مقالات سياسية

سَفَه الإسلاموي على جماجم الجيش والشرطة السودانية!

د. فيصل عوض حسن

دَارَ جدلٌ واسع حول عدد من التعديلات الدستورية التي أجراها المُتأسلمون في دستور السودان لعام 2005 المُجاز عقب اتفاقية نيفاشا، وبصفةٍ خاصَّة التعديلات التي أجروها حول جهاز الأمن (بما يحويه من مليشيات الدعم السريع) واعتباره قوة نظامية (قومية) مهمتها رعاية الأمن الوطني (الداخلي والخارجي) ورصد الوقائع المتعلقة بذلك، وتحليل مغازيها وخطرها واتخاذ تدابير الوقاية منها. فضلاً عن القيام بمُكافحة المُهدِّدات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية كافة، والإرهاب والجرائم عبر الأراضي الوطنية بالتنسيق مع القوات النظامية الأخرى (التي لا ندري ما هي مهامها عقب هذه التعديلات)! مع تبعية الجهاز لرئيس الجُمهُورية (مُباشرةً)، وإنشاء محاكم خاصَّة به لها تشكيلاتها واختصاصاتها وسلطاتها وإجراءاتها وخدماتها القانونية! ومن بين أهمَّ النصوص الغريبة الواردة في التعديلات الأخيرة على سبيل المثال: تكون خدمة الأمن الوطني خدمة مهنية تركز في مهامها على جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات المعنية، وهي تتقاطع مع النص القائل: ينشأ جهاز الأمن الوطني ويختص بالأمن الخارجي والداخلي ويحدد قانون الأمن تكوينه ومهامه!

وُجِهَتْ هذه التعديلات الموصوفة بـ(غير القانونية) بموجة عالية من الاستهجان وعدم الرضا من قطاعاتٍ واسعة، سواء قوى سياسية أو من الجماعات المدنية والقانونية أو الأفراد، باعتبارها جرت في إطارٍ من السرية دون استصحاب لآراء الغالبية، وتفصيلها لتخدم أهداف ومُوجِّهات المُتأسلمين المُسيطرين على البلد وتعزيز هذه السيطرة! وهي تفوق بكثير التعديلات التي تمَّت عام 2009 بصلاحياتها القمعية وحصاناتها السافرة المُحصنة لأفراد الأمن ضد المُحاسبة والعقاب. وبعيداً عن التحفُّظات العديدة التي شملتها هذه التعديلات كصلاحية تعيين وعزل الوُلاة وحصرها في رئيس الجُمهُورية و(حَجْبْ) حقوق الولايات في هذا الجانب، والإخلال بمضامين الحُكم اللامركزي، تبرز الخطورة في الصلاحيات الواسعة الممنوحة لجهاز الأمن ومهامه! حيث أصبح قوة نظامية (تُوازي)، بل تفوق، كلاً من القوات المسلحة والشرطة معاً، ولها الحق في إنشاء قوات تابعة لها كمليشيات الدعم السريع بما لديها من أسلحةٍ وتدريبٍ عالٍ يفوق القوتين (الجيش والشرطة)!

فالمعلوم بالضرورة، عالمياً وإقليمياً ومحلياً، أنَّ القوات المسلحة هي عماد الدفاع عن أمن الدول براً وبحراً وجواً، ويتم تشكيلها وتسليحها وتدريبها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تضعها الدولة المعنية، بفئاتها أو وحداتها المُتنوعة (برية، جوية، بحرية …إلخ). ويأتي على رأس مهام أي قوات مُسلَّحة (جيش) حماية الدولة من الاعتداءات الخارجية، والمحافظة على حدودها البرية ومياهها الإقليمية, ومجالها الجوي، وأحياناً المُساعدة في السيطرة الأمنية الداخلية في حالات الثورات أو الانتفاضات الشعبية وغيرها إذا تقاصرت قدرات أجهزة الأمن الداخلي (الشرطة تحديداً كما سيرد أدناه). وقد تتدخَّل الجيوش لأداء مهام مدنية أخرى أيضاً لمُواجهة بعض الظروف والأحوال الاستثنائية كالظروف الطبيعية غير المواتية (أعاصير، فيضانات، حرائق، زلازل…. إلخ)، وتبقى تدخُّلاتها في هذه الجوانب في إطار هدفها العام وهو حماية الدولة أو المجتمع ككل.

