أخبار السودان

الذكرى الخامسة: العطبراوي.. مسيرة حافلة في خارطة الغناء وحب الوطن

عطبرة – نسيبة محجوب

ما إن تذكر مدينة الحديد والنار (عطبرة) إلا ويذكر القامة الفنية حسن خليفة الشهير بـ (العطبراوي)، الذي تشبع فيها بقيم ومعاني النضال، فقد كتب اسمه بأحرف من نور بما أثرى به الساحة الفنية، التي كانت بمثابة جواز مرور إلى قلوب كل أهل السودان، والمجتمع العطبراوي على وجه الخصوص، لاسيما الأغنيات الوطنية التي نادت بجلاء الاستعمار، كيف حدث ذلك ومتى؟.. هذا ما حكته لنا ابنته ستنا في ذكرى وفاته الثامنة التي توافق (5) مايو الجاري.

تبادل للتحايا

ترجع أصول الفنان العملاق إلى قبيلة الشايقية وتحديداً من مدينة كريمة، بحسب ستنا العطبراوي. وقالت إن جدها لأبيها حط الرحال في مدينة عطبرة التي جاء إليها من كريمة منطقة البركل، بصحبة زوجته (زينب الشايقية)، بهدف تحفيظ القرآن، وفي العام (1929)م شهدت مدينة عطبرة ميلاد الفنان العطبراوي الذي نشأ وترعرع فيها، هو وأشقاؤه أحمد، محمد، عثمان ومرحوم.

من القاهرة إلى الجزارة

قالت ستنا: وعندما وصل والدي سن التعليم المدرسي انضم إلى صفوف مدرسة الكتاب التي احتلت مدرسة الشرقية بالفكي مدني حالياً مكانها، ثم التحق بخلوة الشيخ العوض وحفظ أجزاءً من القرآن الكريم.. وأضافت: تزوج والدي في منتصف الخمسينيات بفاطمة وأنجب منها خليفة، وبعد وفاتها تزوج بأم الحسن في سنة (1971) فأنجبتني وشقيقتي زينب.

وتابعت ستنا حديثها، وقالت: عمل والدي في بداية حياته بمهنة التمريض ثم مصنع الزراير، وعند حلول عام (1936)م قرَّر السفر إلى القاهرة التي تأثر بالحياة الثقافية فيها، وشارك في إحدى المهرجانات التي أقيمت هناك، مكث والدي هناك ثلاث سنوات ثم عاد أدراجه إلى عطبرة في عام (1939)م، ليمتهن الجزارة التي كان يعتز بها، وفي (1940)م قرر أن يبدأ حياته الفنية مع أقرانه عبر جلساتهم بالحي، وكانت بدايته كأي فنان مبتدئ يردد اغاني الفنانين الكبار، فتغنى للراحل كرومة لشغفه بسماعها.

معارضة أسرية

كانت أسرة العطبراوي كأي أسرة سودانية متمسكة بالعادات والتقاليد، لذا لم تستقبل أسرته نبأ ولوجه لعالم الفن بالقبول. وأبانت ستنا أن والدها واجه معارضة أسرته خاصة إخوانه بصبر وصمد. وواصل مسيرته الفنية، فكانت أغنية (يا وطني العزيز) التي كتبها له الطيب حسن، وهي أول عمل خاص له، وفي منتصف الأربعينيات تعلم عزف العود بنادي النيل. وأضافت: كان دكان القوصي بسوق عطبرة ملاذاً يأوي إليه يومياً يتبادل فيه التحايا مع المارة والمعجبين.

تسجيل الإذاعة

بعد أن راجت أغنيته وذاع صيتها بالبلاد، وتذوق العطبراوي طعم النجاح، لم يكن هناك مجال للتراجع، فواصل في مسيرته الفنية إلى أن وصلته دعوة من الإذاعة القومية لتسجيل بعض الأغنيات، أكدت ذلك ستنا. وقالت: في عام (1948)م سجَّل والدي أغنيته (أنا سوداني)، أول أغنية له بالإذاعة القومية، بعد الدعوة التي قدمها له مدير الإذاعة آنذاك الأستاذ متولي مرحوم. وتابعت: توالت التسجيلات بعد ذلك إلى أن بلغ عددها مائتي أغنية، منها العاطفي والوطني وهو الغالب، فضلاً عن الأناشيد الدينية، وله أيضاً عشر أغنيات باللغة العربية الفصحى ساعدته تلاوته للقرآن على إجادتها، على حد قوله لي رحمه الله، عدد منها كتبها شعراء عرب، منهم على سبيل المثال الأمير عبدالله الفيصل (حبيبتي من تكون)، التي تغنى بها عبدالحليم حافظ، والشاعر السوري عمر أبوالريشة.

