أخبار مختارة

حلب التيوس في حدائق الثورة السودانية

أحمد الفكي

١- مقدمة

ساحاول في هذا المقال ان انظر الي الواقع السياسي السوداني منذ قيام ثورة ديسمبر المجيدة وحتي يومنا هذا كمنظومة لها عناصرها. سأنظر الي عناصر المنظومة المكونة من ثوار شباب تمكنوا من اسقاط نظام قمعي ومن احزاب سياسية وحركات مسلحة ومن مثقفين وسياسيين قدامي وجدد، بالإضافة الي الجانب العسكري من جيش ودعم سريع، ولاحقاً من حكومة انتقالية بقيادة السيد حمدوك، دون اغفال العنصر الخارجي. إن الاكتفاء بالنظر الي عناصر المنظومة فقط يقدم صورة مشوهة ولذا لا بد من النظر الي كيف تتفاعل هذه العناصر مع بعضها البعض. ولن تكتمل الصورة الا بالنظر الي أين تلتقي او تتقاطع اهداف هذه العناصر مع الهدف الموحد الذي صاغته ثورة ديسمبر بدقة وهو حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب.

أهمية النظر الي المشهد السياسي كمنظومة تأتي من محاولة رسم صورة دقيقة بقدر الامكان لهذا المشهد ومساعدة الاخرين علي التفكير بصوت عال لإيجاد مخرج من هذا الوضع المأزوم ،إما بإدخال لاعبين جدد للمشهد للمساعدة في تغيير قواعد اللعب والتعامل مع الاخر وإقناع احزابنا بالتوقيع علي ميثاق شرف يلزم الجميع بالحد الأدني من التعاون والتعامل الذي لا يري في الاحزاب الأخرى أعداء يجب تخوينهم وسحقهم بل يري فيهم جزءاً أساسيًا من الواقع السياسي أو المنظومة السياسية التي لن تتطور وتخطو نحو وطن ديمقراطي بغير وجودهم.

هذا لا يعني قبول المساومات والمحاصصات التي تضر بوطننا الذي يرزح تحت أثقال الفقر والجوع والمرض ومطاردة ابسط احتياجات الانسان من غذاء وكهرباء وعلاج وتعليم.

النظر الي المشهد السياسي كمنظومة system لها عناصر تتفاعل مع بعضها البعض ولها وظيفة أو هدف، وأن المنظومة تتكون من منظومات أصغر subsystems لها ذات الخصائص من عناصر، وكيفية تفاعل هذه العناصر وأهدافها، هو أمر هام للاحتكام الي إطار يساعد علي تسليط الضوء علي الواقع المرتبك والذي يطلق عليه البعض “سوق ام دفسو السياسة السودانية”.

٢- الأحزاب السياسية السودانية

ولنبدأ من حيث رفض الشارع السوداني الاحزاب السودانية وهو يصارع نظام المخلوع البشير. ذلك رفض له ما يبرره حيث عاش شعبنا، وخاصة الشباب الذي قاد هذه الثورة، عجز هذه الاحزاب وعدم مقدرتها علي الفعل. لقد ظلت احزابنا طوال فترة حكم الانقاذ تجتمع وتختلف وتصدر البيان تلو الاخر دون نتيجة. قد يقول البعض أن هذا ظلم لأحزابنا، فقد كانت تحاول ولكن الانقاذ كانت اكثر قوة وأشد بطشا. لقد نجح شباب أعزل ينتمي بعضه إلي هذه الاحزاب في اسقاط الإنقاذ، وكانت أول قراراته بعد الإسقاط هو رفض تلك الاحزاب لأنه لا يثق في مقدرتها علي إدارة الفترة الانتقالية ولا يثق في اتفاقها علي الحد الأدنى لإدارتها، وقد كان محقا. ولعلنا لا نفشي سراً ولا نقدم سبقاً سياسياً عندما نؤكد ان سر نجاح الشباب في إسقاط نظام المخلوع هو اتفاقهم علي هدف واحد وعملهم الجماعي لتحقيق الهدف دون الوقوف عند مكاسب هذه المجموعة او تلك. هذا قد يبدو أمراً غير ذي بال ولكنه سر نجاحها بل هو سر نجاح اغلب الفرق التي توكل اليها مشكلة متوحشة complex problem فتعمل جميعاً وبعقل جمعي وارادة جماعية لحلها حلا يستخدم العقل الجمعي الذي يقبل الاختلاف لاغناء الحل الذي يرضي الجميع. هذا الامر الذي يبدو في غاية البساطة هو في حقيقة الأمر في غاية الصعوبة علي احزابنا بتركيبتها الحالية.

