دقة زار

أذكر أننا عندما كنا صغارا.. مرضت (خالتي) وهي حبوبتي في الواقع .
فالسواكنية ينادون المرأة الأكبر سنا ومقاما في الأسرة بخالتي. المهم ، مرضت وشار عليها البعض بدق الزار .
فاحضرت فرقة زار تسمى بفرقة شيخ سعد الله رحمه الله. كان يسكن ديم سواكن في بورتسودان ( الحي الذي سكن فيه كثير من السواكنية بعد ممانعة ..للرحيل للميناء التي بناها المستعمر – بورتسودان مكان مرسى شيخ برؤوت ) .
والفرقة كانت خليط عجيب من البجا والهوسا والفلاتا وامراة زبيدية حسناء تسمى( فلوس)..وهي راقصة الفرقة كما يبدو.
حضرت فلوس وهي ترتدي زيها الزبيدي التقليدي الذي يشبه زي نساء الرشايدة.. ثم استبدلته بفوطة بجاوية زاهية اللون الوردي.
نحرت الذبائح ، وأحضرت المكسرات بأنواعها والتمر والعجوة و(المشروبات ) والسجائر ..
ووضعت على صواني كبيرة من النحاس .
وكان هنالك أيضا أطباق يجمع فيها دم الذبائح كي تشربه النساء المتلبشات.
وكذلك شتى أنواع العطور والبخور.. ويترأسهم طبعا عطر بنت السودان.
إضافة إلى أقماع طويلة من الفضة كان ينثر منها ماء الورد على الحاضرات كل فترة .
كان نوع الزار إسمه زار ( الطمبرة) ، ودقاته الحماسية المجنونة شبيهة بدقات وموسيقى السماكة نوعا ما.
وكان هنالك عازف يعزف على قربة.
أقيمت في الحوش مظلة كبيرة مربعة الشكل جلست النساء على جوانبها وفرشت البسط ، والحلبة كانت في المنتصف.
كان رجال فرقة شيخ سعد الله يبدأون دق الطبول والعزف والغناء والشيخ يجلس في وقار ولا ينهض إلا للضرورة القصوى.. عندما تستعصى حالة تلبش عن الفوقان.

أغرب ما في الموضوع عندما كانوا يصيحون :
أبعدوا الأطفال.. أبعدوا الأطفال..
كنا نحن الأطفال نسترق النظر عبر شرفة قصيرة تطل على الحلبة.
ويا لهول ما كنا نراه.. ورغم الفزع حب الاستطلاع كان أقوى .

فقد كان أعضاء الفرقة يبدأون الرقص فجأة بجنون على شكل دائري وهم يدورون حول طبق عملاق ملئ ب( المعدوس) ..ويغنون : أكلنا أكل.. أكل المعدوووس
أكلنا أكل..أكل المعدوووس
وكانوا يحملون سيوفا والبعض خناجر..
ثم بعد أن يأخذ منهم اللبش والدوران الجنوني كل مأخذ..
يتوقف من تلبش منهم ثم يغرس خنجره في عنقه.. ومن يحمل سيفه يجرح به بطنه مرارا وتكرارا…!!!!
والعجيب في الأمر أن لا أحد منهم كان ينزف دما..!!!

دقة الزار هذه إستمرت لمدة أسبوع بنفس الطقوس.

وهي غالبا طقوس قديمة مستمدة من معتقدات قديمة حيث كانت تمجد أرواح الأسلاف وأرواح الطبيعة ( النترو) كما كانت تلقب في حضارات وادي النيل القديمة .
حيث يتم التوسل للأرواح الخيرة ( الروحاني ، النورانية ) لدرء أخطار الأرواح الشريرة ( الشيطانية أو الظلامية) .
………………..

* المعدوس : طعام شرقاوي يصنع من الأرز والعدس.
كان إلى جانب الفتة والخروف المحشي من الأطباق الرئيسية في الزار .