أما الشرطة، فتعمل (داخلياً) دعماً لتحقيق العدالة الجنائية كالمحاكم والسجون والمرور، وبمعنىً آخر المُساعدة في تطبيق القانون الجنائي في ما يخص الجرائم المهددة للمجتمع كالقتل والسرقة وغيرها، عبر التحقيق والبحث عن المجرمين ثمَّ تقديمهم للمحاكمة والإشراف على تنفيذ العقوبات الواقعة بشأنهم، وما أقرَّه قانون شرطة السودان لعام 2008 في فصله الثالث بشأن المبادئ العامَّة للشرطة والتي من أهمَّها أنَّ الشرطة قوة نظامية خدمية مُهمَّتها تنفيذ القانون وحفظ النظام، مع الالتزام بسيادة حكم القانون وتعزيز واحترام حقوق الإنسان وفقاً للدستور، بالإضافة إلى إحترام الأديان والمُعتقدات، وأداء الواجبات بحيادية ونزاهه وفقاً للقانون والمعايير القومية والدولية المقبولة. وأمَّا في شأن أهداف الشرطة، فيأتي على رأسها المحافظة على أمن الوطن والمواطن وتنفيذ القانون وحفظ النظام، وتحقيق الأمن (الداخلي) للبلاد والمُساهمة في تحقيق الأمن (القومي) بالتنسيق مع الأجهزة المختصة، وتحقيق التعاون الدولى والإقليمى والثنائى فى مجال مُكافحة الجريمة. ولا يزال قانون الشرطة هذا للشرطة المُجاز في عام (2008) معمولاً به حتَّى الآن، أو على الأقل لم يُعلَنْ عن تعديله أو إلغائه!

وبالنظر للتعديلات الدستورية الأخيرة تتضح خطورتها التي ترتقي لمُستوى الوصف بالكارثة عقب إلغائها لدور كلٍ من القوات المُسلَّحة (الجيش) وقوات الشرطة، وتغوُّلها على اختصاصاتهما وفق ما استعرضناه أعلاه، بل وخلق اختلالات دستورية وقانونية في هذا الخصوص! ففي ما يخص التغوُّل فهو يبدأ من تعريف جهاز الأمن الوارد في التعديلات الجديدة باعتباره قوة نظامية (قومية) مهمتها رعاية الأمن الوطني (الداخلي والخارجي) ورصد الوقائع المتعلقة بذلك، وتحليل مغازيها وخطرها واتخاذ تدابير الوقاية منها. فضلاً عن القيام بمُكافحة المُهدِّدات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية كافة، والإرهاب والجرائم عبر الأراضي الوطنية بالتنسيق مع القوات النظامية الأخرى! وهنا يجمع مهام كلٍ من الجيش والشرطة! وأمَّا التضارُب يعكسه النص القائل (تكون خدمة الأمن الوطني خدمة مهنية تركز في مهامها على جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات المعنية)، بجانب النص القائل (يُنشأ جهاز الأمن الوطني ويختص بالأمن الخارجي والداخلي ويحدد قانون الأمن تكوينه ومهامه)!

سواء كان هذا أو ذاك، فقد أفصح المُتأسلمون عن توجههم الرامي لتهميش الجيش والشرطة معاً، مهما تدثَّروا بعباراتهم الممجوجة أو مدحهم الـ(فاتر) لهما، والذي لا يكون إلا في حالات انهزامهم وضيقهم، ليدفعوا بأبناء هاتين القوتين (الجيش والشرطة) إلى أتون حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وضد أفراد شعبهم، تحت مُسمَّيات مُختلفة كالجهاد وما شابه، ثمَّ يتخلُّون عنهم ويحرمونهم من حقوقهم بتجبرٍ وصلف. ولا أدل على ذلك، من احتفائهم بذكرى وفاة من يُوالونهم، وتجاهل أبناء الجيش والشرطة طيلة حكمهم الأسود! وفي ذات الوقت، يحيا أفراد الأمن ومن شايعهم بخيرات البلد، وعلى جثث و(جماجم) القوات المسلحة والشرطة والشعب أجمع. والأمثلة على تجاهل المُتأسلمين للجيش والشرطة كثيرة، آخرها هذه التعديلات التي لم تدع مجالاً لأدنى شك تجاه تهميش الإسلامويين للجيش والشرطة والشعب السوداني أجمع، باعتبار أنَّ هاتين القوتين رموز وطنية لا يجب المساس بهما، ولا يجوز مُجرَّد التفكير في تهميشهما بالنحو الذي حوته التعديلات (التخريبات) الدستورية الأخيرة.
ها أنتم يا جيش وشرطة السودان ما زلتم تُقاتلون أهاليكم وتقتلون و(تُقْتَلُون)، خدمةً لطلاب المُغامرة و(عَبَدَة) الشهوات تحت شعار الجهاد! ولا ندري من الأحق بالقتال والجهاد؟ أهو الكاذب والقاتل والمُغتصب والانتهازي والخائن (بترك أراضي بلده للمُحتَلْ) أم المدنيين من أبناء السودان؟ فلو كان هناك عدلٌ وإحسانٌ في السودان لسكتنا وأيَّدنا فرض هيبة الدولة وقومية الجيش، الذي كان يضم في يومٍ ما كل أبناء السودان دون تمييز، يُقاتلون في صفوفه إيماناً بقومية هذا الجيش التي وأدها المُتأسلمون الآن! قفوا مع أنفسكم وذواتكم فلمصلحة من تُقاتلون ولماذا؟ ومتى ستهبون لإنقاذ أنفسكم وشعبكم وبلدكم؟ أين أنتم من قوات الجيش والشرطة الحُرَّة التي هبَّتْ على أنظمتها المُتجبرة وأنقذت شعوبها وأوطانها وسجَّلوا تاريخاً بحروفٍ من ذهب؟!