إن مقتل احزابنا، في الحرب وفي السلم، يكمن في أن تركيبة أغلبها، إن لم يكن كلها، تجعلها أسيرة رأي القيادة والتي هي في الغالب مجموعة من كبار السن (مع احترامنا لهم) الذين يفكرون بذات الطريقة، ويحتكمون لنفس نمط التفكير، ويرتكبون نفس الاخطاء. فان كانت الاحزاب الطائفية تحتكم وتتبع رأي الزعيم، وهو امر مفهوم بحكم تركيبتها، فالأحزاب غير الطائفية، مثل الحزب الشيوعي السوداني، أشد بطشاً في رفض الاختلاف مع القيادة أو خط الحزب، كما يسمونه. ولعل نظرة سريعة الي تاريخ الحزب تكشف الانقسامات التي دفع ويدفع الكثيرون ثمناً باهظاً لها لمجرد محاولة الإصلاح، وهي خلافات تحدث في الاحزاب غير العقائدية، في معظم انحاء العالم دون اتهامات بالخيانة، بل هي خلافات تدل علي العافية السياسية والمقدرة علي التفكير النقدي واستيعاب الواقع الجديد واغناء الجانب النظري الرمادي من الواقع الاخضر المتجدد.

الحزب الشيوعي السوداني مطالب بتقديم طرح مختلف عن النموذج السوفيتي الذي لا زال يشكل جوهر طرحه رغم الانكار الشفاهي الذي يردده من وقت لآخر.يحتاج الي فتح النوافذ للهواء الديمقراطي الطلق الذي يساعد علي ثقافة التفكير الحر وقبول الاختلاف بعيدا عن التخوين. لقد سقطت الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وشرق اوروبا ليس بفعل وصفات البنك الدولي بل لتآكلها من الداخل كنظام متسلط وفاسد دفعت شعوب تلك البلدان اثمانا باهظة تحت حكم جلاديه من اللجان المركزية للاحزاب الشيوعية في تلك البلدان.

ان الحلم بمجتمع العدالة سيظل حلما مشروعا وممكنا ولكنه لن يكون علي شاكلة النموذج السوفيتي ولا بترديد افكار الثورة الصناعية الاولي.

ان العالم يعيش الثورة الصناعية الرابعة بتقنياتها المختلفة عن الثورة الصناعية الاولي التي انتجت الحتميات التاريخية والطبقة العاملة التي بدأت معالمها في التحول عندما صاغ بيتر دروكر في اواخر الخمسينات مفهوم عمال المعرفة لوصف الاطباء والصحفيين وامثالهم. للاسف الشديد، تظن قيادة الحزب الشيوعي الحالية ان ثورة ديسمبر المجيدة هي فرصتها لانتصار الثورة البلشفية في السودان، ولإثبات صحة نظرتها التي تجافي الواقع ليس في اليقظة فقط بل حتي في الاحلام. فهي تظن أن الطريق إلي هذا الهدف هو مهاجمة الاخرين واتهامهم بالخيانة لمجرد الاختلاف في الرأي مما سيقود الثورة والشارع في النهاية للالتفاف حول الحزب. ولعل الصراع المحموم حول الهيمنة علي تجمع المهنيين ولجان المقاومة خير دليل علي ما نقول.