* المقال : ثقافي في المقام الأول ، يتناول الثقافات القديمة في سياقها الحضاري و الزمكاني في سبيل المساهمة في التوثيق التاريخي للتراث السوداني ، ويجب أن يفهم على هذا الأساس .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكراً يا آمنة مختار .. حضرت مرة ومن طرف الباب لدقة ظار فيها العجب الخروف محنن ومجرتك أتقول عروس والبخور يعمي النظر بس الغريبة الداقين ليهو الظار راجل بشنبات كان مريض فترة طويلة وبعد ما دقوا ليهو الظار ورقص زي الراكبو عفريت شفي منها .

    الحكاية : برضو ثقافية عشان ما يجو اب شنبات ويقولو عيب .

  2. شخصيا مستمع _ خارج نطاق شخصية الاخيدر طبعا
    و ننتظر المزيد كنوع من الاثراء الفلكلورى الثقافى مع خالص الشكر .

  3. ممكن تكتبى لينا عن طقوس الشلوخ ودق الشلوفة والذى منو .. أصلاً السياسة بقت ما جايبا همها …

  4. الاستاذة آمنة مختار
    تحياتي
    لفت نظري العنوان:دقة زار..و هو نفس عنوان لمسرحية خضرتها في الثمانينات في مسرح الطليعة بالقاهرة..

    الموضوع وصفي و جميل و فعلا يحتاج للكتابة عنه ..لما يحمله من ابعاد عديدة منها طبي(شفائي) و منها ما هو ترفيهي و منه ما هو سيكولوجي و كذلك باعتباره ممارسةاجتماعية عابرة للإثنيات و القبائل و الطبقات…

    بالرغم من انتشاره الواسع في السودان يوما ما..و لكن يبدو أن الموضوع أصبح أقل انتشارا.و بالتالي يحتاج الناس إلى الكتابة عنه و التعريف به.
    و خير دليل على ذلك أنني كنت أجلس يوما في قسم الاجتماع في جامعة الخرطوم إذ دخل علينا استاذ مشهور في معهد الدراسات الآسيويىة ليسأل عن أي كتاب يتضمن معلومات عن الزار..استغربت بالطبع لأن معهد الدراسات الأفريقية كان أكثر الجهات الاكاديمية اهتماما بالزار و الممارسات الفلكلورية و التراثية و الشعبية.

  5. شكرا استاذة آمنة وهذه لمحة وممارسة ذات بعد اجتماعي وتاريخي وثقافي غاية في الاهميةوتسجيلوكم تمنيت لو ان مثل هذه الجلسات تم تصويرها وبلغني ان المغفور له الشاعر الراحل علي عبد القيوم أعد فيلما لجلسة زار اطلق عليه (جزيرة سعاد)مع الاسف لم اره والراحل علي شاعر وسينمائي مختص اللهم ارحمه اين يوجد هذا الشريط ؟؟

  6. منذ فترة وجيزة القت قوات النظام العام القبض على مجموعة من النساء حاولوا إقامة زار , ولا أدرى ان تمت محاكمتهم أم لا.

  7. كلمة زار او الريح الاحمر اصلا كلمة اثيوبية ومعناها الملك وهى مجموعة من الشياطين ولكل شيطان وظيفة مثلا شيطان اسمو نمر الكندو يشغل وظيفة السكرتيرة وهى شياطين تتلبس بالنساء عند خروجها من البيوت وهى متعطرة مرتديات اللبس العارى وعند التلبس تشعر المراة بتقل فى الجسم وتنميل ورغبة عارمة فى ممارسة الجماع فيقولون ان هذة المراة بها ريح احمر فيذهبون بها الى شيخة الزار

    حكم الزار في الاسلام انه ضرب من أعمال الدجل أو الشرك وهو نوع من أنواع الدجل والشعوذة التي يستخدمها المشعوذون في علاج من مسَّه الجان.

    شرب الدم لا يجوز في الاسلام وهو من الاعمال التي يطلبها الجن من الساحر او المشعوذةالتي تدير عملية الزار.

