ذهبية تلفزيون السودان .. من الطفولة الى الكهولة !

ذهبية تلفزيون السودان ..من الطفولة الى الكهولة !
محمد عبد الله برقاوي..
[email][email protected][/email]
الكثير من الأحداث في حياة الانسان التي ترتبط بايام الطفولة تظل صورا حية في شاشة الذاكرة ، يتجدد شريطها ، كلما مسته أصابع الظروف و لامسته نسائم المناسبات فتتحرك معه مساحات من أيام خضراء كان فيها الذهن غضا ينمو في مناخات مختلفة مع اكتساب الرؤى والمعارف ومتابعة المستجدات!
فحينما انشأت حكومة الفريق الراحل ابراهيم عبود جهازا كان يصعب علينا في ذلك العمر البكر ليس تخيل كيفية عمله السحري بل مجرد نطق اسمه بصورة صحيحة!
وقتها لم أكن شخصيا قد جئت الى العاصمة من جزيرتنا الفيحاء التي لم تكن بعد المعونة الأمريكية قد ربطتهما بهذا الطريق القاتل!
كان والدي بحكم ارتباطه بالبندر ، عندما يحكي للأهل بالقرية عن صندوق وضع اللواء المرحوم طلعت فريد عددا منه في أندية المشاهدة المفتوحة عند الحدائق العامة التي كانت تتشرب جمالا من ضوء المصابيح المنثورة فيها فتتلون الجلسة بالأزاهير التي تعبيء أنفاس الجو عبقا مع انبهار الناس بذلك الصندوق الساحر، فكان أهلنا في الريف وقتها يعلقون ساخرين بان ما يحكي عنه الوالد ما هو الا.. من غرائب عمل الشيطان الذي ينبيء بدنو القيامة !
ومن هنا بات الحلم يكبر في المخيلة والأمل يتزايد والسؤال يجول حائرا في الخاطر ، متى نرى ذلك الشيطان الرجيم؟
لم يمضي على الحدث عامان ، حتى قامت ثورة أكتوبر 1964، فأنقلب صندوق السحر على ساحره وبات ذلك الشيطان يبث ما يعيب حكم العسكر وتنطلق منه أناشد التفاؤل بالحرية والغد المشرق !
وبعدها جاء ت الوفود في العيد الأول للثورة لتغني معنا من أفريقيا والعالم العربي ، ربما كان بعضها أكثر انبهارا بذلك الجهاز العجيب مني وأمثالي وقد نزحنا لنعيش تلك الاحتفالات التي جعلت من الخرطوم عروسا تزينت فوق جمال ذلك الصبا الذي كان يكسوها نضارا !
بالأمس شهدنا الليلة الختامية لذهبية التلفزيون الذي قطعنا معه مشواره خلالها من مرحلة الطفولة وحتى بلغ اليوم معنا بوابة الكهولة ليدلف منها الي خمسينية جديدة !
خمسون نجدها تقاصرت خطاها ، اذا ما حسمنا عامي النشأة الأولي في ظل حكم الفريق عبود وثمان أخرى من ديمقراطية كسيحة متقطعة الأوصال لم تصمد كثيرا في تعلقها بهوائي الارسال التلفزيوني الحر!
لنجد ان أربعين أخرى قضاها هذا الجهاز مستلبا بكلياته من سلطة العسكر والديكتاتوريات التي جعلت منه ملكا خاصا لها وحكرا لتكميم الأفواه وتسميم الشرايين بضخ الفكرة الواحدة من الرجل الواحد الذي استخدمه على مدى ستة عشر عاما خنجرا لذبح انسانية المواطن ، وشتمه وتلقينه دروس السخف في كيفية العيش بتقتيروجوع وطول وقوف خلف الصفوف في هجير كفاف لف البلاد وذل كرامة العباد !
وهاهو التلفزيون ينهي خمسينيته الأولي المنقوصة سليبا من جماعة لونته على مدى اربع وعشرين سنة أخرى بصبغة الدم وبثت من خلا ل فضائه رائحة الموت ، ونشرت عبارات استعداء الآخرين !
بينما كان منشؤه الفريق عبود وياللمفارقة قد صرح عبره وهو يعود من رحلة طار فيها وقتها بين موسكو وواشنطن ، فقال لأهل السودان المسالم لقد جئتكم بصداقة الشعوب !
لم أشهد فعاليات الاحتفال باليوبيل الذهبي كلها ، ولكن وحيث يقال أن العبرة بالنتائج فان حفل الختام في ليلة الثالث والعشرين من ديسمبر كان هزيلا بكل المقاييس ومرتبكا وارتجاليا لا يرقى للتاريخ الطويل والمشوار الذي قطعه هذا الصندوق وهو يتنقل من ساعات ارساله المحدودة في البدايات ، ومن ثم الى ساعات بثه المتقطعة ، وديكور الخشب والبث المباشر وشرائط التليسينما ، وبعدها مرحلة التسجيل بالفديو تيب ، الى التلوين ومن ثم التصوير الديجيتال و الديكور الافتراضي ، وليس انتهاء بالبث المتواصل لاربع وعشرين ساعة..ولكن !