هذا لا ينفي أن هناك الكثير من العقلاء والمثقفين السودانيين الذين ينتمون إلي الحزب الشيوعي السوداني ويرون ويحاولون غير ما تحاول قيادته العاجزة تماما عن استيعاب اهمية الاتفاق علي الحد الأدنى للعمل مع الاحزاب الأخرى لحماية الديمقراطية والوصول بها الي بر الأمان. كما ان هناك من ضاقوا ويضيقون كل يوم ببيانات القيادة التي تعيش أيام الرفاق برزنيف وخرتشوف في القرن الحادي والعشرين.

إن للحزب الشيوعي قدم في معظم التحالفات وقدم أخرى ضدها للعمل علي إضعافها والتشويش عليها.

ولعل وجود حزب كحزب المؤتمر السوداني يختلف تماما عن الحزب الشيوعي في ثقافته وسياساته، هو دليل عافية لضيق الحياة السياسية السودانية بثنائية الايديولوجيات المتطرفة كوز- شيوعي، وهو ما يأخذه عليه الشيوعيون ويرونه أمراًمعيباً. إن حزب المؤتمر السوداني هو الحزب الوحيد الذي تم فيه تداول ديمقراطي سلمي للقيادة. وهو حزب لا يتم فيه حسم الخلاف بالفصل ولا بالاتهامات. وللحزب دور لا يستهان به في ثورة ديسمبر المجيدة رغم الاتهامات التي توجه اليه والي قيادته “بالهبوط الناعم” وتقاضي أموال من الامارات.

والذي نعيبه علي حزب المؤتمر السوداني هو تهاون القيادة الحالية مع بعض قادة الحزب من الشباب المتهافت للاشتراك في حكومة حمدوك دون مراجعة لأداء الحكومة المقالة والتي قام باقالتها السيد حمدوك بطريقة تدعو الي الشعور بالرثاء علي الرجل وعلي عجزه المزمن.

لقد نجحنا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتحويلها الي اداة لتسميم الجو السياسي في السودان، فصار “الردم” واغتيال الشخصية وإخافة الاخرين من إبداء رأي مخالف لحزب بعينه جريمة يتم دفع ثمنها بالردم بفاحش القول. كان يجب استخدام هذه الوسائط لتبادل الافكار والذي يبدأ بالبحث عن نقاط الالتقاء ثم محاولة تقريب وجهات النظر والاختلاف باحترام دون اية عنف لفظي.

٣- الجيش والدعم السريع

القول بأن الجيش هو لاعب اساسي في الميدان السياسي بعد ثورة ديسمبر هو أمر مضلل. ان اللاعب الأساسي هو لجنة المخلوع البشير الامنية. وهي لجنة تكن العداء للثورة ولن تقبل بها الا وهي مرغمة. ان اختلاف مصالح الدعم السريع وقائده حميدتي أدي إلي قبول اللجنة الامنية للامر الواقع ولكنه قبول قد يكون مؤقتًا إن تغيرت موازين القوي.

الجيش ليس اللجنة الأمنية، والمغامرون بالعشرات إن لم يكونوا بالمئات.

ولعل الدعم السريع وقائده، وبرغم تركة الماضي القريب كقوة استعان بها المخلوع لحمايته ولقمع الحركات المناوئة لحكمه في غرب البلاد، يظل رقماً هاماً في توازن القوي بين قوى الثورة من جهة واللجنة الأمنية من الجهة الأخرى.

وهنا اود ان اطرح بعض الاسئلة التي قد يخشي البعض طرحها. هل تم توريط الدعم السريع في فض الاعتصام كتكتيك من لجنة المخلوع الامنية، وهل وجود ما يقارب المائتين من المعتقلين في سجون حميدتي يدلل علي ذلك. وهل تأخير لجنة نبيل اديب، والتي يتهمها البعض بالخوف من حميدتي حتي لا تتم ادانته، هو تاخير متعمد للجنة الامنية يد فيه حتي يظل حميدتي اسيرا للماضي البعيد والقريب؟

٤-الحركات المسلحة

لقد تحولت هذه الحركات الي مسخ لا يمثل المناطق المهمشة التي تدعي تمثيلها. إنهم يقومون بحساب الربح والخسارة في كل خطوة من خطواتهم، وهو حساب ليس لتحقيق مكاسب لمناطقهم أو للشعب السوداني بل هو حساب بسيط جدا وهو هل يحقق لهم السلام المكاسب المالية التي حققتها لهم الحرب.