نُخاطبكم اليوم مُستصحبين آخر ما فعله المُتأسلمون بمجموعة من ضباط الجيش اليافعين أو من ذوي الرُتب المتوسطة، والاستغناء عنهم بصورة مُفاجئة، رُبَّما رهبةً من أمرٍ ما أو بإيعاز من مجموعة أو تصفية لحسابٍ مُشترك (لا يهم) المُهم هو سهولة الاستغناء عن رفقاء دربك بجرة قلم، وأنتم في مرمى هذه الأقلام بلا شك! مما يُحتم تحرككم لإعادة الهيبة للمُؤسَّسة العسكرية السودانية بصفةٍ عامَّة، والجيش بوجهٍ خاص. ونحن لانتجنَّى عليهم، فها هي ذي الحقيقة (أمامكم)، وها هو ذا السفور الإسلاموي يطالكم، بعد ما أذاق شعب السودان صنوف القهر والهوان مُتسلقاً على أكتاف من سبقوكم وأكتافكم من بعدهم، فهل ستصمتون أم تخوضوا حرب الكرامة الحقيقية كما فعل غيركم في الدول القريبة؟ فالسودان في مُفترق طرق، ومع كل يوم يتأكَّد الصلف الإسلاموي بعدم (تركهم) السودان وشعبه إلا ممزقين ومُدمَّرين. وليكن معلوماً بأن النهاية آتية لا محالة، وشعبكم بدأ يتململ والانتفاضة والثورة آتية، فاختاروا الجانب الصحيح.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هذا ليس له غير معنى واحد وهو الغاء المؤسسة العسكرية. هذا الجيش ذو التاريخ الحافل بالامجاد الذي شهد له الاعداء قبل الاصدقاء بالبطولات والحرفية هذا طبعا ان تمتد اليه معاول الهدم والتصفية. فالتصفية بدأت منذ اليوم الاول لانقلاب الانقاذ واستمرت عبر 25 عاما الى ان وصلت مرحلة الاحلال وذلك بالغاء دور الجيش واعتماد الجنجويد ليقوم مقامه. ترى هل يرضى الجنود والضباط بالقوات المسلحة بهذا الدور الجديد للجيش أي الجيش الديكوري الذي يستخدم فقط للمراسم والاحتفالات ؟؟؟؟؟؟؟؟