على الهواء

وكان العطبراوي فناناً من الدرجة الأولى في حب الوطن والمواطن، وتطوير مهنته خاصة، حتى أنه في العام (1950)م كون أول دار لتجمع الفنانين بعطبرة مشاركاً فرقة النهضة في ذلك، وفي (1958)م تمكنوا من إخراج مايكرفون الإذاعة القومية من الخرطوم إلى عطبرة ليصبح أول حفل غنائي ينقل على الهواء مباشرة خارج العاصمة.

وطنية وعاطفية

اشتهر العطبراوي بأغنياته الوطنية التي كانت تشعل جذوة النضال في نفوس المناضلين، وكانت تحرق قلب المستعمر، وعرضت حياته لمخاطر جمة، لكنه لم يأبه لذلك، وواصل نضاله ضد المستعمر إلى أن خرج خائباً يجرجر أذيال الهزيمة، لفتت ستنا إلى أن والدها عرض حياته للخطر عندما أصر على ترديد أغنيته الشهيرة (يا غريب بلدك) للشاعر يوسف مصطفى التني، وحتى لا يتمكن من ترديدها وضعه المستمعر رهن الاعتقال مدة من الزمن، وكان يتعامل مع عدد من الشعراء الكبار، فكتب له محمد عبدالرحيم (أنا سوداني)، و(لن أحيد) لمحيي الدين فارس، و(يا وطني العزيز) للطيب حسن، أما الأغنيات العاطفية تعامل فيها مع الشاعر الطاهر محمد عثمان في (القلوب مرتاحة)، (مالك ما اعتيادي) و(ستنا) التي حملت اسمها للشاعر تاج السر عباس، أما الألحان قالت ابنته إنه كان يعتمد على نفسه في تلحين أغنياته بجانب كتابة عدد من القصائد التي شارك فيها المجتمع بفئاته المختلفة، فكتب لعطبرة وللعمال وللمرأة أيضاً، وكان عليه الرحمة مناصراً للقضية الفلسطينية، وكان قومي المبدأ، إذ لم يمنعه ميوله للهلال من الكتابة للمريخ عندما حمل كأس منديلا، وغيرها من الأندية القومية وأندية عطبرة، وله عدد من الكتابات الشعرية لم تر النور حتى وفاته.

العطبراوي وأبو داؤود

كان يقدر العطبراوي الصداقة ويضعها موضعاً حسناً، فقد كان صديقاً صدوقاً. وأشارت ستنا أثناء حديثها الصداقة القوية التي كانت تجمع والدها والفنان الراحل أبوداؤود. وقالت: كان والدي يضع أبوداؤود في منزلة عالية، فكانت علاقتهم أكثر من كونها صداقة، حتى أن علاقتهم امتدت إلى الأسرتين. وأضافت: أظن أن الثنائية التي جمعت بينهما في بداية مشوار الوالد الفني هي التي ساهمت بشكل كبير في توطيد العلاقة بينهما، فضلاً عن إقامته بمنزلنا عند زيارته عطبرة، بعد انتقالة من بربر إلى الخرطوم، وأذكر أن والدي قدمت له العديد من الإغراءات للانتقال للخرطوم، إلا أن حبه وعشقه لعطبرة لم يسمح بمساومته بأضواء العاصمة، فكان عليه الرحمة لا يخرج من عطبرة إلا للتسجيل للإذاعة أو للمشاركة في مهرجان. وتابعت: شارك والدي في العديد من المهرجانات سواء أكانت داخل السودان أو خارجه في الإمارات وإثيوبيا والمملكة العربية السعودية أيضاً.

رحيل الأمير

في الخامس من مايو (2007)م فجعت الأسرة ومدينة عطبرة بذاك الخبر الذي يحمل رحيل أمير الأغنية الوطنية، الذي هز مدينة عطبرة التي عشقها وأحبها كثيراً، وكان دائماً يردد عبارته الشهيرة “لو عاشت الأسماك خارج الماء لعاش العطبراوي خارج عطبرة”، ولم يُخذل العطبراوي فى أهل عطبرة فبادلوه الحب بالحب حتى أنهم دعموه عند تشييد منزله.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. نسأل الله الكريم الرحمة والغفران للأخ الصديق الراحل فنان الوطن الهرم الشامخ حسن خليفة
    وندعو الله أن يمطر على قبره شآبيب الرحمة وأن ينزله منزل صدق مع الصالحين..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..