    وماهو شائع في السودان ان الزار يدق للنساء ولكن يمكن ايضا ان يعمل للرجال فهو في نهاية المطاف طريقة لمعالجة البعض باستخدام الجن بطرق محرمة شرعا و في الغالب لا تخلو من الشرك والكفر بالله من جانب الشيخ او الشيخة الذين يديرون العملية

  8. شكراً يا آمنة مختار .. حضرت مرة ومن طرف الباب لدقة ظار فيها العجب الخروف محنن ومجرتك أتقول عروس والبخور يعمي النظر بس الغريبة الداقين ليهو الظار راجل بشنبات كان مريض فترة طويلة وبعد ما دقوا ليهو الظار ورقص زي الراكبو عفريت شفي منها .

    الحكاية : برضو ثقافية عشان ما يجو اب شنبات ويقولو عيب .

  9. شخصيا مستمع _ خارج نطاق شخصية الاخيدر طبعا
    و ننتظر المزيد كنوع من الاثراء الفلكلورى الثقافى مع خالص الشكر .

  10. ممكن تكتبى لينا عن طقوس الشلوخ ودق الشلوفة والذى منو .. أصلاً السياسة بقت ما جايبا همها …

  11. الاستاذة آمنة مختار
    تحياتي
    لفت نظري العنوان:دقة زار..و هو نفس عنوان لمسرحية خضرتها في الثمانينات في مسرح الطليعة بالقاهرة..

    الموضوع وصفي و جميل و فعلا يحتاج للكتابة عنه ..لما يحمله من ابعاد عديدة منها طبي(شفائي) و منها ما هو ترفيهي و منه ما هو سيكولوجي و كذلك باعتباره ممارسةاجتماعية عابرة للإثنيات و القبائل و الطبقات…

    بالرغم من انتشاره الواسع في السودان يوما ما..و لكن يبدو أن الموضوع أصبح أقل انتشارا.و بالتالي يحتاج الناس إلى الكتابة عنه و التعريف به.
    و خير دليل على ذلك أنني كنت أجلس يوما في قسم الاجتماع في جامعة الخرطوم إذ دخل علينا استاذ مشهور في معهد الدراسات الآسيويىة ليسأل عن أي كتاب يتضمن معلومات عن الزار..استغربت بالطبع لأن معهد الدراسات الأفريقية كان أكثر الجهات الاكاديمية اهتماما بالزار و الممارسات الفلكلورية و التراثية و الشعبية.

  12. شكرا استاذة آمنة وهذه لمحة وممارسة ذات بعد اجتماعي وتاريخي وثقافي غاية في الاهميةوتسجيلوكم تمنيت لو ان مثل هذه الجلسات تم تصويرها وبلغني ان المغفور له الشاعر الراحل علي عبد القيوم أعد فيلما لجلسة زار اطلق عليه (جزيرة سعاد)مع الاسف لم اره والراحل علي شاعر وسينمائي مختص اللهم ارحمه اين يوجد هذا الشريط ؟؟

  13. منذ فترة وجيزة القت قوات النظام العام القبض على مجموعة من النساء حاولوا إقامة زار , ولا أدرى ان تمت محاكمتهم أم لا.

  14. كلمة زار او الريح الاحمر اصلا كلمة اثيوبية ومعناها الملك وهى مجموعة من الشياطين ولكل شيطان وظيفة مثلا شيطان اسمو نمر الكندو يشغل وظيفة السكرتيرة وهى شياطين تتلبس بالنساء عند خروجها من البيوت وهى متعطرة مرتديات اللبس العارى وعند التلبس تشعر المراة بتقل فى الجسم وتنميل ورغبة عارمة فى ممارسة الجماع فيقولون ان هذة المراة بها ريح احمر فيذهبون بها الى شيخة الزار

    حكم الزار في الاسلام انه ضرب من أعمال الدجل أو الشرك وهو نوع من أنواع الدجل والشعوذة التي يستخدمها المشعوذون في علاج من مسَّه الجان.

    شرب الدم لا يجوز في الاسلام وهو من الاعمال التي يطلبها الجن من الساحر او المشعوذةالتي تدير عملية الزار.

    وماهو شائع في السودان ان الزار يدق للنساء ولكن يمكن ايضا ان يعمل للرجال فهو في نهاية المطاف طريقة لمعالجة البعض باستخدام الجن بطرق محرمة شرعا و في الغالب لا تخلو من الشرك والكفر بالله من جانب الشيخ او الشيخة الذين يديرون العملية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..