الاقتصاد بعد العقوبات.. المرحلة المقبلة هي مرحلة الشراكات الاستراتيجية بين الاستثمارات الأجنبية والقطاع الخاص، هكذا يرى الخبراء بعد انتهاء ?20? عاماً من الحصار

الخرطوم ? نازك شمام
هل يا ترى عايشتم اللحظة؟ إنها لحظة فارقة انتظرها الشيب والشباب الذي وصل عمره إلى ما يقارب العشرين عاما، تلك هي عمر العقوبات الاقتصادية على السودان، وهي ذاتها التي عزلت البلاد عن محيطها الدولي وجعلتها في جزيرة معزولة، ورغم المحاولات المضنية لتجاوز هذه العقوبات على مدى السنوات الماضية، إلا أن الأمر لم يكن بالسهولة التي يعتقدها الكثير، وظل المواطن السوداني يرزح تحت وطأة اقتصاد معاق غير قادر على النمو وقطاعات أصابها الشلل، إذ إنها لم تتمكن من مواكبة العالم لا سيما قطاع النقل الجوي والحديدي، ليس هذا فحسب، بل حرمت العقوبات القطاعات الإنتاجية من قدرتها على زيادة إنتاجها وتناقصت الصادرات رغم الإمكانيات المقدرة وأهدرت الموارد.
منذ عام 1997 والاقتصاد السوداني يترنح تحت وطأة العقوبات، فتوقفت عجلة النمو وتبعتها عجلة الإنتاجية، وعاماً بعد عام تزداد الخسائر التي قدرها الخبراء بأنها وصلت إلى 500 مليار دولار كخسائر ناجمة عن العقوبات الاقتصادية، حينها حاول السودان الاستغناء عن ارتباط اقتصاده بالمجتمع الدولي وإيجاد بدائل تتمثل في توثيق العلاقات مع دول شرق آسيا، وقد كان أن ساعدته في عدد من القطاعات الكبرى وفي مقدمتها قطاع النفط، غير أن للتقنيات الأمريكية والأوروبية قوة أخرى تختلف عن البدائل، وطيلة هذه الفترة فإن العلاقات السياسية بين الخرطوم وواشنطن تصعد وتهبط وفقا لمعطيات كثيرة، ومع التغييرات الرئاسية التي تمت بالولايات المتحدة طيلة فترة العشرين عاما إلى أن جاء الرئيس السابق باراك أوباما وأحدث اختراقا في العلاقات السودانية الأمريكية، ولم تنتهِ ولايته دون أن يعلن رفع الحظر الاقتصادي عن السودان بشكل جزئي.
منذ يناير وحتى يوم أمس، مرت مياه كثيرة تحت الجسر فجاءت ولاية الرئيس الحالي للولايات الأمريكية دونالد ترامب تحمل تحت طياتها ضبابية وعدم وضوح، لا سيما عندما وضع اسم السودان من ضمن الدول التي يحظر مواطنيها من الدخول لأمريكا، هنا ارتفعت وتيرة التخوفات من أن يتراجع الرئيس الأمريكي عن قرار نظيره الأسبق أوباما إلا أن القرار الثاني حمل تأجيلا لتنفيذ قرار رفع الحظر الاقتصادي إلى الثاني عشر من أكتوبر الجاري.
غير أنه ومنذ ليلة الخميس الماضي تتداول الأخبار عن أن الولايات الأمريكية قد عزمت رفع العقوبات عن كاهل الخرطوم قبل المواعيد المقررة، وقد كان، جاء القرار أمس (الجمعة) على لسان مسؤول أمريكي، نقلته وكالة (رويترز) للأنباء، بأن الولايات المتحدة رفعت عقوبات اقتصادية عمرها 20 عاما على السودان، أمس، وأرجع ذلك إلى التحسن في مجالي حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب لاستكمال عملية بدأها الرئيس السابق باراك أوباما في نهاية ولايته وعارضتها جماعات حقوقية، رفع الرئيس دونالد ترامب حظرا تجاريا أمريكيا وإجراءات عقابية أخرى كانت سببا في فصل السودان فعليا عن معظم النظام المالي العالمي.
الأوساط الاقتصادية بدت أكثر تفاؤلا برسم مستقبل اقتصادي زاهر للبلاد بعد قرار رفع العقوبات، إلا أنها في الوقت ذاته تؤكد أن المرحلة المقبلة تتطلب تحضيرات وإصلاحات للوضع الاقتصادي بالدولة، كما أكد على ذلك وزير الدولة بالاستثمار، أسامة فيصل، الذي قطع في حديثه مع (اليوم التالي) بأن المرحلة المقبلة هي مرحلة الشراكات الاستراتيجية بين الاستثمارات الأجنبية والقطاع الخاص، وأنها مرحلة القطاع الخاص دون منازع، لضرورة أن يستفيد من التكنولوجيا التي تحملها الشركات الأمريكية التي لها أكبر الأثر في زيادة الإنتاج والإنتاجية. فيصل يرى أن أهم الإصلاحات لابد أن تكون من نصيب تهيئة البيئة الاستثمارية وإصلاح مناخها والاهتمام بالمعطيات التي تعمل على جذب الاستثمارات الخارجية، متوقعا أن تكون الشركات الأمريكية من أوائل الشركات الراغبة في الولوج إلى تنفيذ الاستثمارات بالمرحلة المقبلة، وأشار إلى أن أحد أسباب رفع العقوبات الأمريكية الضغوطات التي مارستها الشركات الأمريكية الاستثمارية لفتح أسواق جديدة بأسواق مباشرة أو غير مباشرة واستخدام تكنولوجيتها العالية.