ان كانت هذه الحركات جادة في تحقيق السلام لا السعي المحموم وراء المناصب لكان الاجدر بقادتها إدارة المفاوضات في الخرطوم عاصمة الثورة. وكانت ستكتسب مصداقية إن أصرت علي إعلان أجندة ومحاضر هذه المفاوضات للشارع السوداني.

إن تاريخ هذه الحركات لا يبشر بوقوفها مع شعبنا بقدر ما تقف مع مكاسبها المالية التي حققتها من الحرب. لعلنا لا نظلمها إن قلنا أنها وباستثناء السيد عبد العزيز الحلو قد ظلت تتهافت علي موائد نظام المؤتمر الوطني ولقد شارك معظم قادتها في بطش واذلال شعبنا.

ورغم وضوح هذه الحقيقة فقد انطلق السيد الشفيع خضر قبل تكوين الحكومة الانتقالية لتلبية مطالب هذه الحركات بالتفاوض معها حول اقتسام كعكة السلطة. إنه خطأ لا يغتفر ولكننا لن نتوقف عند الماضي وحتي القريب منه وانما نسعي الي وجود مخرج من حالة الارتباك والشلل الحالية.

السيد الشفيع يعرف هذه الحركات ويعرف قادتها تماما ويعرف ايضا أنها لم ولن تقدم لمواطني المناطق التي تدعي الحديث باسمها لا تنمية ولا حياة كريمة. تغيير استراتيجية التعامل معها كانت خطوة هامة جدا بدعوتها الي الخرطوم إن كانت جادة وبالعمل علي برنامج يخاطب مواطني تلك المناطق ويرسم لهم المستقبل الذي ينتظرهم في سودان ما بعد ديسمبر.

لقد سمحنا لهذه الحركات بالاستمرار في تجارتها بمواطني تلك المناطق ووقعنا في فخ المساومات التي طالت حل حكومة السيد حمدوك وهو يتبني ذات السياسة لجهله الكامل بالسياسة والادارة معا.

٥- سنصمد، سنعبر، وسننتصر

وان كان رفض الشارع للأحزاب السودانية والاصرار علي رئيس وزراء لا ينتمي إلي حزب أمرا معقولا، فان اختيار رئيس وزراء الثورة كان كارثة بكل المقاييس. لقد كان الاختيار مبنيا علي افتراضات لا صلة لها بالرجل ولا مقدراته علي القيام بالمهمة التي ستلقي علي عاتقه. لقد أسقط تجمع المهنيين وقحت ما يتمنون علي السيد عبداللة حمدوك دون التساؤل عن مدي صحة هذا الاسقاط او مفارقته لواقع الرجل ومقدراته الادارية والسياسية.

إن معرفتنا السماعية، وأكرر السماعية، عن الخبراء وتصديق كل ما يقال وعدم التفريق بين المتخصصين في مجالات ضيقة وطبيعة المشاكل التي ستواجهها وواجهتها الفترة الانتقالية أدي الي هذا الارتباك والعجز. لقد فات علي الجميع أن طبيعة المشاكل التي تواجهها بلادنا بعد ثلاثين عاما من خراب مشروع الهراء الحضاري تحتاج الي الخبراء ولكن ليعملوا في فريق يوفر له الجو الصحي للاختلاف ثم الاتفاق علي حلول ويحتاج الي الشفافية لا السرية التي اتسم ويتسم بها عمل السيد حمدوك ومن يعملون حوله.

لقد كان الرجل علي بعد خطوة من التقاعد، وقد قضي معظم حياته جنديا بيروقراطياً في أعرق منظمة بيروقراطية.

