العلاقة مع مصر من السد العالي الى سد النهضة

أول نقطة سوداء في علاقات البلدين ارتكبها نظام عبود العسكري رغم انجازاته الأخرى بالبلاد هي الموافقة المجانية على إغراق مدينة حلفا بنخيلها وأراضيها الشاسعة بل وتخزين المياه في بحيرة ناصر داخل الأراضي السودانية بدون حتى رسوم إيجار لهذه الأراضي ، تم ترحيل خمس وخمسون ألف من البشر اقتلعوا من بيئتهم الى شرق السودان وكان يمكن إسكانهم في مدينة كرمة ومشروع البرقيق الزراعي حيث تمتد الأراضي الزراعية الخصبة بعمق مائة كيلومتر شرقا في صحراء النوبة للتخفيف من الأثر النفسي لاقتلاع الإنسان من بيئته ، آنذاك كان يفترض مد طريق مسفلت للمنطقة مع مدها من الكهرباء من السد العالي ، تنكر المصريون لذلك ونسوا واثروا مصالحهم وانتفاعهم هم وحدهم من الكهرباء وعندما استخرجوا بترولهم وغازهم وفائض الكهرباء اتجهوا بكل ذلك كدأب أسلافهم منذ خمسة آلاف اتجهوا بالغاز والكهرباء الى الأردن وتركيا والخليج وإسرائيل! ، لم يتجهوا جنوبا إنها المصالح! ولكن سيتذكر السودانيون هم أيضا مصالحهم لاحقا! ناهيك عن ما راج من نظرية المؤامرة وان المخابرات المصرية تهدف لتشتيت النوبيين شمالا وجنوبا من هذا السد كمصلحة أخرى يرونها وإذن لماذا كانت البحيرة للسد العالي بهذا الحجم الهائل162 مليار متر مكعب! و هل أشركوا السودانيين آنذاك في وضع الهيكل الفني للسد ولماذا لم تخزن المياه داخل الأراضي المصرية ولماذا لم يبنى السد بمواصفات خاصة وبحيرة بمواصفات خاصة لا تسبب لنا الخراب المجاني ، لن نجرد الأحداث من سياقها التاريخي مع تأثير جمال عبد الناصر على المنطقة.
النقطة السوداء الثانية هي انه نحن نعمنا بالديمقراطية الثانية من 1964م الى 1969م خمس سنوات وهي الديمقراطية التي احتضنت جمال عبد الناصر رغم هزيمته ولكنه أي ناصر انقلب على هذه التجربة الرائدة ، وحتى لا نضع اللوم على غيرنا، شعبيا قصر الناس في الحفاظ على تجربتهم، لم يكن السودانيون قادرون على حماية التجربة وعندما شعر الزعيم الأزهري بتحرك الضباط القوميين في الجيش أرسل الى عبد الناصر مبعوثه الشخصي للدول العربية الأستاذ صالح إسماعيل قبل الانقلاب بيومين ولكن سبق السيف العذل! ، فعلها عبد الناصر وحدث انقلاب 25 مايو الذي بعده تحسنت العلاقات نسبيا و لكن بدون أي مشاريع اقتصادية او تبادل تجاري بل بقيت في إطار التنظير فقط.
في الديمقراطية الثالثة التي لم ترق لمصر و خشيت من عدوى التجربة كان مبارك يصف الصادق المهدي بأنه يلخبط مسار العلاقات بين البلدين والحقيقة لم تضيعها مصر بقدر ما أضعناها نحن السودانيين بإعلامنا المنفلت بدل الصبر على التجربة وأضاعها جون قرنق بدل المجيء والمساهمة ظل ينظر ويحارب بان المهم عنده ليس من يحكم السودان! بل كيف يحكم السودان! أضاع عشرين سنة من عمره إلا أن لقي حتفه ، عودته في 2005م رغم قصرها أحدثت حراكا هائلا وتم إيقاف الحرب و ازدهر الاقتصاد وهو نفسه استقبل شعبيا عندما أتى مسالما وانتعشت الساحة السياسية كثيرا بعودته ،،،إيقاف الحرب في 1986م من قبل قرنق كانت ستحدث تغيير كبير بالبلاد ونكررها بأسى، أضاع عشرين سنة من عمره إلا أن لقي حتفه والفرص في السياسة لا تأتي كثيرا إما تغتنمها او ضاعت الى الأبد، ولكنه الطمع وظن انه سيبتلع كل البلاد والتي هي حتما اكبر من حلقومه ، إذن احتضنت مصر انقلاب البشير في تلك الصورة الشهيرة لاستقبال البشير لأول مرة وظنوه كالانقلابات السابقة الى ان تكشفت لهم قصة اذهب للقصر رئيسا وأنا للسجن حبيسا.
