في يوم (الرهيفة التنقد).. موجة ثورية عالية تُلامس محيط القصر

الخرطوم: عبد الناصر الحاج / مروه الأمين
كالعادة تم الإعلان مؤخراً عن مليونية “غنجة” تحمل اسم (الرهيفة التنقد) خارج جدول لجان المقاومة المُعلن منذ بداية شهر فبراير الجاري، واستطاعت المليونية هذه إحداث ربكة كبيرة للقوات الأمنية وكادت أن تصل محيط القصر الرئاسي، قابلتها السلطات بوابل من القنابل المُسيلة للدموع للدرجة التي جعلت منطقة الخرطوم شرق تغرق في سحابة من الدخان، وفي ذات الأثناء حمل توقيت المليونية دلالات أخرى كثيرة ترتبط بتأجيل الإعلان السياسي للجان ولاية الخرطوم، فضلاً عن أحاديث تدور حول أوضاع المعتقلين، تزامناً مع زيارة مُعلنة للخبير الأممي لحقوق الإنسان، أداما ديانغ، وهو ذات الأمر الذي يوصفه مراقبون بأنه تطور كبير في مسار الأزمة السياسية في البلاد، خصوصاً في ظل نهوض لا يتوقف للحركة الثورية الرافضة للسلطة بشكلها الحالي، وكذلك في وقت تُصر فيه السلطات على المُضي قدماً في إجراءاتها دون الإلتفات لأصوات المتظاهرين ودون السماع لوجهة النظر الدولية التي ظل يتعلق بها رئيس البعثة الأممية في السودان، وهو ما يُشير إلى أن احتمالات الحلول باتت بعيدة بين الطرفين، وأن الوصول لتفاهمات بات أمراً مستحيلاً ، ولم يعد هناك حلاً غير انتصار طرف على الآخر.
(1) التظاهرات المباغتة..
ارتباك مفاجئ أوساط القوات الأمنية
أطلقت القوات الأمنية عبوات الغاز والقنابل الصوتية بكثافة على الثوار الذين نجحوا في كسر الترسانة الأمنية التي كانت ترابط عند مداخل شارع القصر بالقرب من موقف شروني في الخرطوم، وزحفت حشود الثوار حتى تقاطع السيد عبد الرحمن مع شارع القصر، إلا أن القوات قابلت تلك الحشود بوابل من الغاز المُسيل للدموع، ورصدت (الجريدة) عمليات كر وفر بين المتظاهرين والقوات الأمنية عند مداخل شارع القصر وشارع الحوادث والسيد عبد الرحمن وسط أصوات داوية للقنابل الصوتية وسحب الدخان الذي غطى عموم المنطقة في قلب الخرطوم. ورصدت (الجريدة) عدد من الإصابات أوساط المتظاهرين واعتقالات متفرقة بين المتظاهرين، بيد أن اللافت في الأمر أن مليونية الرهيفة التنقد أظهرت حماساً منقطع النظير عند الثوار لاستعادة الزخم الثوري إلى بداياته الأولى، فضلاً عن تزامنها مع زيارة الخبير الأممي لحقوق الانسان للخرطوم، هذا بجانب أن الفراغ من الإعلان السياسي للجان المقاومة قد منح شعوراً إيجابياً وطاقة إضافية للثوار في مقابلة الاستحقاقات الثورية على أرض الميدان.
(2) تأجيل الإعلان عن الميثاق..