إن اول ضحايا البيروقراطية في الادارة هو المقدرة علي الخلق والابتكار والابداع واتخاذ القرارات الصعبة بالمعلومات المتوفرة حتي وان كانت غير كافية.

السيد حمدوك وبحكم بعده عن الوطن وعن السياسة السودانية ناهيك عن بعده الوجداني عن أعظم ثورة في التاريخ الحديث، اثبت وبما لا يدع مجالا للشك انه الرجل الخطأ ليس لقيادة الحكومة الانتقالية لأعظم ثورة بل ليكون احد وزراء حكومتها. نقول هذا ونحن نعلم ان معظم من استوزروا في حكومة الثورة أقل بكثير مما تستحقه هذه الثورة وما يليق بدماء شهداءها من احترام وتقدير.

لقد كانت كل الأدلة التي تشير إلى أن السيد حمدوك هو الرجل الخطأ ظاهرة للعين المجردة ولكن الجميع اراد ان يتعامي وبكامل رغبته. إنه أمر معروف في علم النفس ونعاني منه جميعنا خاصة عندما نريد تصديق ما نرغب في تصديقه.

لقد تم التركيز علي تحدثه باللغة الانجليزية ورفعه لعلامة النصر وبدلته التي تقول وتؤكد ما أشيع عن كونه خبيراً أممياً خطيراً. لقد ساعدت هذه الصورة على مقارنته بالمخلوع بكل جرائمه ورقصه واكاذيبه. ولكنها مقارنة وان كانت مشروعة فهي ضارة جدا. فالرجل أقل قامة من الثورة وقيادته لحكومتها ضارة جدا وستدون آثاره في التاريخ كصفحة حالكة السواد ضده وضد تمسكه بها رغم قناعته بعدم المقدرة علي قيادتها.

وحتى لا اتهم بالتحامل علي الرجل فقد كنت من اوائل الذين هاجموه وذلك لمعرفتي ببعض الحقائق البسيطة بحكم عملي في الادارة وهي أن مخاطبة الجماهير من أساسيات القيادة. والمخاطبة لا تعني ما حاول السيد حمدوك القيام به مؤخرا من القراءة من الورقة وتحريك اليدين حركات لا علاقة لها بمضمون كلامه. انها محاولات تؤكد أن من يلتفون حول الرجل ويقدمون له النصح لا يعرفون ولا يعرفون انهم لا يعرفون.

لقد احيط الرجل بحب وتقدير لم يحظى به اي قيادي سياسي سوداني ولكن انفض السامر سريعا لان الرجل ليس بالسياسي ولا بالقائد. لقد نافس هبوط اسهمه سرعة هبوط قيمة الجنيه السوداني في مقابل الدولار الامريكي.

ايضا كان ضعف الرجل ظاهرا في المقابلة التي اجراها معه الصحافي عثمان ميرغني. ولكن تمت التغطية علي هذا الضعف بهجوم لا يسنده منطق ولا يقبله عقل، وهو ان اسئلة عثمان ميرغني كانت خبيثة لأنه كوز. ولعمري وحتي إذا افترضنا ان عثمان ميرغني لازال كوزا او أنه صحفي أجنبي، فقد كان علينا أن نشكره لأن أسئلته كشفت لنا حقيقة ضعف الرجل وعدم مقدرته على الالمام بأبسط امور الدولة.

ولعل آخر مصائب الرجل هي حل حكومته للالتفاف علي الشارع بكذبة أنه سيصدر قرارات صعبة وخطيرة في ظرف اسبوعين. ولأنه ليس للرجل قرارات فقد تلقف وعدا من الجبهة الثورية بتوقيع اتفاق سلام مقابل ستة مقاعد. ولعلي أذكر القارئ ببوستات السيد عرمان بان السلام كبس حبسا وأنه عاد الي الخرطوم. وعندما رفضوا التوقيع لأسباب لم ولن تعلن ولكنا نعلمها وهي الجشع والمحاصصة أسقط في يد السيد رئيس الوزراء الذي يدعي الشفافية ولم ينطق بكلمة واحدة وهو يدير حكومة، ان كانت هناك إدارة، بوزراء مكلفين.

