟
الصيحة.