يا كبدي ..عليهم .. !

مأسأة جديدة قديمة تضرب في كبد هذا الوطن الممزق النازف وتصيب فلذاته الصغار وتحطم أجنحة تحليقهم في فضاءات بناء مستقبله القاتم بفعل حكام الحاضر ..!
فمن خلال قناة أم درمان الفضائية بالأمس إستمعت الى الشاب الجريء نزار الذي تحدث بشجاعة مطلقة عن كارثة تزايد أعداد أطفال السودان المصابين بالسرطان بكل أنواعه الفتاكة شفاهم الله وحما بقية أطفال الأمة .. !
الشاب يمثل منظمة بسمات الخيرية التي أخذت على عاتقها توفير معينات الحركة والسكن لأكثر من خمسة الالاف طفل مصابين بذلك الداء اللعين يتزاحمون في صفوف بالشهور ليصلوا الى المركز الوحيد بالخرطوم المعني بعلاج تلك الحالات بعد أن أُغلق المركز الآخر في ودمدني وفي غياب تام لمؤسسات الدولة التي رفعت يدها عن هذه الخدمة الهامشية في نظرها لتحول ميزانيتها مجنبة للدفاع والأمن !
يقول الشاب تلك الإحصائية فقط حتى عام 2012 ولم تدخل فيها الأعداد التي زادت في عامي 20132014 ، منظمته مع منظمة واحدة أخرى بعنوان تداعي تقومان بتوفير السكن للقادمين من الأقاليم في مبنى مستأجر تتكفل به مما تتلقاه من تبرعات بعض الخيرين ، لا يوجد إسعاف ولا سيارة لنقل المصابين من السكن الى المركز !
البلاد تعمل بها مائة واربعة عشر منظمة جلها وهمي بعناوين ورخص هدفها معروف لاسيما تلك التي انشاها اهل المشروع إياه وهي بعيدة تماما عن فعل الخير في ابسط تجلياته التي تعكسها مأساة هؤلاء الأطفال الذين ليس فيهم واحد من ابناء أهل ذلك المشروع الذين تحط بهم الطائرات بعيداً عن تلوث اجسادهم إحتكاكاً بابناء حثالة الفاقد البشري والإنساني !
هذا المركز الذي يقع في قلب مستشفى الخرطوم المفترض أنه حكومي ، خارج عن رعاية الدولة مثله مثل كل الخدمات التي خرجت ولم تعد !
به اربعة عشر سريراً فقط لمواجهة كل تلك الحالات المتزايدة ، ويعمل به طبيب واحد وهو اصبح ذاته معتل الصحة ، بعد ان هاجر زميله المصدوع الرأس الذي صار اكبر عن طاقية اوجاعه الحياتية ففر بجلده ، غير التخين مثل جلد وزير صحة الخرطوم البروفيسور حميدة الذي قال أن سهام النقد ولا سكاكين التجريح يمكن ان تدميه ، وهو طبعاً الوزير الذي يتاجر في العلم ويبيع العلاج لمن إستطاع اليه سبيلا !
يقول الشاب نزار لم يزر المركز حتى الآن ولا مأوى المرضى أي مسئؤل رسمي من أولئك وهذا من عندي الذين يرقصون في تدشين ماكينات الصرف الآلي لبنك الجيش الثري و يتمايلون في نوبات الدروايش على أعلى مستوياتهم !
في نهاية الستينيات وكنت طالباً بالمرحلة الوسطى عملت في عهد وزير المالية الزاهد الشريف حسين الهندي رحمة الله عليه على ما كان يسمى بند تشغيل العطالة و تم توزيعي بمستشفى الخرطوم ، وكنت اشاهد سيارات البعثات العربية الدبلوماسية والأفريقية تحمل المرضى القادمين للعلاج على ايدي أطبائنا السودانيين ، وكان ذات مستشفى الذرة الذي نحكي عن ماساته الان وليداً في اناقة الفنادق سبع نجوم يستوعب المواطنين والأجانب على حدٍ سواء يديره اطباء سودانيون متفردون في هذا المجال وعلى راسهم الدكتور المناضل خالد حسن التوم الذي علمت انه هاجر في هذا العهد الى أروبا بعد ان ضاق المجال عن إستيعاب مقدراته هنا !