وما يعلمه الشارع ان كل الحكومة قد استقالت بطلب من السيد حمدوك وهو الذي دافع عن هذه الحكومة في لقاءه مع شوقي عبدالعظيم عندما قال للسيد حمدوك “اداء الحكومة كتير من الناس بقولوا ما قدر الطموح” فأجاب السيد حمدوك اجابة من نوع سنعبر: اللحظة اللي نحنا نصل فيها اننا راضين عن اداءنا….. ومهما ننجز يظل اقل من طموحنا. واشار الي ان الوزراء يعملون ٢٥ ساعة في اليوم.

لقد كان من الأجدر بالسيد حمدوك أن يتقدم باستقالته علي رأس الحكومة. فالمسؤولية تقع علي عاتق رئيس الوزراء، وليس مطالبة الوزراء بالاستقالة. القائد الحقيقي هو من يتحمل فشل فريقه ولا يدعي أنه صاحب نجاحهم، ولكن أين القائد ؟

أيضا من الاسئلة التي طرحها عليه شوقي عبدالعظيم سؤال عن عدم الشفافية فكان رد السيد حمدوك: نحنا ما بنغش علي شعبنا.

الذي اود قوله في هذا السياق أن كل حكومة السيد حمدوك مستقيلة كما أعلن هو وأن الوزراء الذين احتفظوا بمقاعدهم ولم تخلي للجبهة الثورية لا يعلمون ان كانوا وزراء في الحكومة الحالية أم لا. السيد حمدوك لا يفهم معني الشفافية ولا اظنه يدري اهميتها كاحد اعمدة القيادة.

الأمر الذي يثير الرعب هو عدم معرفة الرجل حتي بأبسط مبادئ العمل القيادة والتي يعرفها طلاب السنة الاولي ادارة. عندما سال الصحفي شوقي عبدالعظيم السيد حمدوك عن اداء الوزراء وتقييم هذا الاداء، كانت الطامة الكبري في اجابة السيد حمدوك: تقييم الاداء يرتبط بعلامة كبيرة واشار الي توقيع السلام كمحطة وقوف لضخ دماء جديدة.

ولعل الخبير الاممي يدري دورة ادوارد ديمنج في العمل والتحقق مما تقوم به وبشكل مستمر (PDCA)

خطط-قرر-تاكد- افعل Plan-Do-Check-Act

فالتحقق من الاداء يجب ان يكون جزءاً من العمل وألا يترك للمناسبات. تتذوق امهاتنا الطعام وهو علي النار للتأكد من ان الطبخة جيدة قبل تقديمها لأهل البيت أو الضيوف. هذا إذا أردنا ان نتوقف عند ادوارد ديمنج ونظريات الادارة في الخمسينات وحلة الملاح ولا نذكر طرق الادارة الرشيقة التي جربها شبابنا وهم يكرون ويفرون ويعدلون ويحسنون في طرق محاربتهم للمخلوع حتي أسقطوه. لقد كانت الشفافية والتاكد والتعديل هي أعمدة ذلك العمل الرائع رغم البمبان ورصاص القناصة.

لقد قامت مجموعة اصدقاء السيد حمدوك من الشفيع خضر والشيخ خضر وغيرهم بوضعه في الطريق الخطأ بقطع علاقته بقحت وتجمع المهنيين. لقد كنت أنادي بأن يصبح الرجل رابطاً بين قوي الحرية والتغيير ولجان المقاومة والحكومة ولكن ليس للرجل مقدرة لإدارة فصل مدرسة ناهيك عن حكومة أعظم ثورة. كذلك يظل الرجل مسؤولا مسؤولية تامة عن كل قراراته رغم اراء المستشارين.

