( وظائف للعندو ضهر)

أسماء محمد جمعة

حوالي خمسة آلاف خريج قدموا لوظائف في وزارة الخارجية عبر لجنة الاختيار وسيجلسون للامتحان منتصف الشهر الحالي، الامتحان يتكون من ثلاث مراحل تشمل المقابلات الشخصية والإمكانات الأخرى وجزء منه سيكون الكترونيا لتحرى أكبر قدر من الشفافية حسب كلام لجنة الاختيار التي قالت أيضا إنها تهدف لعدم التدخل البشري في عملية الاختيار للخدمة العامة مستقبلا.. السؤال الذي يفرض نفسه هنا هل لجنة الاختيار تراعي الشفافية فعلا عند اختيار المتقدمين للوظائف أي كان نوعها؟ قطعا الإجابة لا، و لا أعتقد أن هناك أحدا سيخالفني الرأي أن قلت إن لجنة الاختيار تعلن عن الوظائف من باب (شوفوني) لتقول للمواطنين إن الحكومة تختار موظفيها بشفافية، وفي الحقيقة الأمر ليس كذلك وأغلب الوظائف في المؤسسات مثل (الخارجية) يتم اختيار الناس لها مسبقا ليس لأنهم مميزون أو يملكون إمكانات تفوق غيرهم بل لأن لديهم واسطة قوية تدعمهم تسمى (ضهر) وهذا ليس اتهاما وإنما شهادة بتجربة مررت بها شخصيا ولست وحدي من يشهد فكثيرون يمكنهم أن يدلوا بشهادتهم وقد حفيت أقدامهم وراء لجنة الاختيار في حين أن هناك آخرين أتتهم الوظائف تسعى فقط لأن لديهم (ضهر).

في آخر أيام وزير الخارجية مصطفى عثمان إسماعيل أعلن عن وظائف (سكرتيرين توالت) تقدمنا لها أنا ومعي عدد من الزميلات وجلسنا للامتحان وكله كان كتابة، لغة إنجليزية، ولغة عربية وعلاقات دولية وأبلينا فيه بلاء حسنا حسب ما نعتقد، فلم يكن الامتحان صعبا بل إن امتحان القيد الصحفي أصعب منه ألف مرة، حين ظهرت النتيجة أخذوا عددا محدودا وقالوا للبقية لم ينجح أحد.. إحدى زميلاتى أصرت أن تصل النهاية وظلت خلف الموضوع وأصرت أن تقابل مصطفى عثمان شخصيا فأقنعها أحد قدامى السفراء عندما رأها متأزمة أن ترفع أمرها لله وتنسى لأن الموضوع (داير ضهر)، فاقتنعت وصرفت النظر عن الخارجية، أما أنا فقد يممت وجهي قبل الإذاعة والتلفزيون وحفيت أقدامي خلفهما وهناك أيضا عرفت أن العمل بها أيضا يحتاج إلى (ضهر) فتركتها واتجهت نحو الكتابة في الصحف.

الآن لم يتغير الوضع ولجنة الاختيار ما زالت غير أمينة في واجبها، فهي لا تختار من يتقدمون لكل الوظائف بنزاهة وإنما يختار النافذون لأهلهم الوظائف في الخارجية والعدل والداخلية وما شابهها من وزارات غنية، أما الوظائف في المؤسسات الفقيرة مثل التربية والتعليم فهي للعامة، وحتى لا تنكر لجنة الاختيار يمكنكم متابعة الوظائف الحالية ومن جلس لها ومن سينجح ومؤهلاته ولن تجدوا أحدا ليس لديه (ضهر)، ومن ضمن الخدع التي تقوم بها وزارة الخارجية أن هناك امتحانات يقوم بتصحيحها أساتذة جامعات مثل الإنجليزى لأنها تعلم أنه مشكلة الجميع، أما المواد الأخرى فلا أحد يعرف من يقوم بتصحيحها، فعندما جلسنا للامتحان حينها عرفنا أن اللغة الإنجليزية قام بتصحيحها أستاذ من جامعة الخرطوم والتقينا به وأخبرنا أننا احرزنا درجات ممتازة، أما بقية المواد فلم نعرف من صححها حتى الآن.

على أية حال فما يحدث في لجنة الاختيار ليس غريبا وهو نتيجة حتمية لانهيار الخدمة المدنية والفساد الذي ضرب كل مؤسسات الدولة، وهي مجرد مثال، ولن ينصلح الحال ما لم تنصلح الحكومة، فهي حين صنفت بأنها من أفسد الحكومات في العالم كان واحدا من مؤشرات هذا الفساد أداء مؤسساتها.. وللحديث بقية.

التيار