بعد تمكن حقبة البشير والتي انخفض فيه وزن السودان إقليميا ودوليا نتيجة لتوجه السودان الخاطئ سياسيا ولخيبة السودان الاقتصادية وعبر الخطاب المتطرف الأجوف لم تفرق مصر بين السودان الدولة وبين النظام، فضلت التكتيكي على الاستراتيجي، راهنت على قرنق ، دعمه مبارك والقذافي إعلاميا ولوجستيا وبالسلاح ، قرنق كان ذكيا جدا يخاطب جنوده بأشواقهم للدولة الانفصالية المستقلة وهذا حقهم وهذا من حقه وفي القاهرة يتحدث عن الوحدة بمعايير فضفاضة وهو الذي رفض المسار الديمقراطي كما أسلفنا بل يفضل الزحف بالسلاح من الأطراف مقتديا بموسوفيني في يوغندا الذي حكم في 1986م وغيره في إفريقيا ، وحتى لا نظلمه فقد كان يراهن على الوحدة للسودان أيا كانت هذه الوحدة ولكن كان للقوى الدولية رأي آخر ،الغرب والكنسية ظلت ترى فراغ ثقافي في الجنوب لابد من تكملة تعبئته بالمسيحية، انه مجهود قرن كامل بدأته باكرا بسياسة المناطق المقفولة، لم تحتاج هذه القوى الكبرى إلا إلى جثة واحدة فقط ليحدث الانفصال ، كانت هي جثة جون قرنق ديبميور، ليتحقق لها كل شيء .
أما سد النهضة والحقيقة ظل السودان وحده يتحمل عبئ الجوار الإفريقي بل وينغمس في ذلك بأخطائه هو أيضا كجزء من ليل إفريقي طويل بدعم معارضات البلدان كل ضد الآخر و ظلت مصر هانئة بجوار السودان المسالم ، الآن لأول مرة تصلهم لدغة من شرق إفريقيا بهذا السد، ويتذوقوا من ارق الجوار، هاجوا وماجوا إعلاميا وسياسيا بلهجتهم ( الحئوا معانا يا سودانيين موقفكم مقرف(ايمن نور)، انتم متخاذلون) والحقيقة لا يد لنا في بناء هذا السد او إيقاف بنائه، انه مصلحة امة عميقة في حضارتها مجاورة لنا، فهو مشروع سينتشل إثيوبيا من الفقر وستمدنا بالكهرباء والأفضل ان يكون جارك غنيا بدل موجات اللاجئين والمخدرات، بغير الكهرباء والنفط والزراعة والصناعة والسياحة لن تحدث التنمية لأي دولة وبعد سد النهضة سيتم التحكم بمياه النيل الازرق بدل ان يكون هائجا كما هو الحال الآن ويدمر بالفيضان كل عام الكثير و ستصبح مدننا واجهة سياحية بالنهر المنضبط المستقر ولا تنسوا ان إنشاء أثيوبيا لسد صغير هو سد تقزي على نهر عطبرة سيحسن ذلك من الطاقة الإنتاجية لسدي ستيت وأعالي نهر عطبرة من الكهرباء، لأن السد الاثيوبي حوَل النهر بالسودان من موسمي إلى دائم بفضل التحكم الاثيوبي في إنسياب المياه وإستمرار توليد الطاقة، مما يفيض بالخير على اهلنا في الشرق ، باختصار الشعب لسوداني يفضل الاستراتيجي على التكتيكي فالحكومات والأنظمة زائلة والمشاريع العظمى باقية وازدهار اثيوبيا هو خير للسودان وهناك العديد من المستثمرين السودانيين هربوا من ضرائب النظام الى واحة اديس ابابا الواعدة لنا ازدهارا وكهرباء ووعدا وتمني، انه زمن المصالح المشتركة و يمكن لمصر ان تنضم وتتفاعل وتشترك في هذا الجوار الأخوي بدل الوقوف في الهامش ورمي الآخرين بالطوب.