يظل العامل الخارجي لاعباً اساسياً في ظل ضعف الحكومة الانتقالية. علي أحزاب قوي الحرية والتغيير حزم امرها وترتيب بيتها والاتفاق علي ميثاق شرف لإدارة الفترة الانتقالية، فبلادنا تسير نحو الانقسام والحرب الاهلية اقرب الاحتمالات ان لم نحزم امرنا. لقد اختاروا حمدوك وهو غير القادر على التنفيذ وتركوا له الحبل علي الغارب وكأن الامر قد انتهي، وشرعوا في إقامة ندواتهم لمهاجمة بعضهم البعض وكأن اثبات جدوي وجود هذا الحزب او ذاك يتمثل في تخوين وسحق الاحزاب الأخرى.

إن أحد اهم الاخطار المحدقة ببلادنا هو ضعف وتهافت أعضاء قوي الحرية والتغيير علي المناصب وقبولها الاشتراك مع السيد حمدوك في حكومة جديدة دون مكاشفة الشارع بالمعايير التي أقيلت بسببها الحكومة السابقة ودون الاتفاق علي طريقة عمل اخري تقوم فيها قحت بمراقبة عمل الحكومة حتي تشكل المجلس التشريعي علي وجه السرعة.

إنكم تخونون الثورة ودماء الثوار وتبصقون علي تاريخكم إن لم تقدموا مصلحة الوطن علي السعي وراء المناصب والتهافت عليها.

٦- لجان المقاومة وتجمع المهنيين

يجب ألا تصبح لجان المقاومة وتجمع المهنيين ميدانا لصراع الاحزاب للسيطرة عليها. التصاق لجان المقاومة بالأحياء وارتباطها بجماهيرها المحلية هو الضامن لأداء دورها. يجب ان تظل لجان المقاومة رقماً صعباً في الواقع السياسي السوداني وان تتم مخاطبتها بشكل دوري من الحكومة الانتقالية مخاطبة مباشرة.

يجب الا تتكرر تجربة اختطاف الحزب الشيوعي لتجمع المهنيين مرة أخري، وان يتم اصلاح هذا الخطأ. التبريرات التي تساق من قبل الحزب وبعض أعضاء الحزب تفتح الباب واسعاً لشق الصف. كلنا يعلم تماما فهم الحزب للتحالفات مع الديمقراطيين والمنظمات الديمقراطية والتي تقود الي الاخضاع الكامل لها لخط وسياسة الحزب.

يجب ألا نفوت علي انفسنا استيعاب دروس أعظم ثورة في التاريخ الحديث وأن نستخدم هذه الدروس كمرشد في عملنا اليومي لإرساء دعائم الديمقراطية وقطع الطريق علي المغامرين. إن ضيعنا هذه الفرصة فستضيع بلادنا.

أحمد الفكي
[email protected]

تعليق واحد

  1. تحليل عميق جدا و يا ريت الناس تفهم كلامك هذا و الكل كان منتظر حلول جذريه بعد ما كانت القيادات الشيوعيه فى هرم السلطه و لكن امل ضاع و هذا يذكرنى بالايام الاخيرة فى تفكيك الاتحاد السوفيتى بان المتاجر فاضيه حتى نسمع ناس من المدينه التى اعيش فيها يذهبون بالقطار لشراء بعض مستلزماتهم من مدن اخرى حتى انهارت الدوله و تفرقت الى دول و هو نفس السناريو الذى يعد الى السودان لان و لكن هل يتم ذلك ؟؟؟ الاخوان سيطروا على الدوله بنفس سياسة الاتحاد السوفيتى و الذى كان عدد سكانه 275 مليون و عضوية الحزب 18 مليون و اذا لم تكن عضو فى الحزب لن تكون اداريا و كل الاداريين فى الدوله من المخابرات حتى عميد الكليه او قائد فى الجيش او الشرطه من المخابرات و النتيجه الدوله البوليسيه و النفاق و السرقات و الامتيازات ثم الانهيار .اذا لم تقم دولة المؤسسات فيا دنيا عليكى السلام و كل لعقلاء فى هذا الزمن الذى نعيشه قد ولى عهد الاحزاب الشموليه مهما كانت يمينيه او يساريه لانها بضاعه كاسده .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..