اختصر الاحتفال على تكريم عدد بسيط من عمالقة الاعلام في أزمنة مختلفة بعضهم رحلوا .. وآخرين ندعو لهم بالصحة والعافية، فمن الراحلين كان عراب النشاة التلفزيونية اللواء محمد طلعت فريد ، والاعلامي الفذ محمد عامر بشير فوراوي ، والمدير الشهير للاذاعة الصاغ التاج حمد ، ومن الأحياء البروفيسور الغني بالمعارف وعن التعريف ، على محمد شمو ، و الاعلامي الباحث والمترجم للتراث وأغاني الحقيبة والمديح الدكتور ادريس البنا !
ولا أدري ان كان تم تكريم رواد اخرين في احتفالات سابقة ، ولكن اذا اقتصر الأمر على من ذكرناهم فان في ذلك حيف وظلم بالغ في حق الكثيرين ممن حملوا هذا الصندوق ثقيلا بالأعباء في صحراء مسيره الطويل وهم رجال ونساء ظلوا نجوما مشعة في عيون الكاميرا و ذاكرة المشاهد!
وهنالك غيرهم من الفنيين والعاملين الذين ابدعوا في كل حقول العمل التلفزيوني من خلف الكواليس، منهم من قضى نحبه فلا ينبغي ان ينسى وحيدا في مرقده الأبدي ، ومنهم من فر بجلده مهاجرا ولا يستحق الجحود وهو في غيبته القسرية!
ويبقى السؤال ، هل كانت خمسينية كهولة التلفزيون الذي يسمى قوميا ، حقا ذهبية وقد تساقط من خطاها أربعون عاما مابين العسكري الأوحد الحاكم بأمره الذي قال أنا من سيحكمكم الى الأبد ولم يخلق بعد من يبعدني عن الشاشة التي أنا جبارها وقاهركم الخالد، ولكنه مالبث أن مضى في دروب النسيان !
فماذا ياترى تقول عيون كاميرات تلفزيوننا لمن أتى بعده وقد اضنى حدقاتها و أغرقها في بحور دموع الثكالى ، وأعشاها بغبار طول البقاء ، وثقب مسامع المايكروفونات بصراخ الهراء والافتراء والقدح والذم حتى سكتت دون ذلك حنجرته عاجزة بالأمس عن النطق بكلمة واحدة في هذه المناسبة !
شفاه الله رغم كل شيء وشفانا منه كحاكم مع نظامه الذى نخشى أن يفاجئنا هو الآخر من وراء صمتنا المريب عليه ، بطي خمسينيته التي سيسميها ذهبية دون شك!
وأعتقنا اللهم من الذين سودوا الشاشة بمأتمهم الذي لا ينقطع حداده، وقد كنا نريدها ذهبية حقا لتنمية العقول بحرية التعبير للكل قولا للحق واختلافا فيه رحمة للوطن لازحمة لساعات الارسال بشحنات الملل الذي جعل الناس يهربون بأصابعهم الى فضاءات أخرى لينفسوا فيها احتقان الأسى الطويل !
وها قد قطعنا مع ذلك الصندوق ، مشوار حياتنا منذ الطفولة ، وحتى عبرنا معه حاجز الكهولة ، فلست أدري ما ذا سيكون شكله ومضمونه ومعناه ومبناه في خمسينيته الجديدة ، وكل ما وعدنا به أهله وقد بثوا في مخيلة الآمال التائقة للتغيير رسما لمدينة اعلامية لطالما سمعنا عنها منذ ربع قرن ولا زلنا نشاهد مما نسمع ، ونخشى أن ننتظر ربما طويلا!
هذا ان أمد الله في الأيام التي هي دول !
لا بد من الإشادة برجالات التلفزيون الإذاعة السودانية لالأوائل الذين إستطاعوا أن يجعلوا التلفزيون والاذاعة منارات حقيقية ساهمت في تدعيم الوحدة والوئام والنسيج الإجتماعي السوداني برغم أن حكم الإنقاذ دمر ما حققته تلك المجهودات ولا ننسى مجهودات الإذاعة في برنامج ركن الجنوب ويوسف فتاكي وغيره من الفنانين وبرنامج في ربوع السودان وحقيبة الفن تلك البرامج التي كان لها دور كبير في الحفاظ على التراس ولا ننسى أن التلفزيون السوداني سبق كل التفزيونات العربية في إدخال الصورة الملونة ولكن لا بد من ذكر المآخذ والسلبيات والتي هي ضياع تسجيلات برنامج بيت الجاك لإبراهيم الصلحي والذي أعتقد أنه أفضل برنامج في تاريخ التلفزيون وكذلك عدم وجود تسجيلات للكاشف ورمضان حسن وغيرهم من الفنانين القدماء وهذه سلبيات قسم الموسيقى وضياح تسجيلات توثيقية للراحل اسماعيل عبدالمعين وكثير من البرامج ولذلك لا بد من إع7ادة التوثيق للبرامج والتسجيلات الهامة والتاريخية .
احتفالات هذيلة ؟؟اخطاء كتييييييرة..سوء تنظيم وادارة..بس الحسنة الوحيدة في الاحتفالات دي انا شفت ناس ليها وزنها من المذيعين القدامي اناقة ورقي وتهذيب وعرفت ليه التلفزيون اتدهور في عهد الانقاذ والمحسوبية..اصلا الناس دي طلعت من التلفزيون كيف؟؟؟فنشوهم ولأ اقصوهم؟؟ولا قرفوهم؟؟؟ انا متأكده الادارات القديمة دي لو كانت استمرت في نااااااس كتار ما كان استجرأو يمرو قدام مبني التلفزيون زي فلان وفلان وعلان وعلان..يلا هي جات علي التلفزيون ما كل شي اتدمر