زيت المدرعات المصرية.. بخيال السخرية

أهلنا بقولوا (الشينة منكورة).. ولكن الإنكار نفسه له أصول، ويجب أن يكون مبنياً على أساس مقنع بالمعلومات والاستدلال خاصة حين يكون الاتهام المراد إنكاره هو اتهام مسنود بدلائل ماثلة.
هذا هو الذي افتقدته تصريحات الرئيس السيسي في الرد على الاتهام المباشر الذي وجهه الرئيس البشير لمصر بدعم المتمردين في هجوم شرق دارفور.
البشير لم يطلق اتهامه جزافاً بل تحدث عن أن القوات المسلحة والدعم السريع غنمت مدرعات ومركبات مصرية استخدمها متمردو دارفور في هجومهم، الأحد الماضي على ولايتي شرق وشمال دارفور.
ومعروف الفرق بين مدرعات عسكرية وبين سيارات مدنية أو أية أشياء أخرى يمكن للمتمردين الحصول عليها من السوق.
هل لديكم معرض مفتوح للزبائن لبيع المدرعات والأسلحة التي تقومون بتصنيعها مثلاً؟!!
أم ما هي القصة بالضبط.. وكيف حصل مناوي ومن معه على مدرعات عسكرية مصرية؟
هذا السؤال لم يجب عليه السيسي في سياق إنكاره للفعل القبيح الذي قام به وراح يحكي لنا عن أخلاق النظام المصري بكلام إنشائي على شاكلة (مصر لا تقوم بهذه الإجراءات الخسيسة)..
بل حاول التعريض بالسودان وهو يقول (إحنا بندير سياسة شريفة في زمن عز فيه الشرف، لها وجه واحد ومصر عمرها ما هتكون ديل لحد)..
وكلمة (ديل) هذه يقصد بها تابع وبها إشارة لعلاقات السودان الأكثر خصوصية مع دولة قطر، وإشارة أيضاً لعلاقات السودان مع السعودية ودول الخليج.
وهذه محاولة تعريض لئيمة ومحاولة لتشتيت الكرة والهروب من تقديم رد مقنع يبرر حصول المتمردين على مدرعات مصرية الصنع دخلوا بها من جهة ليبيا التي يرتفع مستوى التنسيق العسكري بين جنرالها حفتر والحكومة المصرية.
الشعب السوداني تعوَّد على هذا النوع من المؤامرات من دول الجوار المختلفة.. وصار الخيال الشعبي يتعامل معها بأعلى درجات السخرية التي تستوعب الأزمة في مدرجات الكوميديا ومسرح الضحك.
وقد طالعت أمس تعليقات سودانية ساخرة وبوستات لطيفة على الفيس بوك.. أحدهم وضع صورة للمدرعات المصرية التي غنمها الجيش السوداني وكتب تعليقاً يقول (يا السيسي الجيش السوداني بسلم عليك، ويقول ليك آخر مرة غيرت زيت المدرعات دي متين وكان الغيار بي مصفى ولا بدون مصفى عشان عندنا بيها شغل.. وآخر طلب من السيسي إرسال (المفاتيح الإسبير).. وثالث طالب بإعادتها للمصريين عبر معبر أرقين التزاماً بحظر استخدام المنتجات المصرية في السودان الشعب السوداني ليس غاضباً منكم).
محزن جداً أن تصل علاقات السودان مع مصر إلى هذا المستوى بسبب أفعال وتصرفات رعناء ليس بها أدنى حس سياسي دعك عن وازع أخلاقي.
كثيرون من محبي مصر والذين لا زالوا بقلبٍ نبيل يقاومون رياح الكراهية والتكريه التي تفرضها عليهم مناخات الغباء السائدة في مطبخ القرار المصري.. كانوا ينتظرون من السيسي أي مخرج مقنع يبرر وصول تلك الآليات العسكرية المصرية إلى أيادي هؤلاء المتمردين عن طريق الخطأ أو عبر طرف ثالث أو أي حديث آخر غير الحديث الهوائي الفارغ الذي تحدث به.
وحتى هذه اللحظة نعتقد أن الحكومة السودانية قد التزمت بأعلى درجات ضبط النفس وضبط اللسان ولم يخرج حديث البشير عن صيغة العتاب بلا تعريض واللوم بلا تهديد.. وهذا سيحفظه التاريخ حين تأتي لحظة الجرد والكتابة حول أغبى الأنظمة التي حكمت مصر.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالي