ماذا بعد استقلال الجنوب؟ا

عبدالله عبيد حسن

من المعروف أن مجموعة "الإيغاد" هي المنظمة الإفريقية التي أمسكت أصلاً زمام المبادرة لحل أزمة السودان في أول اجتماع حضره الفريق البشير -رئيس مجلس ثورة الإنقاذ آنذاك- وطلب من الدول الإفريقية الشقيقة أن تتدخل بين الحكومة السودانية الجديدة حينها و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" التي بدأت حربها الطويلة لـ"تحرير السودان"، بقيادة زعيمها الراحل قرنق، منذ أوائل الثمانينيات في عهد "ثورة مايو" برئاسة نميري.. وقد لا تكون ثمة حاجة للتذكير ببقية القصة التي انتهت بتوقيع اتفاق نيفاشا في كينيا بين "الحركة الشعبية" و"حكومة الإنقاذ"، على أساس وقف الحرب المدمرة وتشكيل حكومة الفترة الانتقالية التي تولى فيها "قرنق" منصب النائب الأول لرئيس جمهورية السودان ورئاسة حكومة الجنوب.

وحسب ما أعلنه وزير التعاون الدولي في حكومة الجنوب "دينق آلور"، فإن رؤساء "الإيغاد" كانوا قد اتفقوا على أن يقود البشير وفدهم إلى جوبا لحضور إعلان قيام دولة جنوب السودان، وأن الطرفين في الشمال والجنوب قد اتفقا على استمرار التفاوض بينهما والحوار الأخوي لحل القضايا العالقة وفي مقدمتها مسألة "أبيي" والحدود والديون… إلخ.

ووفقاً لتصريحات أمين الإعلام في "المؤتمر الوطني" إبراهيم غندور، التي دحض فيها "المخاوف والشائعات غير المسؤولة"، فإن التخرصات المغرضة التي تنتشر بين الناس لبث المخاوف من حدوث اضطرابات وأعمال عنف بين الطرفين في المستقبل القريب لن تحدث "فالشعب السوداني شعب واعٍ ومدرك ولن يسمح لأحد بجره إلى أعمال التخريب والعنف" وإن حزبه "المؤتمر الوطني على قلب رجل واحد وسيفي بكل التزاماته وسيحرص على علاقات حسن الجوار والتعاون مع حكومة جنوب السودان".

وهذا في الحقيقة أمل ورجاء يشاركه فيه غالبية السودانيين الذين عرفوا وذاقوا مرارة ومآسي الحروب الأهلية وأصبحت الحرب -كحل للمشاكل والخلافات- مرفوضة من جانبهم. أما تلك الأصوات النشاز والمتهورة التي ترتفع من بعض غير العقلاء باتجاه التصعيد فلا تعبر عن آمال وتطلعات الشعب السوداني الذي يريد أن يعيش في سلام ويتوجه لبناء وتنمية بلاده، وبسط العدل والمساواة وتحقيق الديمقراطية وكفالة الحرية واحترام وحفظ حقوق الإنسان (المواطن) المشروعة.

لقد واجه السودان في تاريخه القريب مثل هذه المواقف، فمع اختلاف الآراء، كان السودان في حالة انقسام شعبي في الرأي قبل إعلان استقلال السودان في الأول من يناير، بين غالبية برلمانية حققت انتصاراً في أول انتخابات ديمقراطية وشكل حزبها "الحزب الوطني الاتحادي" برئاسة إسماعيل الأزهري تحت شعار وحدة وادي النيل (الوحدة مع مصر)، وأقلية برلمانية يدعو حزبها "حزب الأمة" بزعامة الإمام عبدالرحمن المهدي، إلى استقلال السودان.. وفي ذلك الجو المشحون تنبأ "جيمس روبتسون"، آخر نائب لحاكم السودان البريطاني، بأن البلد سيشهد حرباً أهلية بين الاستقلاليين والاتحاديين.. وخيبت الحكمة التي تميز بها جيل الرواد الأوائل آمال ونبوءة "جيمس روبتسون"، وحققوا بقرار من مجلس البرلمان استقلال السودان.. وكانت هنالك هواجس ومرارة شحنت بهما عقول وقلوب بعض إخوتنا المصريين.. وتغلب العقل والحكمة في قرار عبدالناصر التاريخي، بأن تكون مصر أول دولة تعترف باستقلال السودان.. وبالحكمة والعقل اتفق الطرفان على حل قضية العملة، (كان الجنيه المصري هو عملة السودان الرسمية)، وتوصلا لاتفاق حول تقسيم مياه النيل. وعندما اندفع بعض المتطرفين من الطرفين (المصري والسوداني) وبعثوا بقوات مصرية إلى حلايب ووصل الأمر إلى درجة أن السودان تقدم بشكوى ضد مصر متهماً إياها باحتلال بعض أراضيه، إلى مجلس الأمن.. وقبل انعقاد جلسة مجلس الأمن التي تحمس لدعوتها على عجل المندوب البريطاني، استجاب عبدالناصر لنصائح ودعوة حلفائه في السودان، وأمر بسحب القوات المصرية من حلايب.

وإذا سارت الأمور اليوم أيضاً كما ينبغي، وكما يأمل السودانيون، فإن حكومة "الإنقاذ" و"الحركة الشعبية" (حكومة جنوب السودان الجديدة) ستسجلان لتاريخهما محمدة طيبة، وستجنبان البلاد شرور وآلام العودة إلى المربع الأول.. مربع الحرب الأهلية البغيضة.

جريدة الاتحاد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..