(نصوم ولا نفطر على بصلة)

د – أشرف عبدالعزيز

من الأمثال ذائعة الصيت (تصوم وتفطر على بصلة)، وهو كناية عن الصوم والإفطار على شيء زهيد لا يغني من الجوع، ويضرب للمنتظر الذي لا يحسن اختياراً بعد طول انتظاره، ولمن امتنع عن شيء لمدة ثم وقع في أردأ أنواعه. ويقولون أحياناً: (صام صام وفطر على بصلة) وأيضاً: (يصوم يصوم ويفطر على بصلة) و المثل قديم، وورد بلفظ: (صام سنة وفطر على بصلة).
ونتيجة لهذا المثل هناك انطباع سائد وسط السودانيين بأن أسعار سلعة (البصل) ينبغي أن تكون رخيصة طول الموسم ولا تتأثر، فحتى (شحدة) المرأة لجارتها (بصلة) يعد أمراً اعتيادياً، فالبصل من الأشياء المتوفرة بالمنازل، والجود به ممكن، ولذلك لا يكون التضجر هو سيد الموقف عندما تطلب الجارة جارتها (بصلة).
يبدو أن كثيراً من المتغييرات في بلاد عرفت بسلة غذاء العالم، بدأت تطفح إلى السطح معلنة عن أزمات جديدة لم يكن يعرفها المواطن السوداني من قبل، فالطماطم مثلاً من السلع التي يتراجع سعرها في فصل الشتاء بحكم غزارة الإنتاج، ولكن في هذا العام ما زالت أسعار الصيف تراوح مكانها، فالكيلو بـ(30) جنيهاً ويزيد بين منطقة وأخرى.
أما البصل فهو (ذهب) السوق هذه الأيام فقد ارتفع سعره بطريقة جنونية، وفي محلات القطاعي (لا يوجد بصل بأقل من 5 جنيهات)، فضلاً عن أن أسعار اللحوم هي الأخرى مرتفعة، وستواصل في الارتفاع لأن خريف هذا العام ليس كسابقه، ما يعني جفاف المراعي وهزال الماشية وغلائها، وهذا يعني أن المواطن (لو كان بملأ الحلة بصل أو يكتفي بالسخينة للرشوشة)، لن يستطيع الحصول على (اللحم) أو (البصل)، وحاله توصفه رائعة مجموعة عقد الجلاد (حاجة آمنة):
حبة عدس ما بسوي شي
وينو البصل وينو الفحم
حبة عجين ما بسوي شي
وينو الدقيق وينو الفحم
البصل سلعة مهمة الوجود فهي تسهم لحدٍ كبيرٍ في تخفيف غلاء المعيشة، فكل القطاعات الفئوية تعتمد عليه، (طلاب المدارس، الموظفون، العمال) كلهم يعتمدون عليه في (تظبيط الفتة) والتي تمثل طعام الإفطار الرئيس لمعظم أهل السودان.
ويزداد حجم المعاناة عندما ترتفع أسعار البصل والطماطم واللحوم، ويتفاجأ المواطنون بأزمة الغاز تطل برأسها من جديد، وغول السوق الأسود يتحكم في سوق الغاز.
يحدث كل ذلك والحكومة تبشر بالحوار المجتمعي والمجتمع مقهور بالأزمات السياسية ومطحون بالأزمات الاقتصادية الناتجة عنها، فرب الأسرة بالكاد لا يعرف كيف يدير (أمور) بيته وتلاحقه اللعنات من الصباح الباكر، ولذلك كثرت حالات الطلاق والتهرب من المسؤوليات وكثر الغش وملأ الفساد الأرض وامتلأت السجون بأصحاب (الشيكات الطائرة)، ليبلغ البؤس بالسودانيين في عهد الحوار الوطني (الصوم) عن اللحوم والطماطم وأخيراً قد يفشلون في الإفطار حتى ببصلة.
الجريدة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..