لجان مقاومة الخرطوم تدخر مجهودها لخطوة أكبر
كان مفاجئاً للأوساط التي ظلت تترقب نشاط لجان المقاومة، بأن تنسيقيات لجان المقاومة أعلنت عن تأجيل التوقيع على الميثاق السياسي الذي كان معتزما أمس “الأحد”، لأسباب وصفتها بالفنية. ويهدف الميثاق لإسقاط السلطة الحاكمة حيث يشهد السودان احتجاجات راتبة مناهضة لقرارات القائد العام للجيش التي أصدرها في الخامس والعشرون من أكتوبر الماضي، والتي حل بموجبها مجلسي السيادة والوزراء واعتقل عدداً من رموز القوى السياسية ووزراء الحكومة الانتقالية، كما ينص على مراجعة اتفاق جوبا للسلام وتكوين هياكل حكم انتقالي. وقدم بيان أصدرته لجان المقاومة السبت، اعتذارا على عدم الالتزام بالمصفوفة المتفق حولها لتدشين تأسيس “سلطة الشعب” لأسباب فنية متعلقة بإعلام الولاية. وأكدت الانتهاء من الميثاق في جميع مراحله الفنية والقانونية، ويخضع لمرحلة العرض الختامية على القواعد الثورية صاحبة القرار بغية نشره لبقية الشعب السوداني للإضافة والتعديل أو الحذف. واطلعت (الجريدة) على الميثاق المنتظر طرحه للتوقيع في وقت لاحق متضمنا” إسقاط انقلاب الخامس والعشرون من أكتوبر ومحاسبة كل الضالعين فيه من المدنيين والعسكريين، وإلغاء الوثيقة الدستورية ومراجعة الاتفاقيات المبرمة والمراسيم الصادرة منذ الحادي عشر من أبريل 2019″. وشدد الميثاق على رفض دعوات التفاوض المباشرة وغير المباشرة مع من وصفهم بالانقلابيين والاستمرار في المقاومة السلمية إلى حين إسقاطهم. ونادى ببناء دستور انتقالي يؤسس لهياكل حكم انتقالي يعمل على تحقيق أهداف الثورة وإنجاز مهام التغيير في فترة زمنية قدرها عامين، كما نص على أن تشمل هياكل الحكم الانتقالي تسمية رئيس وزراء من الكفاءات الوطنية المستقلة المنحازة لثورة ديسمبر، لاستلام السلطة وتسيير المهام السيادية والتنفيذية بعد إسقاط الانقلاب إلى حين إجازة الدستور الانتقالي. واقترح الميثاق تكوين مجلس تشريعي انتقالي يمثل كل قوى الثورة الحية، يعتمد تعيين الحكومة التنفيذية ومراقبة أدائها فضلاً عن اعتماد المفوضيات المستقلة ومتابعة أعمالها وإجازة التشريعات والقوانين الانتقالية. وطالب الإعلان بتبني نظام حكم فدرالي لإدارة الفترة الانتقالية بما يعزز خيارات الوحدة الوطنية ويضمن التوزيع العادل للثروة والسلطة. وأكد الميثاق أن قضية العدالة الانتقالية والجنائية هي الضامن الوحيد لانتقال سياسي مكتمل الجوانب عبر مخاطبة كل رصيد الغبن والمرارات وقطع الطريق على الفظائع والانتهاكات في المستقبل. وشدد الإعلان على مراجعة اتفاق سلام جوبا كلياً في إطار وطني أشمل لمعالجة القصور الذي شابه نتيجة عدم إشراك أصحاب المصلحة في السلام في مناطق النزاع المختلفة كجزء من العملية التفاوضية وتجزئة القضية الوطنية الواحدة إلى مسارات مختلفة مما قاد لتفجر الأوضاع بمناطق مختلفة من البلاد. وفيما يخص بإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية طالب الإعلان بإعادة بناء جهاز المخابرات الوطني وضبط صلاحياته لتقتصر على جمع المعلومات وتصنيفها وتسليمها لجهات الاختصاص، بجانب إعادة هيكلة الشرطة وإصلاحها لضمان مهنيتها واستقلاليتها واحترافيتها لتقوم بدورها في إنفاذ القانون وضمان الأمن والاستقرار. ونادى بإصلاح شامل وإعادة هيكلة القوات المسلحة وتكوين جيش وطني مهني موحد ليقوم بدوره في حماية الشعب والدستور وحدود البلاد، بالإضافة إلى إلغاء منصب القائد العام للجيش على أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة هو رئيس الوزراء، وطالب بحل جميع المليشيات وإعادة تأهيل ودمج وتسريح جميع الحركات المسلحة والدعم السريع. وشمل الإعلان إجراء انتخابات بنهاية الفترة الانتقالية برقابة شعبية ودولية بعد تحقيق السلام وعودة النازحين واللاجئين إلى موطنهم وقراهم واكتمال التعداد السكاني وإجازة قانون الانتخابات.