في ذلك العهد كان محرماً على المسئؤل الجمع بين الوظيفة العامة و التجارة ولو كانت لا تتقاطع مع طبيعة عمله الرسمي ، وكان وقتها الدكتور عبد الحميد صالح عليه الرحمة وزيراً للصحة ياتي راجلا للمستشفى بلا حراسة ودون أن يرفع له الخفير سبابته مكبراًً او مهلالا أو حتى يشعر بدخوله منشغلاً عن عمله في البوابة !
وكان عبقري زمانه البروفيسور التيجاني الماحي يجوب المستشقيات مع طلبة الطب ليلقنهم دروس كيفية التعاطي مع المرضي بإحترام حتى يؤثروا في نفسياتهم إيجاباً من منطلق تخصصه الفريد في العالم كله !
وكنت اشاهد البروفيسور طه بعشر ينزل من على مكتبه ليجلس القرفصاء أرضاً مع اهله المرضى القادمين من الشرق شعثاً أغابراً ، لآنه يدرك بتواضعه الجم انهم لايحبون الجلوس على الوثير!
فيا اهل السودان الخيرين هؤلاء اكبادكم يزحفون وهناً على أرض الوطن وهم يتحسسون مواضع قبورهم في ترابه التبر الذي كان واسعاً فضاق بفساد حكامه ، ولعل اصغر هبرة وهي التي ضبطت في مكتب والي الخرطوم الذي يقع تحت سلطته هذا المركز المهمل تفي بإعالة وعلاج هؤلاء المرضى الذين قذفت بهم سياسة تهميش الأطراف الى مركز مغيب ايضا ، فكانوا كمن إستجار بالغرق من الحريق !
مع ملاحظة ، ووفقاً لما ذكره الشاب نزار أن توفير العلاجات المكلفة غير المتوفرة هنا و الحفاظات وبعض الأغذية تاتيهم من متبرعين من خارج السودان وذكر تحديداً بعضاً من نسيبات الشقيقة السعودية جزاهن الله خيراً عن أولئك اليُفّع المغلوبين في صحتهم وإنسانيتهم !
فيا كبدي عليهم ، ويا كبدي الفاً عليك يا وطني , ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم الرحيم بهم والكريم فوق كل حاكم ظالم .. !
احبك من أعماق سويداء فؤادي لأنك دائماً تفجر فينا الحزن النبيل احبك حباً في الله وكل الصادقين في حبهم وإنتماءهم للوطن الجريح الذي ظل ينزف خمسة وعشرين عاماً ونسال الله له طوق النجاة شكراً لك الاستاذ برقاوي ونحن نمني النفس برؤيتك والجلوس امام حضرة جلالك
يا برقاوي، العهد الذي تتحدث فيه، له معطياته، كم كان سعر الدولار بالجنيه السودان، ثم كان عدد سكان السودان، وكم عدد المستشفيات، ووزير الصحة الذي تتحدث آنذاك وزير بلا مهام،الذي يستطيع أن يأتي إلى المستشفى، والطبيب الذي يوجد من ذلك العهد وهاجر بسبب الانقاذ ، هذا المفترض أن يكون جلس في مزرعته الخاصة وترك العمل، من ذلك العهد وتؤثر فيه الانقاذ، بدلاً أن يؤثر فيها.
إنها الرأسمالية المتوحشة – التحلل من الإلتزامات الأساسية للدولة ودورها الإجتماعي( التعليم والصحة)الواجبة على الدولة( يريدون أن يحكموا بدون أن يكونوا مسئولين عن متطلبات الحكم- سلطة بدون مسئولية).
النتيجة الطبيعية لسياسة التحرير الإقتصادي والخصخصة خلق محيط هائل من الفقر المدقع مع وجود جزر صغيرة جدا من الثراء الفاحش.