  2. تجربة الولاه المنتخبين ان اصل الحكم هو العدل،. كيف ومن اين أتي هؤلاء الولاه، لقد تم تعينهم وتمكينهم من الخرطوم وهم بدورهم قاموا بتشكيل مجالس تشريعية من أنصارهم واتباعهم ليكونوا مراكز داعمه لهم ، مدعومين بقوة السلطه و أموالها الحكومية واموال الذكاة ،، ان كل أدوات ونفوذ السلطه من اختصاص الوالي وذلك بنص الدستور الولائي الذي صممه الوالي هو ومجلسه التشريعي .المجلس الذي اختاره بعنايه ليضمن الولاء الكامل ،، له شخصيا قبل التنظيم وقبل عدالة الحكم اعطي نفسه سلطه مطلقه ومفسده بلا حدود بدون رغيب او حسيب ، ووضع تحت مظلته القضاء و الشرطه و القوات المسلحة كلها تعمل لإرضاء الوالي وإلا مصيرهم النقل او الإحالة للمعاش لانه فقط المطلوب من الوالي ان يتهمهم بعدم التعاون وعدم التجاوب مع الحزب المحروس
    ثم جات الانتخابات وتم اختيار المرشحين بعنايه و هم اكثر الناس ولاء للوالي وتم تمويل الانتخابات بكثير من الاموال الحكومية بدون حسيب او رغيب وعليه انفرط العقد حتي ظن بعض الولاه أنهم ملوك علي ممالك وليس ولايات ، أفسدوا ودمروا حتي طابقوا القول ما دخل الملوك قرية إلا أفسدوها. ، ودمروا النسيج الاجتماعي واثاروا الفتنه بين القبائل وكل ذلك لمصلحتهم الشخصيه ،وأصبحت لهم حاشيات واتباع وهل سمعتم بالايلاب وهم اتباع محمد طاهر ايلا والي البحر الاحمر وهل سمعتم بغلمان ايلا ،هل سمعتم بالتجسس وكثير من المشاكل الشخصيه لبعض هولاء الولاه وهل سمعتم بأولاد مكتب والي الخرطوم وهل سمعتم بالإمبراطور كبر وسوق المواسير واحمد عباس ومغامرات والي كسلا الصبيانيه وهلم جرا من الوسخ ونتانة الأجساد وألزمم .اما القضارف فاسألوا عنها شهيد السلطه كرم الله.
    لقد استقل هؤلاء الأشخاص العمل الحزبي والتمكين السياسي لصالحهم حيث لارغيب ولا حسيب عليهم لأنهم منتخبين من الشعب ولا تستطيع أي قوه في الأرض من ازاحتهم .
    هؤلاء الولاه هم من تعين و تمكين الخرطوم الذين خرجوا عليها ولم يكونوا محل الثقه لان سلطتهم كانت مطلقه ،مع العلم ان رئيس الجمهوريه ليس له سلطات مطلقه مع وجود القانون.
    مع وضع دستور يثبت ان اصل الحكم هو العدل وانتخابات نظيفه بعدها يمكن ان يعاد انتخاب الوالي وذلك لتقليص الظل الإداري وأهل مكه ادري وأحق بشعابها.
    ولابد من تجفيف الخراب والفساد الذي قام به هؤلاء المجرمين و وعمل دستور حقيقي ومحترم بعده يتم انتخاب الولاه بحريه وعداله…

  3. فعلا تكوين شاذ وغريب لا يحق للبرلمان (الصورة )عديم الشخصية (اعصاؤة)استدعاء ومسائلة مديره وهي لم تذكر ف الدستور المنفلت الغير معترف من صانعية انه تكرس كل شئ للبشير حتي اراواحنا ومعاملاتنا الاجتماعية من فرح لكرة انها بداية سقوطة المدوي ما دام يريد ان يفعل ويعمل كل شئ هو الرئيس ونائبة والوزير والسفير والخفير والموظف والعامل والدكتور من يعمل كثيرا يغلط اكثر دعوه يلبس ما فصل له من ترزية العسكر بدرية والله نافست عابدين عوض الله يرحمة

  4. اذا لم يتحرك ما تبقى من الشرفاء ( قادة و ضباط و جنود ) في الجيش السوداني و يقاف هذه المهزلة و العبث الصبياني الذي دمر و لا زال يدمر الجيش منذ ربع قرن من الزمان البائس الكئيب — اذا لم يتحركوا الان قبل الغد — مصير جيشنا سيكون أسوا من حال الجيش الليبي في عهذ الهالك القذافي الذي استبدله بكتائب من المواليين له و من المرتزقة الافارقة و علي قيادتها ابنائه الخمسة — و لو لا تدخل حلف الناتو لاباد القذافي نصف الشعب الليبي — مهازل عمر البشير و وزير دفاعه المرعوبين من المحكمة الجنائية الدولية لا يهمهم ابدا من قريب و لا من بعيد ان يكون جيش في السودان او لا يكون و كل همهم ان لا تطالهم يد العدالة — الشعب السوداني يحمل الجيش السوداني و بالتنسيق مع الجبهة الثورية مسؤلية الخلاص من هذه العصابة المجرمة —
    الجيش السوداني لا يفوتكم شرف تنفيذ نداء السودان علي ارض الواقع — و بالغة الجيش ( بيان بالعمل ).

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..