وجع البلد

ليس غريباً أن تجد تداعيات النزاع الرياضي وقرار الفيفا كل هذا الاهتمام والتفاعل من معظم قطاعات المجتمع والرأي العام معها فهي تستحق الاهتمام وتستحق غضب الشارع وسخطه على من تسببوا في تضييع أحلام الملايين من عشاق الرياضة بجانب أنها كما قلنا من قبل توضح للناس كيف تدار الأمور في بلادنا وكيف نصنع فشلنا المتعدد الأوجه بأيدينا ونحرسه ونرعاه حتى يكبر وينضج عوده ويبدو واضحاً للعالم بأسره.
لا يكاد مواطن في هذا العالم لم يسمع بتلك الدولة الأفريقية العربية المسماة السودان من قبل، لكن للأسف فإن الكلمات المفتاحية أو كلمات التعريف التي تنشر اسم السودان على هذا النطاق الواسع لا ترتبط بثرواتنا أو بنجاحات بلادنا أو إنجازاتها أو إنجازات أبنائها أكثر مما هي مرتبطة بفشل وأزمات بلادنا وحكاياتنا الغريبة اللافتة للانتباه وهي التي تصنع التندر المستفز علينا وتلك السخرية من الآخرين والتي نغضب جداً منها وترتفع حساسيتنا تجاهها حتى ولو كانت في سياق مازح نرفضها ونعتبرها سلوكيات استعلائية مستفزة لكننا لا نتوقف كثيراً للتأمل في أسبابها.
وفي قضية الصراع الرياضي المؤسف الذي نتج عنه قرار الفيفا بتجميد النشاط الكروي فإنك حين تتابع وتطالع الكم الهائل من الآراء والتفاعلات التي قدمها الوسط الرياضي والمراقبون بعد حدوث الكارثة تفاجأ بأن الجميع يعرفون طريق الحل لكن ذلك لم يمنع حدوث المشكلة.
وهذا بالضبط هو واقعنا السوداني في جميع المجالات الأخرى.. تجدنا سياسيين من الدرجة الأولى نحلل الأمور ونمتلك الحلول النظرية لكل القضايا لكننا برغم كل هذا نحن من أفشل دول العالم سياسياً.
في الاقتصاد نفاجأ بأن أصغر تاجر (اسكراتشات) في السوق العربي يمكن أن يقدم لك تشخيصاً وجيهاً لمشكلة السودان الاقتصادية والحلول المتاحة، بل ربما يمتلك خارطة مبسطة للحل وللخروج من المأزق الاقتصادي.. وأبسط مزارع في مشروع الجزيرة لو جلست إليه فربما يشعرك بأنه يعرف كيف يمكن أن يبعث هذا المشروع من جديد لكننا دولة مأزومة اقتصادياً عجلة إنتاجها الحقيقي متعثرة إن لم نقل متعطلة.. فاشلة صناعياً.. متأزمة سياسياً ويضاف إليها الآن الفشل الرياضي الذي ليس هو فشل المستديرة التي هي (غالب ومغلوب) بل هو فشل ربما في الضمير الإداري والإحساس الوطني والأداء الأخلاقي فشل خارج المستطيل الأخضر..
هو الفشل المقيم والدائم الذي يعود لنفس الأسباب التي نخسر بها جميع فرصنا الاقتصادية ونبدد بها عمر الوطن في صراعات السياسة والحروب..
أزمة كرة القدم الأخيرة أظهرت لنا بشكل أوضح صورة مقطعية لرئة هذا البلد المريضة وجهازه التنفسي العليل.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..