(3) المعتقلين السياسيين..
انتهاكات واسعة تحت مظلة (الطوارئ)
في وقت ارتفعت فيه شكوى الناشطين الحقوقيين عن وجود انتهاكات واسعة يتعرض لها المعارضين لسلطة النظام الحالي، الذي استولى على زمام الأمور بعد إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر تحت قيادة المكون العسكري في السلطة الانتقالية، وعلى نحو مفاجئ منعت الشرطة زيارات الأسر للمعتقلين السياسيين في السجون، وقصرت التواصل بين المعتقلين وذويهم عن طريق مذكرات التي يتم تبادلها عن طريق الشرطة، وقد أكدت لجنة محامي الطوارئ على ضرورة إلغاء قانون الطوارئ، وأشارت إلى اعتقال السلطات للأطفال كما وتعريضهم للضرب والتعذيب، كما كشفت اللجنة في مؤتمر صحفي لها أن اعتقال الثوار يتم عبر مجموعة من الجهات التابعة للقوات المشتركة (جيش، شرطة، دعم سريع) بالإضافة لحركات مسلحة، ويتم اقتيادهم إلى أماكن غير معلومة، في هذه الظروف تأتي زيارة الخبير الأممي لحقوق الإنسان أداما دايانغ للخرطوم، وهي الزيارة التي يترقبها الكثيرون من أسر ضحايا المظاهرات وعدد من تجمعات الناشطين.
(4) إضراب عن الطعام ..
موجة ثورية جديدة داخل السجون
منذ الاثنين الماضي الموافق 14 فبراير، دخل مالا يقل عن 100 معتقل بسجن سوبا في إضراب عن الطعام بسبب عدم التحقيق معهم لمعرفة ما يواجهونه لهم من تهم بالإضافة إلى سوء المعاملة، كما ومنع الزيارات عنهم، وكانت قد قدمت هيئة الدفاع عن المتأثرين بالاحتجاز غير المشروع وشهداء القتل الجزافي، الثلاثاء الماضي مذكرة إلى النائب العام تطالبه بالإفراج عن السجناء المضربين عن الطعام والمحتجزين بوجه غير مشروع، ولم يتم الرد عليها حتى اللحظة، وكان نائب رئيس مجلس السيادة حميدتي قد صرح الخميس الماضي، عن عدم علمه بوجود متظاهرين في المعتقلات وأعلن استعداده للإفراج عنهم حال وجدوا، ووصفت عضو الهيئة نفيسة النور حجر تصريحات حميدتي بأنها لا تتعدى الاستهلاك السياسي، وفي الأثناء كانت السلطات قد قامت بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 المجمد نشاطها منذ الانقلاب، وقامت بتوجيه تهم لهم تحت المادة 117 “خيانة الأمانة” وفند محامون هذه التهمة ووصفوه بالأعتقال السياسي البحت.
(5) أوضاع مأساوية..
أحاديث تتلقفها الوسائط الإعلامية
كانت قد تحدثت الناشطة أميرة عثمان رئيسة مبادرة لا لقهر النساء لشبكة عاين الإخبارية عن ظروف اعتقالها والتي تمثل معظم حالات المعتقلين السياسيين وكشفت عن اقتيادها لجهة غير معلومة ليلاً، وعدم المراعاة لحالاتها وظروفها الصحية كما والتحفظ عنها لمدة خمسة عشر يوماً في سجن النساء بأمد رمان، دون معرفتها بالتهمة الموجهة لها أو الجهة القائمة باعتقالها إلا في لحظات إطلاق سراحها، عندما سألت الضابطة المناوبة وأجابتها بأن الجهة التي قامت بالاعتقال هي جهاز الأمن والمخابرات الوطني، كما وكشفت والدة المعتقل بتهمة قتل العميد بريمة “توباك”، في لقاءها الأخير معه عن أثار تعذيبه بصورة بشعة وإجبارهم هو والمتهمين معه بتمثيل ما لم يقوموا بفعله في المقام الأول، وإضرابه عن الطعام، كما عدم توفير العناية الصحية اللازمة له، وهو يعاني من مرض “الضغط”.
الجريدة