[email][email protected][/email]
لك التحية استاذ طارق فالمقال رائع للغاية وكنت اتمنى عليك ان تسرد تفاصيل لاتفاقيات مياه النيل وحصة السودان ومقدار ما يسرقه المصريون من حصتنا او مقدار ما تنازل ساستنا عنه وهم مخدوعون بحلاوة الكلام…وكذلك مقدار ما تمد به دولة اثيوبيا من مياه لنهر النيل..مشكلة المصريين ان لديهم وهما قديما بان النيل هو هبة الله لمصر وحدها وان على جميع دول الحوض التى تمده بالمياه الاستئذان منها قبل رشف رشفة ماء منه..والمشكلة الاخرى تعامل الساسة فى السودان مع هذا الملف بعدم الموضوعية والعلمية وعدم مراعاة مصالح السودان اولا كما يفعل المصريون فيما يخص مصالحهم…اتمنى ان تكتب مرة ومرات عن هذا الملف وتتابع مجريات الحوار الدائر حاليا فى اثيوبيا……..وتكتب عن معاناة اهل حلفا القديمة من التهجير..وامكانية تحقيق حلم عودتهم مرة اخرى الى ديارهم…لك التحية…
موضوع السد ده المفروض أن نترك تقدير أثاره أن كانت سالبة أو موجبة لأصحاب التخصص بعيدا عن أجواء السياسة ، هل السودان سوف يتضرر من بناء السد أم لا ؟؟ طبعا ستكون الإجابة علمية وليست سياسية، إذا كان السودان سوف يتضرر عليه أن يتخذ التدابير التي تحفظ لنا مصالحنا نحن السودانيون فقط ,وإذا كانت مصر فقط هي التي سوف تضرر عليهاأن تحل مشكلتها مع أثيوبيا وليس في مصلحتنا أن نشيل وجه القباحة نيابة عن دولة أخرى!!
استازى طارق
متعك الله بالصحة والعافية حقيقة اعجبنى مقالك هذا عن ذاك السد النهضوى الاثيوبي العظيم ولعمرى انه لاصدق مقال قرأته في هذا الموضوع ولذلك اسمح لى استازى الفاضل ان اشاركك الدلو في هذا الموضوع .
والحقيقة ان على الحكومة السودانية ان تعى الدرس وان تصيب ولو مرة واحدة في سياستها المطبوعة دائما بالاخفاق والفشل . وعليها ان تستثمر فرصة العمر هذه التى اتتها في طبق من ذهب ( وهى صيد ثلاثة عصافير بحجر ) وهذه العصافير يمكن قرأتها كالاتى . . عندما نشبت حرب الجنوب في ثمانيات القرن الماضى اوقفت اكبر مشروع تنموى كانت تقوم به الحكومتان المصرية والسودانية في جنوب السودان وكان ذلك المشروع هو ( قناة جونقلى ) والتى كان القرض منها هو تغيير مجرى النيل الابيض لتفادى منطقة السدود التى بسببها يفقد النيل الابيض نسبة كبيرة من مياهه بسبب التبخر وقد كانت مصر هى الممول لذلك المشروع . وايضا من المعروف ان لمصر علاقلات جيدة مع الحركة الشعبية التى تحكم الجنوب فضلا عن بيض الايادى . . ومصر الان لها مشاكلها وليس لها امكانيات مادية كبيرة كى تمول مشاريع كهذه والجنوب له امكانيات نفطية هائلة ولكنه لايستطيع تصديرها الى عبر السودان الشمالى . . لذلك على حكومة الخرطوم ان تستفيد من علاقة مصر بحكومة الجنوب وان تقنع مصر بان البديل لسد النهضة هو اعادة احياء مشروع قناة جونقلى وعليها ايضا ان تقنعها بان امر التمويل ليس بمشكلة اذا وافق الجنوبيون باستتاب الامن في بلادهم والاستمرار في استغلال ثورتهم النفطية وتصديرها عبر السودان الشمالى . . ويقينى بان الحكومة المصرية قادرة على اقناع الجنوبيين بهذه الافكار . . كما ان على حكومة الخرطوم ان تقدم كل المشورة والمساعدة للحكومة الاثيوبية خاصة لما حكومة الخرطوم من علاقة ممتازة مع الصينيين اصحاب الخبرة في تنفيز مثل هذه المشاريع . . وبهذا تكون حكومة الخرطوم قد اصطادت ثلاثة عصافير بحجر ان لم يكن كل العصافير . وهى ( علاقة جيدة مع الاثيوبيين – امن مستتب مع الجنوبيين – حفظ مياه النيل من التبخر ونسبة ثابته في تصدير نفط الجنوبيين ) .
ختاما نسأل الله ان يفتح بصيرة حكامنا لما فيه خير بلادنا وشكرا
[email protected]
ما قصرت تب ما يقصرن أيامك … كفيت تماما … قمممممممة الروعة … بارك الله فيك أستاذنا طارق …تحياتى …
مقال رائع من خلاله يتعلم الناس بعض مايخص ادارة المياه وفوائد مشاريع الهضبه الأثيوبيه التي تعم كل من في اسفل النيل وعدم جدوى المشاريع التي تنشأ في اسفل النيل لدول الحوض .
ارجو ان تشمل مواد الجغرافيا والتاريخ مثل هذه المواضيع ليتعلم صغارنا ماهو مفيد للبلد وللاجيال القادمه لأن هذا مشوار طويل يحتاج ان يتناوله الجميع من جميع الزوايا وفي جميع المجالات وعبر كل الزمن