البنطلون التاني

عادل سيد أحمد

درس (أحمد) الثانوي بمدرسة الخرطوم الجديدة، مدرستنا نفسها… و في زمن غير بعيد من إرتيادنا لها، لأنَّ مصروفه اليومي كان: (45) قرشاً… طرّادة و ريالين، بفارق ريال من مصروف أولاد دفعتنا…و كان المصرُوف مستقراً و جاهزاً، في كل ليلة، في دولاب احمد… ما عدا يوم واحد خلال مرحلته الثانويّة كلِّها…
طلب منه، والدُهُ، أن ينتظر قليلاً، في صباح الغد، حتى يفتح عم (علي)، مسئول دُكَّان الجمعيّة التعاونيّة… ما شأن الجمعيّة؟
ذلك الإرتباط الذي لم يفهمه أحمد، إلا: (بعد سنوات!).
و بعد تأخر نصف ساعة عن أقرانه، كان أحمد منطلقاً في طريقه إلى المدرسة…
و لسوء حظّه، كان الناظر أوّل من استقبله…إذ كان يقف ? الناظر- في الفراندة الشرقية، المُشْمِسة، التي كانت تحيط بمكتبه، في ذلك الصباح الشتوي البارِدْ!…
و تظاهر أحمد بالاستعجال: الحريص على اللحاق بالحصّة الأولى، مؤملاً تفادي الناظر، و لكن: كانت الصفعة الأولى لأبوحميد…
و قد كانت تلك الصفعة قاسيةً جداً عليه، ألهبت روحه السمحة، و وجهه البهي، طوال الليل و آناء النهار…
و ها هُوَّ، أحمد، يذكُر طعمها، حتى: (الآن!).
الصفعة الثانية، كانت بسبب: تدرُّج لون البنطلون! و التي كانت- أي درجة اللون- تقترب من البني المُحْمَر…
و لمحهُ الناظر، من ذات المكمن، و بذات الزاوية! …
و بتهمةٍ كاتهام الذئب، بالولوغ في الموضة، و (الهيبزة!)… نال أحمد، على خده الأيمن: الصفعة رقم: (2)، من يد متمرِّسة، و موهوبة في هذا المجال!
و الحقُّ يُقال، بأن (أحمد)، كان: بريئاً، بحق، من التهمة… بل لم يكُن، هو ذاته، لم يكن راضٍ، عن: خامة و لون البنطلون، الذي اشتراه والده منفرداً، و في اللحظات الأخيرة، بحيثُ لم يُتَحْ (لأحمد)، حتى أن يوصي بالقماش الفخم، الذي كان قد اختاره بينه و بين نفسه، أثناء الإجازة الصيفيّة: بلون الكاكاو، و بنقوش صغيرة جداً بيجيّة اللوْن… و تصوُّر لتفصيله على طريقة أفنديّة الستينيات، و التي كانت تعجب أحمد، … كثيراً!
و لكن القماش الذي أختاره (والد أحمد)، و المُتوافق مع ذات يده، كان يقع على بعد (180)0 عكس مُراد (أحمد)…و نتج عنه كما سلف (الكفُّ) الثاني…الأقل إيلاماً من سابقه…
و كان (عُمر)، زميل أحمد في الصف، هو من: إرتدى البنطلون، ذا القُماش المُختار، و ذلك: لطلاوة أحوال أسرته الماديّة …
و ظلت تلك الريالات، و الطرادات، و الصفعات، و القُماش، ظلّت كلها: عالقة بوجدان (أحمد) و تصيغهُ!…
و قرأ، منها، لاحقاً مسيرة الأسرة، الاقتصاديّة، في تلك الفترة، و التي خالفت ما اعتقد في زمن الصبا النادي!…و وجد، تفسيراً لغضب والده، حين هنأهُ بالوظيفة التي أُتيحت له في تلك الفترة … و عاتبه، قائلاً:
تبارك لي: الجَبُرْ!… يا (أبو حميد)؟؟؟
و التقى (أحمدٌ)، عُمراً، ذات صيف في هولندا … و بعد أن أُستنفِدت التحايا، و ابتلت الأشواق، و برد عناقُ الصديقين العزيزين… سأل (أحمٌد)، (عمراً)، … قائلاً:
تتذكَّر! يا (عمر)، البنطلوْن؟؟؟
ياتُو بنطلوْن؟؟؟
بنطلونك ياخيّ! بتاع تانية عالي … أيَّام مدرسة الجديدة، ياخ!
و زاد إستغرابُ (عُمر)، و أضيفت له ? أي الإستغراب- لمحة، من الإشفاق… و طاحت به الظنون: ( أجنّ أحمد!؟؟)…
و ردّ، من خلف نظرات فضوليّة، تفرُّ من حدقاتِ عينيه :
لأ! ما متذكِّروا، … مالو !؟؟
كان: عاجِبْنِي!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..