مقالات وآراء

التحديات البيئية والصحية التي تواجه المجتمعات في أعقاب الحروب والنزاعات المسلحة : السودان نموذجًا

✍️ طه هارون حامد

 

مقدمة

الحروب والنزاعات المسلحة تترك آثارًا مدمرة لا تقتصر فقط على الدمار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بل تمتد لتطال البيئة والصحة العامة بشكل عميق ومستمر. في حالات كثيرة، يستمر تأثير هذه التحديات لعقود بعد توقف القتال. السودان، بكونه أحد البلدان التي عانت من سلسلة طويلة من النزاعات المسلحة، يشكّل مثالًا حيًا على كيفية تداخل الصراعات مع تفاقم الأزمات البيئية والصحية.

أولاً : الأثر البيئي للنزاعات المسلحة …..

1. تدهور الأراضي والغطاء النباتي والغابي

الحروب كثيرًا ما تؤدي إلى نزوح ولجؤ جماعي للسكان من المناطق الزراعية، مما يخل بالتوازن البيئي نتيجة قلة الزراعة والمتابعة وحتي الحصاد والصيانة. في السودان، أدى النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق إلى إهمال الأراضي الزراعية وتحول العديد منها إلى أراضٍ جرداء بفعل الجفاف وانعدام العناية وفعل الانسان الي استخدام الغابات كوقود للطهي نسبة لانعدام غاز الطبخ .

2. التصحر واستنزاف الموارد الطبيعية

استُخدمت الموارد الطبيعية في السودان كمصادر تمويل للقتال، وخاصة الموارد المعدنية مثل الذهب، ما أدى إلى تدمير بيئات كاملة نتيجة التعدين غير المنظم. وايضا تسبب في حالات اجتماعية اخري كالعزوف عن مهنة الزراعة واطالة فترة كسب المال وهذا التاخير يتسبب في طلاقات وخراب اسر .كما تسببت عمليات النزوح والتمركز السكاني حول المناطق الآمنة في ضغط شديد على الموارد البيئية، خاصة المياه والغابات.

3. التلوث

استخدام الأسلحة، وتدمير البنية التحتية، وتسرب الوقود والزيوت من المركبات العسكرية، كلها عوامل ساهمت في تلوث الهواء والتربة والمياه. مناطق مثل جنوب السودان ودارفور شهدت حالات تلوث واضحة في المياه الجوفية بفعل مخلفات الحرب.

ثانيًا : التحديات الصحية بعد الحرب

1. انهيار النظام الصحي

واحدة من أكبر الكوارث التي تلي الحروب هي تدمير المستشفيات والمرافق الصحية. في السودان، تعرضت العديد من المنشآت الطبية للنهب أو الدمار، خاصة في الخرطوم ومدن دارفور. أدى ذلك إلى عجز خطير في تقديم الرعاية الصحية الاساسية والصحة العامة للسكان.

2. انتشار الأمراض المعدية

مع النزوح الجماعي والعيش في مخيمات غير مجهزة، ترتفع معدلات الإصابة بالأمراض المعدية مثل الملاريا، والكوليرا، والحصبة. وامراض الجوع في السودان، سجلت وزارة الصحة تفشيًا متكررًا للكوليرا في مناطق النزوح، إلى جانب تفشي حمى الضنك في بعض الولايات.

3. الأثر النفسي والنفسي اجتماعي

الحروب تترك جروحًا غير مرئية، حيث يعاني العديد من الناجين، خاصة الأطفالوالنساء ، من اضطرابات ما بعد الصدمة، والقلق، والاكتئاب. غياب الدعم النفسي والاجتماعي يفاقم هذه الحالة، مما يجعل من الصعب إعادة دمج الأفراد في المجتمع بعد انتهاء النزاع.

ثالثًا : التحديات في الاستجابة والتعافي

1. ضعف البنية التحتية

السودان يواجه تحديًا حقيقيًا في إعادة تأهيل البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والمياه والصرف الصحي، وهي أمور ضرورية لتحسين الوضع البيئي والصحي.

2. نقص التمويل والدعم الدولي

رغم وجود جهود دولية، فإن الاستجابة لأزمات السودان غالبًا ما تكون محدودة بسبب تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي. هذا يحد من قدرة الجهات الفاعلة على تقديم دعم فعال ومستدام.

3. غياب التخطيط البيئي والصحي طويل الأمد

غالبًا ما تُدار الأزمات بشكل رد فعل وليس عبر تخطيط استراتيجي. هناك حاجة ماسة إلى خطط وطنية تضع في الحسبان إعادة إعمار البيئة والصحة العامة كأولوية مركزية.

في النهاية

إن التحديات البيئية والصحية التي تواجه المجتمعات بعد النزاعات المسلحة ليست فقط نتيجة مباشرة للدمار، بل نتيجة تراكمية لتداخل العوامل البيئية والاجتماعية والسياسية. السودان، بما شهده من صراعات طويلة الأمد، يمثل حالة معقدة تتطلب استجابة شاملة ومتكاملة. لا يمكن تحقيق السلام الحقيقي دون معالجة الجوانب البيئية والصحية، فهما أساس الاستقرار والتنمية المستدامة في أي مجتمع.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..