أما وزير الدولة في وزارة الصناعة، عبدو دود، فاعتبر أن قرار رفع العقوبات الاقتصادية هو قفزة للقطاع الصناعي، لما سيشهد من تطور إبان استخدامه للتقنيات والتكنولوجيا الأمريكية، ووصف القرار بأنه فجر جديد للصناعة السودانية من خلال ربطها بأكبر اقتصاديات العالم والذي يتسيد على الاقتصاد لفترة 148 عاما، حيث إنها مصدر للتكنولوجيا الصناعية وأكبر مستهلك عالمي للصادرات في العالم، وأشار داود في حديثه لـ(اليوم التالي) إلى إن السودان سيعمل على تسويق صادراته التي يتطلع إليها السوق الأمريكي وفي مقدمتها الصمغ العربي، مبينا أن قرار رفع العقوبات سيمكن القطاع الصناعي من الحصول على التمويل الدولي، فضلا عن مساعدة القطاع الخاص والشركات على إدراج أسهمها في بورصة نيويورك التي تعد أكبر بورصات العالم، علاوة على الحصول على قطع غيار للمصانع المتوقفة والتي كانت تستخدم التكنولوجيا الأمريكية قبل فرض العقوبات، كمصانع النسيج والسكر التي يمكنها أن تعاد إلى حلقة الإنتاج بعد السماح لها بالحصول على التقنيات الأمريكية، مشيرا إلى سهولة حركة الأموال والتحويلات ستسهل على القطاع الصناعي في التعامل مع العالم الخارجي.
وعن ضرورة إجراء إصلاحات قبل أن ينزل القرار إلى أرض الواقع، قال داود إن ?أمريكا تعرف السودان أكثر من السودانيين أنفسهم?، مشيرا إلى أن العالم الآن يسير عبر نماذج محددة يمكن للسودان أن يطلع عليه لتنفيذ النموذج الذي يجب استخدامه في الفترة المقبلة، وطالب كل القطاعات بتحديد نماذج والاطلاع على الممارسات الناجحة من أجل نجاح الشراكات التي يتطلع إليها الاقتصاد في تعامله مع الاقتصاد الأمريكي والذي سيعمل على تحقيق قفزة نوعية وتكنولوجية بالقطاع الصناعي، وسيقود إلى تنمية القطاعات الأخرى لا سيما القطاع الزراعي، بإضافة قيمة مضافة إلى المنتجات وتسويقها في الأسواق الأوروبية والأمريكية لرفع صادرات البلاد والتي تعد المنقذ الحقيقي للاقتصاد السوداني وتنميته وتطوره إلى الأمام.
وصف اتحاد الغرف الصناعية قرار الإدارة الأمريكية بالكبير والمبشر للسودان وعلى الاقتصاد والقطاع الخاص، ويسهم بصورة مباشرة في فتح كل فرص ومناقذ التمويل التي كانت مغلقة في وجه حاجة القطاع الخاص للحصول على التمويل. وقال معاوية البرير، رئيس اتحاد الغرف الصناعية نائب رئيس اتحاد أصحاب العمل، في تصريح لـ(سونا)، إن القرار سيكون له انعكاس كبير وإيجابي على الزراعة والصناعة وللمنتجين والمستهلكين. وأشار البرير إلى أن القرار يعتبر أساسيا واستراتيجيا لنقلة إيجابية للاقتصاد الوطني، مشيرا إلى تزامن صدور القرار والبلاد على بداية موسم زراعي، مما يتيح فتح أسواق جديدة وسهولة إجراءات الاعتمادات والحصول على التمويل، وبالتالي تدفقات مالية للصادرات.
ووصف معاوية القرار في مجمله بالاستراتيجي وذي آثار إيجابية كبيرة على الاقتصاد الوطني، وسيحدث نقلة أساسية ونوعية تستلزم حزمة من الإجراءات والتدابير ليعود خيراً وبركة على الاقتصاد والقطاع الخاص والمواطن وعلى الإنتاج والمنتجين، لافتا إلى إسهامه في تقليل تكلفة الإنتاج. كما أشار إلى أن القرار سيحدث وبصورة تلقائية تعديلاً وتصحيحاً للعديد من المسارات والآثار السالبة، التي برزت خلال فترة العقوبات فيما يلي الأنشطة التجارية كبروز ظواهر السماسرة والمضاربات والحصول على التمويل دون أعباء إضافية في تكلفته، داعيا إلى ضرورة تكاتف الجميع للاستفادة من الخطوة لإحداث نهضة اقتصادية كبرى تتنزل خيراً وبركة على البلد والمواطن.
اليوم التالي.